Année : 2018

  • بنسعيد يروي تفاصيل غضب الحسن الثاني عندما لم يُقبّل يده وما قام به البصري

    كشف الزعيم اليساري أيت ايدر في كتابه “هكذا تكلم.. محمد بن سعيد”، تفاصيل أول لقاء له بالملك الحسن الثاني بداية الثمانينات، حيث كان ذلك بمناسبة سفر وفد مغربي الى أديس أبابا للمشاركة في لقاء لمنظمة الوحدة الافريقية، وكان ذلك بالإقامة الملكية بفاس،

    يقول بنسعيد: “جاء دوري لأسلم على الملك فاكتفيت فقط بوضع يدي على كتفه.. لكن ما إن هممت بالانصراف حتى استوقفني وسألني بنبرة ذات مغزى. “شكون أنت”.. فكان أن أجبت بنفس النبرة.. “بنسعيد”، وغادرت.

    عند عودة الوفد من أديس أبابا، يقول أيت إيدر بعث إلي ادريس البصري وزير الداخلية، من يطلب مني أن أقبل يد الملك عند لقائه.. لكنني يقول أيت إيدر اكتفيت ثانية بوضع يدي على كتف الحسن الثاني، وهممت بالانصراف، إلا أنه استوقفني وقال لي، “المخزن عندو تقاليد خصك تحترمها”، ولم أجبه، وانصرفت الى حال سبيلي، يقول بنسعيد.

  • المغرب: غرائب ملك عاش خائفا من القتل

    عن المشعل

    « الحسن الثاني كان شخصا مرعوبا ومضطربا على الدوام ».. إنها الخلاصة التي يمكن أن يخرج بها المرء وهو يطَّلع، بغير قليل من الدهشة، على بعض تفاصيل الحياة اليومية للملك الذي ظل مصرا طوال قرابة أربعة عقود، على أن يكون رئيس الدولة السياسي والعسكري والديني.. ناهيك عن ألقاب « الزينة » و »البطولة » من قبيل: « الرياضي الأول » و »الفنان الأول ».. وغيرها من التسميات، في كل المجالات التي ارتبطت بالتفوق والعبقرية البشريين.. بيد أن القلة القليلة جدا، كانت تعرف أن الحسن الثاني « تفوق » أيضا في جوانب أخرى مثل الخوف والقلق.. كيف لا والتفاصيل التي بين أيدينا، والتي راكمناها أثناء إعداد هذا الملف، تفيد أن الحسن الثاني، كان يخاف من أشياء كثيرة، منها حشود الناس حينما كان يصادف، أو يكون مُعدا له (كما حدث مرة في ليبيا، خلال زيارة رسمية بدعوة من العقيد « معمر القذافي ») أن يجد نفسه في مواجهة الجموع الغفيرة، حيث كان من أخوف ما يخافه، أن تُصوب اتجاهه طلقة قاتلة، تُسقِطه مضرجا في دمائه، كما حدث للرئيس المصري السابق « أنور السادات » على أيدي ضباط جيشه، كما أن الحسن الثاني، ظل قٌرابة ثلاثة عقود لا يسبح في مسبح القصر، مخافة أن يُفاجئه الانقلابيون وهو في وضع « مشين » لا يرتدي سوى « مايوه » السباحة..

    أما تفاصيل الحياة اليومية بالقصر، فكانت قطعة سميكة من توتر وقلق، أغلب الأيام، لأن مزاج الحسن الثاني كان شديد التعكير، بسبب هواجسه التي تُبقيه أغلب الليل مستيقظا، لينام حين يستيقظ أفراد « شعبه الوفي ».. ويقوم من فراشه عندما تكون الشمس قد مالت نحو النصف الأخير من اليوم.

    الحسن الثاني كان مُقيما على بساط من قلق.. إنها واحدة من الاستنتاجات، التي تمنحها المعطيات القليلة بهذا الشأن، لذا لم يكن مستغربا، أن يتحول شخصه إلى كتلة من غضب وقلق، وسخرية تقض مضاجع كل الذين اقتربوا منه، بهذا المستوى أو ذاك، كان على سبيل المثال، يقلب الأجواء بالقصر رأسا على عقب، حينما يستيقظ من نومه، كما كان يجد متعة كبيرة، في جعل ضيوفه ينتظرونه الساعات الطوال قبل أن « يشرفهم » بلقائه، كما لم يكن يتورع عن استدعاء وزراء حكوماته المُتعاقبة، في ساعات متأخرة من الليل، حيث تكون سِنّةُ النوم تُداعب أجفانهم.. إلى غيرها من التفاصيل، التي تثير لدى قارئها، أو المستمع إليها ابتسامة ساخرة، في أقل الأحوال، وفي أقصاها تحشد لديه تأملا كثيفا، في الطبيعة النفسية والشخصية الغريبة للحسن الثاني، الذي أصر على أن يحكم، ملايين المغاربة، الذين تضاعف عددهم ثلاث مرات، خلال فترة حكمه، على إيقاع مزاجه الخاص جدا.

    الملف التالي تجميع لبعض المعطيات التي تخللت الحياة اليومية للحسن الثاني، وأقرب المحيطين به، من أفراد أسرته، وباقي سكان القصر الذين قادهم قدرهم لـ « معايشة » كائن استثنائي.

    مخاوف لازمت الحسن الثاني طوال فترة حكمه

    ظلت المسألة الأمنية، في صلب الانشغالات خلال السنوات الثمانية والثلاثين، التي دامها حكم الحسن الثاني، وإذا كان الحديث قد انصب بهذا الصدد، ولو « باحتشام » على الآليات المؤسساتية والسياسية، التي اعتمدها الملك الراحل، لتحقيق رؤيته لشؤون الحكم، بما يجعل المؤسسة الملكية حجر الزاوية في النظام المغربي، على جميع المستويات.. فإن هناك جوانب وتفاصيل تمت لما هو شخصي ونفسي، حتمت وجود تلك السياسة الأمنية التي صُرِّفت في البلاد وبين العباد. منها مثلا أن الحسن الثاني كان رجلا مهووسا بأمنه الشخصي لاعتبارات عديدة، منها أيضا أنه اختار أن يستفرد لوحده بشؤون الحكم، وبالتالي كان ضروريا، حسب المنطق الذي اشتغل عليه، أن يتوفر على أذرع أمنية تجعله قادرا على الإمساك بزمام الأمور مهما كانت الظروف، وبطبيعة الحال لم يكن ذلك ليمر دون أن تبرز تناقضات عديدة، كان من أهمها أنه تعرض لمحاولتين انقلابيتين عسكريتين، على مدى سنتين متواليتين، كاد يفقد فيهما، ليس حياته فحسب، بل انمحاء النظام الملكي، ذلك أن الضباط الانقلابيين، لم يكونوا ليتركوا للملكية « ترف » الاستمرار في زمن كانت فيه الأنظمة العسكرية « موضة » في العالم العربي، والعديد من دول العالم الثالث، عبر أرجاء المعمور.

    وبطبيعة الحال، فقد كان من الصعب جدا على نظام ملكي، مطلق، بالشكل والمضمون اللذين أرادهما الحسن الثاني، أن يظل « ثابتا » في محيط محلي وإقليمي ودولي، متحول على المستويات الإيديولوجية (النموذجان الاشتراكي والاسلامي) لذا كانت تلك التناقضات النفسية تطفو على السطح، لكن لا تراها الأعين « المجردة » في بلاد كالمغرب، لم يكن فيه لوسائل الإعلام من دور آخر، غير « الإشادة » أو النقد المبطن، الذي لم يكن يسلم أصحابه (سيما في الصحافة الحزبية المعارِضة آنذاك) من الملاحقة والمتابعة، وبالتالي ظلت العديد من تلك التناقضات النفسية في أعلى مستوى هرم السلطة، حبيسة القلوب التي في الصدور، لدى الذين عايشوها من قلب مربع الحكم، والمُحيطين به. كما تناقل بعض العارفين بأسرار القصر، فما لأذن، الكثير من الغرائب والعجائب، عن التدبير النفسي لأمور الحكم، من نواته، أي القصر.. فعلوا ذلك بكثير من الحيطة والحذر. فالحيطان لها آذان كما يُقال، وثمة العديد من المآسي التي حلت ببعض الذين انفكت ألسنتهم قبل الأوان، غير أنه مع توالي السنوات، بدأت بعض التفاصيل العجيبة في الظهور إلى العلن، ولو في نطاق محدود، كان أغلبها مصدره كتابات أجنبية، نشرت على أعمدة الصحف الكبرى في أكثر من بلد غربي، ومؤلفات، عن الشأن المغربي، أغلبها فرنسي.

    وقبل أن نبرح هذه النقطة، بصدد حدة الموقف الأمني، المرتبط ببعض تفاصيل تناقضات التدبير الأمني، في أبعاده النفسية، يجدر بنا الإشارة إلى مُعطاة أوردها الضابط السابق، أحمد المرزوقي الذي قضى ثمانية عشر عاما في سجن « تازمامارت » السري، على خلفية اتهامه ومُحاكمته، بتهمة المشاركة في الانقلاب العسكري الأول سنة 1971، وتُفيد – أي المعطاة – ضمن كتاب المرزوقي « الزنزانة رقم عشرة » أن ضابط صف مغربي، نُقل سرا، وبلا مُحاكمة، إلى سجن « تازمامارت » لأنه نطق يوما بعبارات تذمر أمام زميل له، من المهمة الموكلة إليهما، وكانت تتمثل في حراسة مدخل قصر إحدى شخصيات القصر الملكي، ووصف « المرزوقي » الظروف المأساوية التي توفي فيها ذلك العسكري الشاب، بعدما كان قد دخل السجن الرهيب في هيئة بدنية صلبة، ليخرج جثة متهاوية، إلى قبر مجهول، ذلك لمجرد كلمة قالها في لحظة تأفف، لزميل له غير أمين!

    الواقعة إياها تشرح إلى أي مدى، كانت الاعتبارات النفسية هشة، بالنسبة لنواة الحكم في البلاد، وهي تكشف أيضا، عن الحساسية الفائقة، التي كانت لدى الحسن الثاني، كلما تعلق الأمر بسلامته الشخصية، و »هيبة » نظام حكمه المطلق.

    غير أنه في ثنايا كل تلك الصلابة الظاهرة، التي لم يتورع الحسن الثاني عن إفشائها بكل السبل والوسائل، مهما أمعنت في المُغالاة، كانت ثمة نفس قلقة مضطربة، تخشى من أهون « الإشارات » ولو كانت على شكل وشاية غير دقيقة، ففي التفاصيل التي انفكت عنها الألسنة، تأكد أن الحسن الثاني، كان شخصا مسكونا بالخوف، لا ينام من الليل إلا أقله، ولا يقرب الطعام إلا فيما ندر، كما أن حالته المزاجية لم تكن في غالب الأحيان على ما يُرام، وأنه كان يعيش أيامه وكابوس انقلاب عسكري وشيك، يتربص به حتى في غرفة نومه، كما أنه لم يكن يثق بأي شخص، بما في ذلك أقرب مُقربيه، مما حوله إلى شخص لا يُطاق، حتى في لحظات نومه، حيث كان مطلوبا أن يظل القصر « نائما » في عز النهار، حتى لا يتم التشويش على الملك النائم.

    التفاصيل كثيرة، غير أن أكثرها، ما زال طي الكتمان، ولا غرابة في ذلك، ما دام أن « تاريخ » المغرب السياسي، الذي رهن مصير أجيال المغاربة، لعقود طويلة، ما زال لم يُكتب بعد، ناهيك عن التفاصيل الشخصية والنفسية، التي أطَّرت السلوكات اليومية، للحسن الثاني، ذلك لأن أغلب هذه الأخيرة، تظل سجينة اعتبارات عديدة، منها مثلا أن المجتمع المغربي، ليس « بوحيا » (من البوح) بل « إخفائيا » (من الإخفاء) هذا إذا ما تجاوزنا « عقبة » اعتبارات الاحتراز والحذر، الأقرب إلى العصاب المرضي، كلما تعلق الأمر بأسرار رجالات السلطة النافذين، وعلى رأسهم الملك، حيث يفضل الناس عندنا « السلامة » على « الندامة ».. أما الذي يركب رأسه ويُفشي بما رآه من عورة الأسد، فيُشيع بتلك العبارة الدارجة، التي خلدت على لسان الممثلة والوزيرة « ثريا جبران » أو « قريتيف »: « ها ناري جابها فراسو ».

    مهما يكن من أمر، فإنه من المستحيل دائما، أن تظل كل الأشياء طي الكتمان، حيث يُقيض لها دائما، مَن يخرجها، ولو ببطء شديد، إلى النور، وهذا ما حدث، ويحدث حاليا مع الكثير من أسرار التناقضات الشخصية والنفسية، الزاخرة التي حبلت بها فترة الحكم الطويلة للحسن الثاني.

    ويمكن القول إن بعضا من التفاصيل المتوفرة بهذا الصدد، لا تخلو من غرابة، إذ كيف لامرئ مغربي « ألف » حتى « تكلس » وعيه، أن يفهم أن الحسن الثاني كان رجلا خائفا على الدوام، تطارده الكوابيس، ويشك في كل ما يحيط به، لأنه عاش لحظات عصيبة كاد أن يتحول فيها من مُطارد للناس إلى طريد، يجري وراءه العساكر وأيديهم على الزناد، لإردائه قتيلا متى أصبحت المسافة بينهم وبينه مُناسبة؟ كيف يمكن أن يفهم « يا أيها الناس » أن الملك الذي جعلهم يعتقدون، بقوة السلطة وجبروتها، أنه « أبدي » لا يموت.. (كيف لهم أن يفهموا).. أن الرجل كان إنسانا خائفا ومرعوبا، يتطير من خبر وقوع انقلاب في أحد أصقاع المعمور البعيدة، ويعتبره فألا سيئا، فيفسد نهاره بأكمله؟ وكيف لهم أن يفهموا، أن سكان القصر، سيما النساء، كُن دائما على أهبة الاستعداد للهرب في كل الاتجاهات، عند حدوث الأمر « الجلل » لدرجة أن الأحذية الرياضية كانت على الدوام تحث الأسرة، عسى يكون الإفلات؟ و.. و… وأسئلة كثيرة متناسلة، تحتاج إلى أجيال من المغاربة « المُبصرين » خلف هالة المُلك، الذي منحه الحسن الثاني « الصولة والصولجان » ليتسنى لهم أخيرا، فقط، الفهم،  أن الإنسان يظل إنسانا، ولو كان في قالب مُلك مرمري؟

    تحصينات الحسن الثاني المعمارية والبشرية

    لُقب الحسن الثاني بأنه كان ملكا رحالة، ليس بالمفهوم الذي كان عليه الرحالة المغربي الشهير « ابن بطوطة » بل في اتجاه معكوس، أي أن الحسن الثاني كان رحالة داخل المغرب من خلال التسعة وعشرين قصرا التي توفر عليها في شتى أنحاء البلاد، في مدن مثل أكَادير وطنجة ومراكش وإفران.. والدار البيضاء إلخ، قصور فخمة فسيحة، هي في ملكية الدولة « رسميا » لكنها ليست كذلك « فعليا » ناهيك عن عشرات « الفيلات » المُصممة على الطراز المعماري للقصور، المسورة بشكل كثيف، بما يجعلها بمنأى عن الأعين المتلصصة، وذلك من خلال الحراسة المشددة التي تحيط بها.. غير أن قصر العاصمة في حي « تواركَة » يظل هو مقر الإقامة الرسمي، وبالتالي الأكثر تشددا في الحراسة.. وبالنظر إلى كل ذلك الهوس الأمني للحسن الثاني، فقد كان « طبيعيا » أن تكون الحراسة مستمرة أربعة وعشرين ساعة على أربعة وعشرين، حوالي كل جنبات قصر الرباط،  الذي ظل رمزا معماريا لحكم العلويين منذ القرن الثامن عشر، فهو عبارة عن مدينة قائمة بذاتها، بأزقة ومصحة ومقبرة، ومجزرة لحوم، وثكنة عسكرية، ومسبحين، ومسالك الغولف، بثمانين حفرة، وملاعب كرة المضرب، وعشرات الفيلات، وغابة، ومركب سجني. إنها حسب وصف بعض الذين دخلوها، من بين خاصة الخاصة، مدينة متكاملة شبه مهجورة، لكن مئات الأعين مبثوثة في أرجائها، لا تترك مجالا للصدفة في أشد أركانها انعزالا.. فعند مستوى الحراسة الأول، هناك دائما عند كل مدخل من بين عشرات مداخل القصر الملكي بالرباط، حضور أمني مُكثف، قوامه أفراد من مختلف أجهزة الأمن السرية والعلنية، وفكرة الحسن الثاني من وراء ذلك، هي أن يراقب كل « عنصر » أمن الآخرين، في دوامة متشابكة ومعقدة لا تنتهي إلا لتبدأ، حيث يوجد جنبا إلى جنب، عساكر فرقة المظليين العسكرية، والحرس الملكي، وفرقة التدخل السريع، وحراس القصر الخاصين، والقوات المساعدة الملقبين بـ « الفرارج » ومئات من أفراد مديرية مراقبة التراب الوطني « دي .إيس.تي » ومكافحة التجسس « لادجيد » والدرك الملكي.. إلخ.

    علق أحد الصحافيين الغربيين، ممن كتبوا عن الأجواء الأمنية بالقصر الملكي بالرباط قائلا: « إنها أجواء تذكر بفضاءات قصص الكاتب الأرجنتيني الشهير خورخي لويس بورخيس، حيث يتعلق الأمر بعالم شديد الإبهام، عبر متاهات شديدة التركيب والتعقيد ».. لا غرابة في ذلك، بالنظر إلى الخوف المقيم، الذي كان لدى الحسن الثاني من انقلاب ثالث يأتي على الملك والملكية، ليحقق ما فشل فيه الانقلابان السابقان، لسنتين متواليتين (1971 و1972). لذا فإن كل ذلك الحذر الأمني، دفع الحسن الثاني، إلى اعتماد تصميم هندسي جديد للقصر،  جعلت ما هو « مهم » مختفيا بشكل يجعله لا يسترعي « الانتباه »، في حين أن الأقل أهمية، معروض بشكل سافر. فثمة مثلا أبواب خشب الأرز الثقيلة الضخمة، المنقوشة، لكنها لا تُفضي عند فتحها، سوى إلى مساحات فارغة، أما الأبهاء (جمع بهو) فكلها عبارة عن متاهات لا تنتهي، إلا إلى مزيد من التيه، أما الممرات، فتفضي إلى مزيد من أمثالها، بلا مخارج أو مداخل، بالنسبة لمن لا يمتلك أسرار جغرافيتها، هذا بينما تظل « الممرات » الحقيقية، سرا لأنها عبارة عن أسوار بلا منافذ، بالنسبة لمن لا يعرف المكان.. وحدها سراديب أدراج ضيقة جدا، إنارتها خافتة، لدرجة تبدو معها وكأنها ستؤدي إلى « لاكاب » تتجه إلى الإقامات الخاصة للحسن الثاني.

    لا أحد باستثناء الحسن الثاني، كان يعرف مداخل ومخارج تلك الأبهاء المتاهية، وللإشارة فإنه حتى بالنسبة لأفراد أسرته – أي الحسن الثاني – وأقرب المُقربين منه، كان حتما عليهم المرور عبر مرآب « كَراج » يوجد في مكان جانبي، وليس المدخل السري الخاص بالحسن الثاني، فهناك، أي عند المرآب المذكور، ثمة مربد السيارات إلى جانب بناية مجهولة حيث يقضي السائقون والحراس الشخصيين سحابة يومهم.

    إنها بعض متاهات قصر الحسن الثاني، التي صممها على هدي هواجس الخوف المُقيمة، كما سكنته طوال فترة حكمه.

    لا طائرة تطير في بلاد الحسن الثاني إلا بإذنه

    يتذكر أحد الصيادين المحترفين من مدينة القنيطرة، أن أحد مراكب الصيد غرق في عرض البحر قٌبالة شاطئ المهدية، خلال يوم عاصف من إحدى سنوات منتصف تسعينيات، القرن الماضي، لنستمع إلى الرجل وهو يحكي ما حدث: « كان على متن مركب الصيد سبعة صيادين، وبعدما توصلت إدارة الميناء بنداء الاستغاثة، تم الاتصال بقائد سرية الدرك الجهوية، من أجل تخصيص طائرة مروحية في عملية الإنقاذ » مُضيفا: « طال الانتظار الليل بأكمله، دون أن تظهر الطائرة المذكورة في الأفق » ليهلك الصيادون السبعة عن آخرهم في عرض البحر »!

    إن الواقعة المأساوية المذكورة، تُعتبر واحدة من بين عشرات غيرها، عبر المدن الساحلية المغربية، وقد كان كافيا أن يٌُصدر قائد سرية الدرك المحلية حينها، أمرا بإقلاع واحدة من عشرات الطائرات المروحية، مزودة بعتاد الإنقاذ اللازمة، من أطواق نجاة وسلالم حبال، ليتم إنقاذ الصيادين، غير أن هذه البساطة كانت تصطدم دائما بتعقيدات إدارية، لا تنتهي، فكما قال لنا الصياد القنيطري: « لقد علمنا فيما بعد، أن أي تحرك لطائرات الدرك، كان يحتاج إلى أمر خاص استثنائي من الجنرال حسني بنسليمان نفسه، كما أن هذا الأخير كان ضروريا أن يخطر الحسن الثاني شخصيا، بأمر إقلاع الطائرة والغرض منه، وهو ما لم يكن ممكنا حتى تصوره ».

    بالفعل، فمن يستطيع أن يتصور أن يقوم الجنرال « حسني بنسليمان » بإيقاظ الحسن الثاني من نومه، أو أن « يزعجه » حتى لو كان صاحيا (الحسن الثاني كان كائنا ليليا لا يؤوب إلى فراشه حتى الساعة الرابعة أو الخامسة صباحا)؟ لذا فقد كان حراس الموانئ يكتفون بـ » معايشة » آخر لحظات حياة طواقم الصيد المنكوبة، عبر أجهزة الاتصال اللاسلكية، حتى يطوي عباب البحر أجساد الصيادين التعساء، الذين كان من سوء حظهم أنهم وُلدوا في بلاد يحكمها ملك « يتطير » من أي طيران في الجو بدون إذنه.

    ثمة ضمن أهم أسباب ذلك « التشدد » في منع الملاحة الجوية، بدون سبب « وجيه » أن الحسن الثاني، عاش لحظات عصيبة، يوم 16 غشت سنة 1972، حينما قنبلت طائرات القاعدة الجوية بمدينة القنيطرة طائرة « البوينغ » الملكية، حينما كان الحسن الثاني عائدا من سفر إلى فرنسا، ولولا سرعة بديهة الربان « القباج » لكان الحسن الثاني قد فارق الحياة منذ ذلك الحين، غير أن من بين النتائج « الوخيمة » لذلك، أن الملاحة الجوية، ظلت ممنوعة منذئذ، لأي غرض مهما كان مستعجلا، كأن يتعلق بإنقاذ أرواح بضعة صيادين كادحين، لقد كان ذلك أمرا مستحيلا، باعتبار حساسية موضوع إقلاع الطائرات بدون إذن من الحسن الثاني.

    يوم قال الحسن الثاني لـ « محمد المديوري »: « الفلاح الذي باغتني قتلني »!

    كانت المناسبة تدشين سد « الحسن الأول » أو « تاشواريت » بالتعبير الأمازيغي لأهل المنطقة حيث يقع السد، في منطقة جبلية قريبة من مدينة « أزيلال ».. والزمن كان إحدى سنوات منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضي، الاستعدادات الأمنية والبروتوكولية كانت على أشدها، كيف لا والحسن الثاني إلى جانب الرئيس الفرنسي الاشتراكي « فرانسوا ميتيران » كانا سيقومان معا بعملية التدشين البروتوكولية.. كان الموكب المشهود يسير الهوينى، فوق الزرابي التي حشدها مقدمو وقياد دواوير المنطقة، وفجأة « انفلت » أحد الفلاحين من بين الحشد، مُخترقا كل « الأسوار » الأمنية والبشرية، قوامها رجال الأمن والدرك والقوات المساعدة، فضلا عن رجال الحرس الخاص، الذين كانوا متيقظين تحت أنظار « القط » محمد المديوري.. وبطبيعة الحال تسنى لهؤلاء الأخيرين أن يحولوا بين الرجل والحسن الثاني، لكن بعدما كان هذا الأخير قد اعتقد في لحظة مرت كالبرق، أنه إزاء عملية اغتيال انتحارية، ذلك أنه لم يعد يفصله عن « قاتله » المفترض سوى بضعة أمتار قليلة، كانت « كافية » ليتم القدر المحتوم.. وتبين بعد التحقيق مع مشروع « القاتل » أنه ليس سوى فلاحا بسيطا من الجوار يحمل رسالة مطلبية كان يريد تسليمها « يدا بيد » إلى الملك، غير أنه لم يُفلح في ذلك بطبيعة الحال، وبينما كان الحسن الثاني غارقا في « ذهوله » من فُجائية اللحظة، رمق « ميتران » المشهد بعينين مشدوهتين، سيما بعدما لاحظ الجلبة الكبيرة التي أحدثها الحُراس الشخصيون للحسن الثاني، وأفراد الأمن.

    أحد المصادر الذي عاين المشهد نقل إلينا أن الحسن الثاني توجه حينها غاضبا لرئيس حرسه الحاج « المديوري » قائلا: « من تلك المسافة إنني ميت ».. مما جعل « المديوري » يصب جام غضبه على مرؤوسيه، حيث أرسل بعضهم لإعادة « التكوين » في معهد الشرطة بالقنيطرة.

    يوم أمر الحسن الثاني بإقفال بئر في إفران لأسباب أمنية

    الواقعة التي سننقلها هنا بتفاصيلها الدالة، رواها لنا أحد الموظفين السابقين في القصر الملكي بمدينة إفران، وفي تفاصيلها أن الحسن الثاني كان كثيرا ما يتردد على المدينة الأطلسية المذكورة، حيث كان يحلو له مُمارسة هواية صيد سمك « الترويت ».. إذ أُحدثت من أجل ذلك،  مصايد خاصة، عبارة عن بحيرات صغيرة، تسهل على الملك عملية الاصطياد، أي أن لا يُخرج الصنارة خاوية أبدا.. وحدث أن الحسن الثاني خرج يوما من قصر « إفران » وحيدا، لمعرفته أن المساحة الشاسعة المحيطة بالقصر محروسة جيدا، ليس فقط بعشرات رجال الأمن، في الأوقات العادية، والذين يتضاعف عددهم حينما تُعتمد حالة الطوارئ عند إقامته بقصر « إفران ».. (ليس لذلك السبب فحسب) بل لوجود سياج عال من الأسلاك الشائكة، تحول بين القصر، وما جاوره على مدى قُطر دائري شاسع، وفي لحظة ما، يقول مصدرنا المذكور، وجد الحسن الثاني نفسه فجأة وجها لوجه مع امرأة من يا أيها الناس، تحمل عبوات (بيدوات) من ذلك النوع الذي يستخدمه بسطاء الناس في القرى لجلب الماء من مصادر طبيعية، جفل الحسن الثاني، عند رؤية المرأة، غير أنه لم ينبس ببنت شفة، وقفل راجعا إلى القصر الذي كان قد ابتعد عنه ببضعة مئات من الأمتار.. وهناك استشاط غضبا على المكلفين بالحراسة، وطلب بإنجاز تقرير على الفور، لمعرفة سبب « مُصادفته » المرأة القروية صاحبة « البيدوات » وعما قد يكون جاء بها إلى هناك.. وفي ساعات قليلة كان التفسير بين يديه، وكان كالتالي: إن مصادر المياه المعتادة، بالنسبة لبعض القرويين القاطنين في الجوار، كانت قد جفت بفعل شح السماء في تلك السنة، مما جعل بعض النساء والأطفال المكلفين بجلب المياه لبيوتهم « يُغامرون » بالتوغل أكثر صوب المنطقة « المحرمة » القريبة من القصر الملكي، وبالتحديد حيث كانت عين ماء ما زالت تمنح من فيض مياهها.

    وحسب المصدر نفسه فإن الحسن الثاني أمر على الفور أن يتم إغلاق تلك العين « القريبة » من قصره، حتى لا يستمر القرويون في « الاقتراب » من محيط مُمارسة هوايته المفضلة في إفران، أي صيد سمك « الترويت » في مصايدها المُعدة بعناية.

    ممنوع حمل المسدسات في حضرة الملك

    ليس من شك، أن الحسن الثاني، ندم كثيرا حينما كان يتذكر، طيلة السنوات التي أعقبت المحاولتين الانقلابيتين العسكريتين، لأنه كان يترك بعض كبار ضباطه العسكريين يتمنطقون في حضرته، بمسدساتهم المتنوعة، غير أنه لم يكن لينسى واحدة من تلك اللحظات « العصيبة » التي كان خلالها مُجتمعا، مع بعض وزراء حكومته في أحد أيام أواخر سنوات عقد الستينيات من القرن الماضي، وبالتحديد حين نشبت خلافات بين الجنرال محمد أوفقير، وبعض الوزراء بشأن إخلاء أراضي فلاحية خصبة، بمنطقة بني ملال، من سكانها القرويين البسطاء، ليسطو عليها بعض الوزراء وكبار شخصيات الدولة، حيث كان المتضررون قد اتصلوا بالجنرال « أوفقير » مستنجدين به، فما كان من هذا الأخير الذي كان شديد الاعتداد بنفسه، وعلى عداوة مع وزراء كثيرين، حيث كان ينظر إليهم باحتقار مشوب بالاستعلاء.. (فما كان من أوفقير) إلا أن ذهب بنفسه إلى عين المكان وهو يسوق سيارته بسرعة جنونية، وعمل على إيقاف إجراءات إخلاء الأراضي الفلاحية من قروييها، وهي العملية التي كان يشرف عليها آنذاك عامل مدينة بني ملال نزولا عند رغبة الوزراء، والنتيجة أن خبر ذلك النزاع بلغ إلى الحسن الثاني، وبالتالي ذلك الاجتماع الذي كان بين هذا الأخير وبعض وزراء حكومته، إلى جانب الجنرال « أوفقير » وحسب التفاصيل التي نقلها الصحافي الفرنسي « ستيفان سميت » في كتابه: « أوفقير قدر مغربي » فإن الاجتماع المذكور كان عاصفا، بين الطرفين، فمن جهة كان الحسن الثاني لا يُريد « حرمان » بعض وزرائه من الضيعات التي أرادوها، ما دام ذلك يضمن له ولاءهم، كما لم يكن يريد أن يخسر مخدومية جنرال قوي في نظامه من طراز محمد أوفقير، وفي لحظة عاصفة، استل « أوفقير » مسدسه الشخصي ووضعه على طاولة الاجتماع قائلا بهدوء وهو ينظر إلى الحسن الثاني: أنا مستعد لإطلاق رصاصة على رأسي إذا ما كان هناك أدنى شك في إخلاصي.. وبالنظر إلى ما قام به « أوفقير » فيما بعد ببضع سنوات، من دور محوري في الإعداد للانقلابين العسكريين، فقد كان من السهل عليه « عمليا » أن يصوب مسدسه اتجاه الحسن الثاني ثم يطلق عليه الرصاص فيُرديه قتيلا.. ما حدث حينها حسب التفاصيل التي تضمنها الكتاب المذكور، هو أن الحسن الثاني طيب خاطر جنراله القوي، من خلال إرجاء عملية استيلاء الوزراء على ضيعات الفلاحين.. غير أن الحسن الثاني لم ينس أبدا تلك اللحظة، عقب الانقلابين العسكريين، لذا فقد صدرت الأوامر الصارمة، إلى أفراد الحرس الخاص برئاسة الحاج المديوري، بألا يحمل أي شخص مهما كانت رتبته العسكرية أو الأمنية، سلاحا بذخيرة حية أو ميتة، في حضرة الحسن الثاني. وهو الأمر الذي استمر تطبيقه بـ « حذافيره » طوال عقود وسنين حكم الحسن الثاني.

    الملك في السينما وإلى جانبه مسدسه

     ولا يسبح خوفا من الموت وهو بـ  » المايوه »

    من بين التفاصيل التي « تسربت » عن الحياة الخاصة للحسن الثاني، أنه كان في بعض الليالي، ينتقل رفقة نساء حريمه، لمشاهدة أحد أفلام رعاة البقر أو الرعب أو البوليسية، وذلك بعدما كان يحرص على وضع مسدسه إلى جانبه، فليس من شك، بالنسبة للذين نقلوا هذه التفاصيل أن الحسن الثاني كان يخشى أن يُباغته انقلاب على نظامه، فيغشى الانقلابيون عليه غرفه الخاصة، بعدما يكونوا قد تخطوا أسوار القصر العالية السميكة، ثم يصلون إليه حيث هو في صالة العرض السينمائي بالقصر، بغرض تصفيته، لذا كان حريصا على أن يكون مسدسه بجانبه في كل مرة يستغرق خلالها في مشاهدة أحد أفلام المغامرات من الدرجة الثانية، التي كان يُقبل عليها بنهم كبير.

    ثمة أيضا من التفاصيل بهذا الصدد، ما يتعلق بواحدة من هواياته المُفضلة، وما أكثرها، هي السباحة، فبالرغم من أنه كان يتوفر على مسبح كبير بالقصر مفتوح على السماء، عامر بمياه عذبة مُعالجة طبيا، إلا أنه توقف عن السباحة فيه منذ بداية سنوات عقد الثمانينيات، وذلك مُباشرة بعد « موت » الجنرال « أحمد الدليمي » الرجل الثاني في النظام بعد « مقتل » الجنرال « محمد أوفقير ». ظل الحسن الثاني منذ ذلك الحين مسكونا بهاجس انقلاب عسكري ضده، وبالتالي تجنبه السباحة في المسبح الرائع بقصر الرباط، مخافة أن يفاجئه الإنقلابيون وهو في وضعية غير « لائقة » مرتديا فحسب « المايوه » دون أية وسيلة دفاع عن النفس.

    كيف أصبح الحسن الثاني كائنا « ليليا »؟

    لم يكن الحسن الثاني شخصا عاديا، فقد كان ملكا حكم بلادا تضاعف سكانها خلال فترة حكمه، ثلاث مرات، حتى أصبحوا زهاء ثلاثين مليون نسمة، ومثل هذا العدد يزيد من التناقضات العصية على « الضبط ».. لذا فقد كان « طبيعيا » ألا يتوفر على إيقاع حياة يومية عادية، بل كانت على قدر كبير من الاضطراب والإثارة. ومن ذلك مثلا أنه « أصر » على أن يتوفر على مظاهر حياة خاصة منتمية لعصر آخر قديم، وحسب بعض الذين اقتربوا منه كثيرا أو قليلا، فإن الحسن الثاني تغير بشكل مذهل، عقب وقوع الانقلابين العسكريين المتتابعين، كيف ذلك؟

    من التفاصيل المتوفرة بهذا الصدد أن الحسن الثاني كان ينام حينما يشرع أول أفراد شعبه في الاستيقاظ والدَبِّ على الأرض، ويتناول غذاءه – فيما ندر – في بداية المساء، ويقضي سحابة يومه تقريبا في ملعب الغولف، أو « مرفرفا » حسب تعبير أحد الكتاب الفرنسيين، بين نساء حريمه، ومستشاريه، ليتناول طعام العشاء في منتصف الليل، ثم لا ينام حتى الساعة الرابعة أو الخامسة صباحا.

    السبب في هذا الاستعمال الغريب للزمن، يعزوه مُقربوه المذكورون إلى أن الرجل – أي الحسن الثاني – كان مسكونا بهواجس أمنه الشخصي وأمن أفراد أسرته، لذا كان يعتقد أن الأنباء السيئة تُدبر « مؤامراتها » بليل، وبالتالي إن بقاءه مستيقظا، سيجعله ملما بها قبل فوات الأوان، غير أنه في خضم هذه « الفوبيا » الأمنية، كان استعمال الزمن المضطرب للحسن الثاني، يخلق إحراجا كبيرا للمحيطين به، كما لضيوفه، من كبار رجالات الدولة في العالم، ولا بأس أن نروي في هذا الصدد بعض التفاصيل المُوثقة، التي لا تخلو من طرافة.

    لقد كان الحسن الثاني كثيرا ما يمنح الضوء الأخضر لمدير بروتوكولاته الجنرال « أحمد العلوي » لاستقبال شخصيات عديدة، كان بينها رؤساء وملوك وكبار الدبلوماسيين ورجالات ونساء الإعلام، وأشهر الأكاديميين، عبر العالم، غير أنه لم يكن يلتزم بالمواعيد المضروبة، بل يلتقي بالشخصية المعنية بالموعد، في الوقت الذي كان يحلو له. وهو ما استحق عليه لقب « الملك الأقل لباقة في العالم » من طرف الصحافة الأنكَلوساكسونية، وذلك بعدما جعل الحسن الثاني ملكة بريطانيا « إليزابيت » تنتظره ساعة كاملة، خلال أحد أيام زيارتها الرسمية للمغرب، إلى درجة أن هناك مَن اعتبر أن الحسن الثاني كان يتعمد ذلك، لأنه كان يجد فيه متعة كبيرة. ومهما يكن من أمر، وحسب التفاصيل المتوفرة، فإن مواعيد الحسن الثاني كانت تتأخر لأسباب عديدة، منها اعتبار أمنه الشخصي، حيث يطول الإعداد له من طرف خدامه « المتحمسين » وكذلك حسب مزاجه، وهو ما كان يثير ضجر ضيوفه الأجانب، وكان من بينهم الرئيس الفرنسي السابق « فرانسوا ميتيران » وملك إسبانيا « خوان كارلوس ».

    كيف تغير الحسن الثاني؟

    كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن التغيير الكبير الذي طرأ على وتيرة الحياة اليومية للحسن الثاني، ارتبط بواقعتي المحاولتين الانقلابيتين العسكريتين المُتتابعتين (1971- 1972). فقبل ذلك كان الحسن الثاني يعيش نمط حياة شبه عادية، على المستوى الزمني، حيث كان يصل إلى مكتبه في التاسعة صباحا، بعدما يكون قد استيقظ مبكرا، ليتناول غذاءه في منتصف النهار، قبل أن يعود إلى مهامه، كما كان يمارس رياضة السباحة بانتظام، ويلعب كرة المضرب، والغولف، فضلا عن القنص، حيث كان بإمكانه التصويب بالبندقية، ليسقط زهاء مائة طائر في ظرف ساعة واحدة.

    كل ذلك تغير عقب الظرفية العصيبة المذكورة، صحيح لقد احتفظ الحسن الثاني بمظهر الواثق من نفسه، إزاء العالم الخارجي، سيما في جلسات ندواته الصحافية، التي كان يحب مُجادلاتها مع رجال ونساء الصحافة الغربية، وبالأخص منهم الفرنسيون، حيث قال في إحداها: « حينما أقوم بجرد لحصيلة حياتي، أجد أن الدَّين أكبر من المديونية، إنني لم أقم سوى بأمور إيجابية، من حواليَّ، فأنا لم أضر أي أحد، وأشعر أني بين ظهراني شعبي مثل سمكة في الماء، حسب تعبير ماو تسي تونغ ».

    لم تكن هذه في الواقع سوى كلمات مطلوقة في الهواء، ذلك أن الذين احتكوا بالرجل – أي الحسن الثاني – بشكل يومي، كانوا يعرفون أن تلك الثقة بالنفس كانت ظاهرية فحسب، وأنه على العكس من ذلك، كان ممروضا ممعودا، جراء الخوف من وقوع محاولة انقلابية ثالثة، كما أنه لم ينس أبدا أن أفراد « شعبه الوفي » التزموا الهدوء والسكينة حين وقوع الانقلابين العسكريين، بل وكان بينهم مَن خرجوا، للتعبير عن الابتهاج، كما حدث في مدينة الدار البيضاء، على سبيل المثال، في ظرفية كان فيها مصير العرش الملكي، مُعلقا بخيط رفيع.. لكل ذلك وغيره، من الاعتبارات المُماثلة، ظل الحسن الثاني إنسانا مُؤرقا لا ينام ليله كأغلب الناس، وحذرا على نحو شبه مرضي. صحيح لقد ظلت قواعد البروتوكول مرعية ظاهريا، كما أن جداول المواعيد الملكية بقيت كما كانت، لكن كل الترتيبات بهذا الصدد، كانت تزعزعها، الساعة البيولوجية المضطربة لنوم واستيقاظ الملك، فحتى في أماكن الإقامة التي كان يفضلها عن غيرها، مثل قصري الصخيرات (للمفارقة ففي هذا القصر حدثت المحاولة الانقلابية العسكرية الأولى ضده) أو « بوزنيقة » الذي كان محصورا على نساء حريمه، لم يكن الحسن الثاني يعثر على الراحة الضرورية، لذا فإن النوم لم يكن يُداعب جفنيه، حتى يكون النهار بصدد الطلوع، حيث يكون الإجهاد قد هََدَّهُ، وفي تلك الأثناء تُعلق الحياة داخل القصر، بكاملها في انتظار نيل الحسن الثاني قسطا من النوم، وحينما كان يستيقظ، تكون الشمس قد مالت نحو كبد السماء، وعندها يجعل حياة القصر منقلبة رأسا على عقب، من الناحية المزاجية، وهو ما كان يخلق متاعب لا حصر لها للعاملين على خدمته، من مختلف المراتب والمشارب، ومن الطريف أن نذكر بصدد أجندة الحياة اليومية الغريبة للحسن الثاني، أنه كثيرا ما كان يطلب من وزراء حكومته الحضور، في وقت يستعد فيه هؤلاء للذهاب إلى فراش النوم.

    سفريات وجولات الحسن الثاني: احتياطات أمنية لا تنتهي

    لا يختلف إثنان على أن تنقلات الحسن الثاني، كانت عبارة عن سلسلة إجراءات أمنية مشددة، قبل أي شيء آخر، فعلى سبيل المثال لا الحصر، حينما كان ينتقل إلى إحدى المناطق المغربية، البعيدة أو القريبة، من العاصمة، على متن سيارة مصفحة كبيرة، من نوع « ليموزين » أو « ميرسيديس » مُعدة بوسائل الراحة الأكثر فخامة، منها طاولة لعب الورق مع مرافقيه.. (حينما كان يفعل ذلك) فإن صفوف رجال الأمن تحيط بجنبات الشوارع والطرق التي يمر منها، وهم يديرون ظهورهم للموكب الملكي، ووجوههم إلى الحشود، ويا ويل رجل الأمن الذي يُخالف هذه القاعدة الأمنية الصارمة.

    وفي الحالات التي كان الحسن الثاني « يضطر » إلى تلقي « حمامات ازدحام » حسب العبارة الفرنسية، فإنه كان يفعل ذلك، بعد اتخاذ كافة الاحتياطات الأمنية، من بينها، ارتداء سترة واقية من الرصاص، ناهيك عن أفراد أجهزة الأمن السرية والعلنية، الذين يندسون بشكل سافر وسط الناس، لالتقاط كل « ذبذبات » الحشود.

    وعلى مستوى آخر، فإن حي « تواركَة » الذي يوجد به القصر الملكي، أي الإقامة الرسمية للحسن الثاني وأسرته، يتم فصله وعزله تماما، عن باقي أطراف العاصمة الرباط، ما بين الساعة الثامنة والنصف مساء والسادسة من صباح اليوم الموالي، أما أبواب القصر الأرزية الضخمة، فيتم إقفالها عند الساعة الثامنة مساء، ويكون العمل حينها بإجراءات أمن مُشددة، لم يكن يُستثنى منها أحد، بما في ذلك أبناء الحسن الثاني الأمراء والأميرات، الذين كانوا كثيرا ما يعمدون إلى استخدام الكثير من الحيل للتسلل خارج أسوار القصر ليلا.

    أحذية رياضية تحت أسرة غرف النوم بالقصر

    لم يكن يتسنى للذين عاشوا جوار الحسن الثاني أن « يهنأوا » بأجواء حياة طيبة.. صحيح، لقد كانت وسائل العيش المادية، متوفرة إلى مستوى أقرب إلى الخيال منه للواقع، لكن « الثمن » كان باهظا، يُدفع من أعصاب متوترة وقلق مُقيم، جراء الأجواء المكهربة في القصر، والاحتياطات الكبيرة، الدقيقة، لاعتبارات أمنية، بشكل يفوق الاحتمال، فعلى سبيل المثال، فإن أجواء الخوف والحذر، كانت شديدة الوطأة على عشرات النساء من حريم الحسن الثاني، فحينما كان هذا الأخير، يقرر اصطحابهن معه في إحدى سفرياته إلى الخارج، فإنه كان يتم ختم حقائبهن الكبيرة واليدوية في المطار، ويكون ممنوعا عليهن فتحها، مهما كان الظرف.

    نفس أجواء الخوف والقلق والتوتر، كانت تنسحب على أفراد أسرة الحسن الثاني، وثمة بهذا الصدد واقعة طريفة، حدثت حينما فكر ابن أخ الحسن الثاني الأمير هشام، في منح هدية لعمه الملك، حيث عمد إلى اقتناء ثلاث بندقيات صيد حديثة الصنع، لم يكن قد تم تسويقها بعد، حرص على أن يتم نقش اسم الحسن الثاني عليها، لمعرفته أن عمه الملك، يحب هذا النوع من العتاد، وبينما كان الأمير هشام ينتظر تشكرات مؤثرة من الحسن الثاني، تلقى منه تقريعا شديدا لا ينتهي، وذلك بعدما عمدت مصلحة « مخابرات » القصر برئاسة الحاج محمد المديوري إلى إخطار الحسن الثاني، بأن ابن أخيه قد استطاع إدخال أسلحة من الخارج، ليس فقط إلى البلاد، بل أتى بها حتى قعر القصر.

    ومن نفس الأجواء المتوترة، التي كان يرزح تحتها أفراد أسرة الحسن الثاني، بصدد الاعتبارات الأمنية المتشددة، كان الاعتقاد جازما لدى الجميع داخل القصر، سيما النساء، أن انقلابا سيحدث في أية لحظة، ومن ثم الخوف الشديد من مصير مأساوي، على غرار ما حدث يوم عاشر يوليوز من سنة 1971، الفكرة المحورية عن هذه « الفوبيا » المُقيمة لدى سكان القصر كانت هي: « هناك حيث فشل الجنرال أوفقير يمكن أن ينجح عسكريون آخرون ». ومن الطريف أن نذكر أيضا في هذا الصدد، أنه بالرغم من عادة المشي على أرضية ساحات ومرافق القصر بأقدام حافية، إلا أن الكثير من نساء حريم الحسن الثاني، سيما الفتيات الصغيرات منهن، كُنَّ يُخفين أحذية رياضية، تحت أسرتهن قبل أن يخلدن إلى النوم، ليظللن دائما على استعداد لحالات الطوارئ، وعلى أهبة الهرب حينما يقع ما يخشونه، لقد كن يعتقدن جازمات أن انقلابيي العسكر لن يرحمنهن، خلال الانقلاب، كما كانت هناك بينهن مَن يستشرن بانتظام عرافين وعرافات مشهورين، لقراءة طالعهن بصدد نهاية مأساوية مُحتملة بقدر كبير.

    يوم عَضَّتْ امرأة ليبية يد حارس الحسن الثاني

    حينما تسلم الحاج « محمد المديوري » رسميا منصب رئاسة الحرس الخاص للملك الحسن الثاني، عمد إلى الاستحواذ على مهمة « مسير » رياضي، وغرق في مسؤوليات « تحديث » جهاز الحراس الخاصين للملك، وللأميرات والأمراء، وفي سبيل ذلك لجأ إلى تقنية الاستقطاب للكوادر المؤهلة، من بين شباب مدارس الشرطة، والأندية الرياضية، سيما المشتغلة منها بفنون القتال، وإلى هذه الأخيرة يُعزى مصدر اكتشاف « مواهب » من قبيل « مهراد » و »فكري » و »جعايدي » الثلاثي الذي يشكل حاليا حجر الزاوية في الحراسة الخاصة للملك محمد السادس.

    ومن الوقائع التي حدثت خلال رئاسة « الحاج المديوري » للحرس الخاص للحسن الثاني،

    أنه خلال زيارة رسمية قام بها الحسن الثاني إلى الجماهيرية الليبية، بدعوة من رئيسها العقيد « معمر القذافي »، اضطرب أفراد فرقة الحراسة الشخصية للحسن الثاني ورئيسهم « المديوري » وذلك جراء الازدحام الشديد، الذي أحاط بالرئيس الليبي وضيفه الملك الحسن الثاني، وبينما بدا الأول سعيدا بذلك الاحتشاد الفوضوي من حوله، علت علامات الدهشة والخوف محيا الحسن الثاني، وهو ما جعل أفراد حرسه الخاص يقلقون ويضطربون، وحينها عمد رجال الحاج المديوري إلى استخدام تقنية « السمطة » وذلك بشد كل فرد منهم بيد زميله، لتشكيل سلسلة بشرية منيعة، حوالي الحسن الثاني ومُضيفه العقيد « القذافي » وبعدما لم تكتمل السلسلة المذكورة، تناول أحد أفراد الحرس الملكي يد واحدة من النساء اللواتي يقمن بمهام حراسة الرئيس الليبي، فما كان من المرأة الشديدة البأس، سوى أن عضت بأسنانها بكل ما تملك من قوة يد حارس الحسن الثاني.

    عندما انقطع التيار الكهربائي عن القصر واستبد الهلع

    حدث ذلك ذات ليلة من أحد أيام منتصف عقد ثمانينيات القرن الماضي، وبالتحديد سنة 1986، حين انقطع التيار الكهربائي جراء عطب تقني، مما جعل العاصمة الرباط، بما في ذلك القصر الملكي، تغوص في ظلام دامس، واستبد الهلع أكثر بين القاطنين وراء أسوار قصر « تواركَة » وهرعوا مهرولين إلى الخارج، مُعتقدين في جزم أن انقلابا عسكريا قد حدث، في حين أنه لا شيء من ذلك كان قد حصل. سيما أن ذكرى « موت » الجنرال القوي « الدليمي » كانت ما تزال طازجة في الأذهان حينها، غير أن تطورات الظرفية الدولية، في تلك الآونة، كانت على نحو من الاضطراب، مما بعت القلق بين سكان القصر، منها مثلا، أن الطائرات الليبية كانت قد قصفت ليبيا، وبالتحديد الثكنة التي كان يُعتقد أن العقيد « معمر القذافي » كان متمترسا فيها، وبالتالي الاحتمال القوي، الذي كانت تعتقد به السلطات الليبية وكان مفاده أن الطائرات الأمريكية التي قصفت بلادهم، عبرت الأجواء المغربية، مما جعل محيط الحسن الثاني، وسكان القصر، يعتقدون أن السلطات الليبية، وعلى رأسها الرئيس « القذافي » كان لديهم هدف ملح يتمثل في الانتقام من القصر « المتواطئ » مع الامبرياليين الأمريكيين، وقد بلغ من شدة هذا الاعتقاد، أن الحسن الثاني عمد حينها إلى زيادة تشديد الحراسة الأمنية حوله.

    كما كان هناك أيضا ذلك الخوف من مسألة تضاعف الانقلابات العسكرية، في العديد من البلدان الإفريقية والعربية، التي طوحت بأنظمة ملكية، كان يُعتقد أنها « أبدية ». ففي ظرف زمني لا يتعدى جيلا واحدا، تم القضاء على أربعة أنظمة ملكية، من طرف ضباط جيش شباب،  وذلك قبل حدوث انقلاب الجيش الأول ضد الحسن الثاني يوم عاشر يوليوز سنة 1971، كما أن نظامين إمبراطوريين « حليفين » للحسن الثاني، في « إيران » و »إثيوبيا » تمت الإطاحة بهما، من خلال إزاحة « هيلاسلاسي  » و »الشاه أحمد رضا بهلوي » وكلاهما كانا صديقين « حميمين » للحسن الثاني، ومن ثم يُمكن بسهولة، فهم الجو النفسي الذي كان مهيمنا على سكان القصر الملكي، حيث كانت الظرفية غير « مواتية » للأنظمة الملكية، سيما أن عددا من الملوك المُطاح بهم، عبر العالم، مثل ملك بلغاريا السابق « سيمون » وأبنائه، وأرملة شاه إيران « فرح ديبة » وابنها « رضا » ووريث عرش مصر الملك « فؤاد »  وزوجته، وملك اليونان « قسطنطين » المُطاح به من طرف العسكر، وآخرون كانوا يثقون في أريحية وحسن وفادة الحسن الثاني، الذي استضافهم في المغرب، ومنحهم فيلات أنيقة، أو غرفا في أفخم الفنادق بالعاصمتين الإدارية والاقتصادية، على مدار السنة، ووضع رهن إشارتهم سيارات فخمة مصفحة، بل ومنح بعضهم رواتب شهرية مجزية من ميزانية القصر. وبالتالي كان لدى الحسن الثاني، أكثر من سبب للخوف من مصير بائس، كالذي حل بضيوفه من أباطرة وملوك أكثر من بلد في العالم، حتى لو اقتصر الأمر على انقطاع كهربائي بسبب عُطْلِ في التيار.

    كيف نسي الحسن الثاني بسرعة « درس » الانقلابين العسكريين؟

    صرح الحسن الثاني،  يوم 25 غشت 1972، أي أياما قليلة بعد انقلاب عاشر غشت 1972 لجريدة « لوفيغارو » الفرنسية قائلا: « يجب ألا أمنح من الآن فصاعدا ثقتي لأي كان، إنها صدمة أُلقنها لنفسي  أولا من خلال اتخاذي لهذا القرار، غير أن الأمر لا يتعلق بشخصي، بل بملايين الناس الذين أقود مصائرهم، بعد الله، لذا فإن اعتباراتي الشخصية، لا يجب أن تكون أثقل من هذه الالتزامات ».

    لم يف الحسن الثاني بهذا التعهد، ونسي الدرس.. كيف ذلك؟  إن الخطأ ذاته الذي كان قد ارتكبه بالاعتماد على الجنرال « أوفقير » كرره مرة أخرى، بنفس السيناريو مع جنرال آخر هو « أحمد الدليمي ».. غير أنه حسب طبيعة النظام الفردي، الذي كرسه الحسن الثاني، هل كان بإمكانه تجنب مسألة وجود رجل سلطة قوي من بعده؟ سيما في بنية سلطة شديدة التركيز، يلعب فيها رجال الأمن والجيش الدور الأساس في استمرارية النظام.. مما يفرض حضورا ومتابعة لصيقين، لشؤون ممارسة السلطة، وهو ما لا يمكن أن يفعله رجل واحد، وفي ذلك كان حتميا أن يصعد نجم الجنرال الدليمي، بعد مقتل أستاذه الجنرال « محمد أوفقير ».. لقد كان الحسن الثاني مُجبرا على منح « الخطوط العريضة » لسياسته، لكنه كان دائما في حاجة ماسة، إلى رجل قوي، يسهر على التنفيذ وفق منظور أمني دقيق، وهو الدور الذي أسنده للجنرال الدليمي، غير أن المأزق الأمني الذي كانت تنطوي عليه هذه الوصفة، تمثل في أن الرجل الثاني في النظام، يصل إلى مرحلة (تماما كما حدثت مع الجنرال « أوفقير » من قبل) يجد فيها الفرصة سانحة، للاستحواذ على مقاليد الأمور، وهو ما حدث فعلا.

    وفي لحظات مُعينة، يحدث بين الشخص الذي أراد الاستحواذ على السلطة، والأمر يتعلق بالدليمي، ضمن هذا السياق، وبين الذي أراد الاحتفاظ  بالعرش، أي الحسن الثاني، أن يصل المدى إلى الصراع « الصامت/الصاخب ».. وهو ما حدث بالتحديد، بين الملك وجنراله مما انتهى بـ « وفاة » هذا الأخير في حادث سيارة يوم 25 يناير 1983.

    « رشاوى » الحسن الثاني إلى كبار رجال الدولة

    فهم الحسن الثاني جيدا، بعد سلسلة محاولات انقلابية استهدفته وحكمه، أن عليه شراء « رضا » كبار رجالات الدولة الأمنيين والمدنيين والعسكريين، لذا عمد بدافع هاجس أمنه الشخصي واستمرار نظامه، إلى إغراقهم بالهدايا، ومنحهم مساكن باذخة عبارة عن « فيلات » في أرقى الأحياء السكنية، وضيعات في ملكية الدولة، انتقلت إليها عبر سياسة « المغربة » عقب رحيل الاستعمار الفرنسي، ورخص الصيد في أعالي البحار، واستغلال مقالع الرمال.. إلى غيرها من الامتيازات، في دولة الريع الاقتصادي، أما بالنسبة لكبار بارونات الدولة، ممن لم يتسنَّ لهم، لسبب أو آخر، الاستفادة من « أُعطيات » الحسن الثاني لضمان « ولائهم » وبالتالي أمنه و « سلامة » نظامه، فقد كانت هناك دائما الصناديق المالية العمومية، لتمنح لكبار القوم في الدولة، قروضا مُجزية بلا ضمانات استرداد تقريبا، ناهيك عن باقي وسائل الاغتناء من كل الأنواع، منها أعمال التهريب.. لقد كان كل شيء « صالحا » لهدف واحد: شراء الأمن الشخصي للحسن الثاني، وسد أطماع الطامعين، من المقربين في الاستيلاء على الحكم.

    تقارير النساء هي « صمام » الأمن  

    كان الحسن الثاني يحرص كلما عاد من إحدى سفرياته إلى الخارج، على مُجالسة كل واحدة من حريم القصر رأسا لرأس، والسؤال الوحيد الذي كان يُريد جوابا عنه هو: ماذا حدث في غيابي؟ طبعا لقد كانت لديه أعين رجال الحاج « محمد المديوري » غير أنه كان يحتاج إلى تقارير أكثر « حميمية »، من مثل: بمن اتصلت هاتفيا هذه المحظية أو تلك، خلال فترة غيابه؟ وماذا قالت أخرى عنه؟ وهل كانت تنظر إلى ألبوم صوره الخاصة، الموضوعة رهن إشارة أعين نساء الحريم؟ إلى غيرها من التفاصيل الحميمية، وكانت كثيرا ما تنزل العقوبات على بعض النساء، لا لشيء إلا لوشاية، تم « تركيبها » بناء على روايات بعض قاطنات الحريم، ممن تكون لديهن « صراعات » و خصومات حول مَن تستطيع الظفر ب « حظوة » أفضل لدى الملك، غير أن الحسن الثاني، كان يستخدم تلك التقنية النسائية لـ « ضبط » الأمور الأمنية، في قعر مقرات إقامته، فمن يدري؟ قد تتوفر جزئية معلوماتية « بسيطة » تخرج عفوا من فم محظية « متحمسة » لكنها  – أي المعلومة – قد تشي بأمر خطير، مثل إعداد قد يكون قائما على قدم وساق، بين بعض نساء الحريم، وأطراف سياسية أو أمنية خارجية، للإجهاز عليه بطريقة ما، في قلب القصر.

    لهذه المخاوف تُعزى تلك الدقة، التي كان يعتمدها الحسن الثاني، في « استنطاق » نساء حريمه واحدة واحدة، حتى « يغربل » رواياتهن لما حدث في غيابه، بأدق التفاصيل. وذلك بطبيعة الحال، بعدما يكون قد « تخلص » من كثير مما « لا نفع » فيه، وبتلك الطريقة كان يستطيع التوفر دائما على مُعطيات « حميمية » لا تكون في متناول « أعين » قط القصر، أي رجال الحاج محمد المديوري.

    شرطي الحسن الثاني برتبة وزير

    كانت العبارة الوحيدة، التي يُرددها البصري مثل لازمة، هي « هاذ شي ما غاديش يعجب سيدنا ».. وهو ما كان يعبر عن هوس « كبير وزراء » الحسن الثاني بأمر الأمن: المبرر الوحيد الذي جعله « يتسلق » المراتب، من مجرد مفتش شرطة بسيط، أواخر سنوات عقد الستينيات من القرن الماضي، ليصبح وزيرا للداخلية، وهو المنصب الذي استمر فيه لمدة تُقارب الثلاثة عقود، فما السر في ذلك يا تُرى؟

    لقد فهم « إدريس البصري » أكثر من أي شخص آخر، من بين الذين عملوا إلى جانب الحسن الثاني، أن هذا الأخير، كان مشغولا بأمر واحد: الأمن والاستقرار، أي أمنه الشخصي، واستقرار النظام الملكي، وقد كرَّس إدريس البصري نفسه لأداء هذا الدور طيلة حياته، لدرجة أنه كان يبيت فيه مكتبه بوزارة الداخلية الليالي الطوال، في حالة تأهب دائم، للجواب على الأسئلة، التي كانت تعن للحسن الثاني في أكثر من ملف، أكثرها وأهمها بطبيعة الحال، كانت تلك التي تتصل بقضايا أمنية. روى أحد الصحافيين، ممن كانوا قد اختاروا « العمل » مع إدريس البصري، إلى جانب فترة « الدوام » في إحدى الجرائد الحزبية، أن إدريس البصري تلقى اتصالا، في وقت ما بعد منتصف الليل، من الحسن الثاني، في شأن إحدى الجرائد التي كانت قد أصدرتها للتو، جماعة إسلامية في إحدى سنوات منتصف عقد الثمانينيات، وما هي إلا دقائق حتى كان البصري قد جمع كل المعطيات، عن الجريدة المذكورة، بدءا بمن يكتب فيها ويرقنها والمطبعة التي تطبعها، والكثير من التفاصيل المملة، التي قد تكون بلا جدوى. وربما لهذا السبب كان الحسن الثاني « يندهش » من كل تلك القدرة على العمل « الأمني » لدى « كبير » وزرائه، لذا لم يتورع الحسن الثاني عن القول له يوما: « شوف آ سي دريس نتا غادي تبقى ديما بوليسي ».

    اعتمد الحسن الثاني على « خدمات » إدريس البصري، في مرحلة حاسمة وحرجة من مساره على رأس نظام الحكم، وذلك بالتحديد في الحقبة الموالية، لما بعد المُحاولتين الانقلابيتين، حيث كان الحسن الثاني، قد احتاج إلى الشخص القادر على « تفجير » كل المصالح الاستخباراتية من الداخل، وجعلها في خدمة تصور واحد، هو الأمن الشخصي للملك، وهي المهمة التي أفلح فيها إدريس البصري، وتحول إلى رجل المعلومة الأمنية الوحيد، بعدما استطاع أن يمحور عمل كل مصالح الأمن السرية والعلنية، حول أدائه، وبالتالي كانت الصورة الشهيرة عنه وشبه الدائمة، تظهره متأبطا ملفاته، ومتجها إلى ملعب الغولف بالقصر أو في أي مكان آخر، حيث يكون الملك، ليسلمه آخر التقارير الأمنية.

    لقد استطاع « إدريس البصري » أن يجعل كل شيء خاضعا للمنطق الأمني، في البلاد، ذلك لأنه كان يعرف أن « جدوى » بقائه في منصب « كبير وزراء » الحسن الثاني رهين بمدى أداء دور الشرطي الأول، في هرم دولة قائمة على هاجس الأمن الشخصي للملك، واستقرار النظام الملكي.

    م. حيران

    المصدر

  • المغاربة يحتاجون للحقيقة أكثر من الخبز والوظيفة

    بقلم حميد المهدوي

    بشكل غريب ومثير للدهشة طلب عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية من أعضاء حزبه أن لا يدخلوا في سجالات مع خصومهم السياسيين بدعوى أن تلك السجالات تجر الحزب ووزرائه إلى معارك هامشية تلهيهم عن معاركهم الحقيقية.

    وتفيد مصادر صحفية أن قياديين من حزب « المصباح » طلبوا « الهدنة » من إلياس العمري عبر وضع حد للحرب الإعلامية التي خاضها الأخير، مؤخرا، ضد بعض قياديي حزب « البيجيدي » بينهم عضو الأمانة العامة للحزب عبد العالي حامي الدين وعضو المجلس الوطني عبد العزيز أفتاتي.

    وكان رئيس الحكومة قد جذع أذني الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان، عندما حاول الأخير انتقاد مهرجان موازين.

    ولو عاد « السيد » بنكيران إلى التاريخ الإسلامي وتصفح مجرياته وأحداثه بعناية تماثل تلك العناية التي يتصفح بها حسابه البنكي كل شهر، لوجد تاريخا مليئا بالمناظرات والسجالات التي كان يخوضها « الصحابة » ضد « الكفار » مثلما سيجد عشرات الأحاديث النبوية التي تحث على الرد على « المشركين » بينها قول الرسول لحسان بن ثابت: « اهجوهم وروح القدس معك ». وحتى عندما كان أعداء الإسلام يمجدون « هُبل » كان الرسول يقول للصحابة « ردوا عليهم بقولكم الله أعلى وأجَلْ ». أما إذا كان السيد بنكيران يأخذ بقول الله تعالى « واعرض عن الجاهلين » فإن ذلك لا ينطبق اليوم على المغاربة الذين لا يوجد بينهم جاهل اليوم حسب علمنا.

    ففي كل تاريخ البشرية الطويل وفي جل تجارب التغيير والإنتقال الديمقراطي لم يحدث أن طلب زعيم، يسعى للتغيير الحقيقي، من أتباعه وأنصاره أن يبلعوا ألسنتهم ويتوقفوا عن مقارعة خصومهم فكريا وسياسيا.

    والظاهر أن السيد بنكيران قد فاته قراءة التاريخ الروسي والسجالات الساخنة التي كان يخوضها لينين ضد المناشفة وتحديدا ضد زينونيف وكامنيف وبليخانوف حول طبيعة الثورة التي كانت تنتظر روسيا عشية ثورة 1917 والدور الكبير الذي لعبته تلك السجالات في صقل وعي المواطن الروسي حتى انتفض على القيصر في السنة المذكورة، مثلما فاتته السجالات الكبيرة التي خاضها المذكور ضد روزا لوكسمبورغ زعيمة الحركة العمالية بألمانيا، حول عدد من المسائل التنظيمية العالقة بالنسبة للحركة العمالية العالمية.

    في كتاب طبائع « طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد » يوضح صاحبه عبد الرحمان الكواكبي أن أهم شرط ينبني عليه الإستبداد في أي نظام سياسي مستبد هو إعتبار الرأي المخالف خارج عن القانون مما يستدعي معاقبته بعد أن يتم مصادرة كل السجالات الفكرية والسياسية، وهكذا تبنى الأنظمة الإستبدادية.

    وربما قرأ الجميع « تاريخ الثورة الفرنسية » لصاحبه « ألبير سبول » الذي وثق في كتابه السجالات القوية التي كان يخوضها « اليعاقبة » ضد « الجيرونديين » حول برنامج الثورة الفرنسية ومآلها وآفاقها والدور الذي لعبته تلك السجالات والمواجهات في إذكاء الوعي الفرنسي، حتى إن ديغول عندما حرضه البعض على إعتقال فيكتور هيكو ذات يوم قال « لا يمكن أن اعتقل فرنسا ».

    لقد ظل المغاربة لسنين طوال يستهلكون رواية واحدة كانت تصدرها جهة واحدة مما حرمهم من الكثير من الحقائق التي بدأ الغطاء ينجلي عليها مؤخرا مع عدد من السجالات التي يريد السيد بنكيران اليوم مصادرتها.

    ولعل ما يجب أن يعلمه السيد بنكيران وكل من يرى في تلك السجالات أنها مجرد لغو ومواجهات كلامية لا طائل منها أن المغاربة اليوم أحوج إلى تلك السجالات من حاجتهم للخبز والوظيفة لمعرفة الحقيقة؛ لأن تلك السجالات والمواجهات السياسية والفكرية توقظ المغاربة من سباتهم الطويل وتنمي وعيهم الجماعي؛ مصداقا لقول أحد المفكرين العظام الذي يقول : « إن وجود أناس منشقين ومستائين ونقديين ورجعيين يبعث الحياة والحيوية في التغيير الديمقراطي، إن المواجهات الفكرية والسجالات السياسية تنمي عضلات الشعب الإيديولوجية إنهما رياضة وترياق ضد تصلب المفاصل وضد السلبية ».

    المصدر

  • الماسونية والماسونيون في المغرب

    مَن هم الماسونيون المغاربة؟ وما هي شريحتهم الإجتماعية؟ وما هي المناصب التي يشغلونها، في هرم الدولة أم في سفحه؟ وما هي ارتباطاتهم الخارجية، على مستوى الإمتداد الدولي للماسونية؟… هي أسئلة كثيرة مُتناسلة عن واحد من أكثر المواضيع حساسية، في المغرب منذ ما يقرب من قرن من الزمن.

    يرد البعض على السؤال الأساسي، ومفاده: هل يوجد بالمغرب ماسونيون؟ بالقول: لا أبدا، إن الأمر يتعلق بادعاءات لا صحة لها، كل ما هناك أنه وًُجدت انتماءات للماسونية في بلادنا منذ نحو نصف قرن، ثم انتهى الأمر باختفاء الظاهرة، وبالتحديد عندما لم يُفلح التنظيم الماسوني الفرنسي في اختراق بعض وجوه البورجوازية المغربية، النافذة في مجالات المال والأعمال والسياسة، أما آخرون، وبالتحديد المهووسين بالمؤامرة الغربية والصهيونية.. إلخ ففضلوا الشك في مثل هذا الإجابات « التطمينية » مُؤكدين وجود ذراع قوية للماسونية بالمغرب، باعتبارها أكبر واقوى سند للمصالح الخارجية، سيما تلك المرتبطة بالاستعمار (بعد رحيله المُباشر) والصهيونية التي تعمل على تقوية شوكة إسرائيل عبر انحاء العالم.

    وتذهب بعض الطروحات إلى حد القول أن « التغلغل » الماسوني في المغرب، وصل درجة كبيرة من العمق، والأهمية، في المرحلة التي تلت رحيل الإستعمار، ونظرا للغموض الذي يكتنف الموضوع، نظرا لطبيعته الطائفية السرية، فإنه من الصعب التحقق من بعض المُعطيات المُهمة، ومن بينها مثلا القائلة أن كلا من الملك محمد الخامس وولي عهده مولاي الحسن، ومحمد بن الحسن الوزاني، وعبد الخالق الطريس، واحمد بلافريج، وإدريس البصري.. وغيرهم من كبار شخصيات الدولة، كانوا ضمن أعضاء الماسونية، وبطبيعة الحال فإنه من شبه المستحيل التحقق من ادعاءات مثل هذه، ما دام أن المعنيين بها، لم يعترفوا بهكذا اتهامات في حقهم، كما أن الأخوية الماسونية، تتضمن ثالوث قسم للانتماء إليها يشترط عدم الإفصاح عن هويات « الأخوية » ولو تحت التهديد بقطع الرأس. وبذلك سيظل الغموض سيد الموقف فيما يتعلق بالوصول إلى مُعطيات دقيقية بهذا الصدد.
    شرفات ماسونية وطقوس

    مهما يكن من أمر فإن المُؤكد هو وجود « شرفات » (جمع شرفة: الوحدة التنظيمية الفرعية للتنظيم الماسوني) في المغرب، وذلك وِفق مُعطيات مسنودة بدلائلها القوية، وأن تلك الشرفات تضم عددا ما الشخصيات المغربية من مجالات السياسة والمال والأعمال.. وأن اشتغالها (أي الشرفات) يتم بغاية السرية والتحفظ، تحت إشراف ومسؤولية « شُرفة المغرب الكبرى ».. وإذا ما اخذنا بعض التقديرات « المحتشمة » فإن عدد الماسونيين المغاربة، لا يتجاوزون مائتي عضو ممن يتحملون مسؤوليات في الشرفات المغربية، وعلى سبيل المقارنة فإن فرنسا تتوفر على 140000 مُنتسب، وهو ما يجد تفسيره في قِصر المدة التي شهدت خلق « شرفات الماسونية المغربية » العملية، والتي لا تتعدى خمس سنوات، أما « الشرفة المغربية الكُبرى » كتنظيم رمزي، فيعود إلى سنة 1965، تحث اسم « شرفة الأطلس الكبرى » لتتخذ اسمها الذي تُعرف به الآن أي « شرفة المغرب الكبرى » سنة 1972، بإيعاز من مُعلمها الأكبر وهو شخص فرنسي مجهول الهوية، كان مُستقرا بمدينة الدار البيضاء، وللتو عرفت الشرفة تحت اسمها الجديد نجاحا ملحوظا، حيث استطاعت استقطاب 120 « أخ » جديد في ظرف لا يتعدى عامين، أخذا بعين الإعتبار الشروط الدقيقة والصعبة للحصول على عُضوية إحدى الشرفات الماسونية (أنظر الشروحات في مكان آخر ضمن هذا الملف).

    وحسب ذات المعطيات فقد انضمت للشرفة المغربية الكبرى، شخصيات مغربية نافذة من بينها جنرال جيش ذو كفاءة عالية مشهود بها، والذي لم يجد حرجا في ان يكون ضمن نفس التنظيم الماسوني المحلي، جنبا إلى جنب مع رب مخبزة وصانع حلويات، أو صاحب متجر لبيع لعب الأطفال، غير أن الاستغراب سيزول إذا علمنا ان جوهر « عمل » التنظيم الماسوني يقوم في جانب أساسي منه، على خلط جميع الرتب الاجتماعية، سعيا إلى ضرب من التنويع والإغناء في الإنتماء لإخويتها، غير أن هذه الخاصية نحت مع مرور الوقت، إلى نوع من الإصطفاء، يجعل الإنتساب محصورا في علية القوم، من كبار رجال المال والأعمال والسياسة.. مما يجعل الشرفة المغربية الكبرى أشبه بالنادي الخاص جدا، لتصبح حسب أحد المُنتمين: « مجالا ضيقا لنخبة النخبة، تعكس وضع التراتبية السلطوية والاجتماعية كما هو موجود في البلاد ».

    وفي تفسيره لسبب انتمائه الماسوني يقول نفس المصدر السابق وهو طبيب معروف بالعاصمة الإقتصادية في نحو العقد الرابع من العمر: « لقد انتسبتُ للتنظيم الماسوني المغربي، لأقول حبي للمغرب » مُضيف: « فعلتُ ذلك بحثا عن إجابة وجودية، أو بالأحرى فلسفية، وسأظل منتسبا من اجل متعة الأخوية » ومستطردا: « أذهب لإجتماع الشرفة غالبا بعد يوم عمل شاق، لكني أعود في آخر الليل سعيدا ومُفعما بالحيوية ».
    هل يتلخص عمل الشرفة الماسونية في تحقيق السعادة لأعضائها؟

    حسب ما يُستفاد فإن عناصر الإستماع الأشبه بطقس الاعتراف المسيحي، والتضامن، وتبادل المصالح المشتركة، تجد لها مكانا أثيرا في الأخوية الماسونية، وإذا كان الأمر على هذا النحو، فلماذا كل تلك الحُجُب من السرية في الكشف عن الهُويات الحقيقية للمنتسبين للشرفات الماسونية؟ ولماذا كل ذلك الحرص على عدم الإفصاح عن الطقوس السرية التي تتخلل « شعائر » الإنتماء والنقاشات وطبيعة المسؤوليات..؟ إن الأسرار كثيرة تمتد على مدى زمن يُقارب القرن من الزمن، على أول إعلان لوجود تنظيم ماسوني بالمغرب.

    وحينما نقول بطابع السرية، نذهب رأسا إلى الأعمال المشبوهة والتجاوزات، وبالفعل فإنه مع مرور الوقت، ومرونة معايير اختيار « الإخوة » وصراعات بينية داخلية، لتضارب في المصالح، أدى إلى الخفوت التنظيمي، ولم تستطع المُثل العليا للماسونية، وهي « التضامن والحرية والعدالة » الصمود في وجه الإنحرافات الانتفاعية، لدى بعض « الإخوة » الماسونيون المغاربة، والنزاعات الداخيلة التي تلتها، ففي شهر دجنبر من سنة 1985، قرر المعلم الكبير للشرفة الماسونية المغربية الكبرى، وهو رجل صناعة في مجال العطور، تجميد عمل الشرفة، تبعا لنصيحة أحد أصدقائه كان حينها يشغل منصب عامل مدينة كبيرة، سيما ان هذا الأخير كان على وعي، تسنده مُعطيات الواقع، بتنامي التطرف في البلاد، والخطورة التي يمثلها على التنظيم الماسوني المحلي، لذا كانت نصيحته للمنتسبين بالاختفاء وتجميد أنشطتهم « الأخوية » وهي « نصيحة » لها وجاهتها بالنظر إلى نظرية المؤامرة الخارجية « العزيزة » لدى الأصوليين المتطرفين والمعتدلين على السواء، وهو ما تُغذيه اعتبارات العمل السري التي تحكم « عمل » و « أنشطة » الخلايا الماسونية، وبالتالي يسهل توجيه الاتهامات للماسونيين المغاربة، ومنها ارتباطاتها الوثيقة بالتنظيم الماسوني الفرنسي (شرفة الماسونية الكبرى الفرنسية) والصهيونية.

    من المؤكد على مُستوى أشمل، أن التنظيم الماسوني، موجود بشكل راسخ في بلدان ديكتاتورية، أو على الأقل لا تستجيب لمعايير الدمقرطة السياسية الإجتماعية، مثل إيران وسوريا، وعلى اعتبار أقل في تركيا ومصر ولبنان. ومؤكد كذلك أن مسؤولين كبار في سلطات هذه البلدان، وعلى رأسها تركيا، مروا عبر اختبارات الإنتماء الماسوني، حسب الباحث « انطوان صفير » المختص في دراسات العالم الإسلامي.

    مهما كان الأمر فإن السلطات المغربية قررت منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كما سبقت الإشارة، تجميد نشاط التنظيمات الماسونية المحلية، للاعتبارات المذكورة آنفا، ليظل الوضع على هذا النحو على مدى خمسة عشرة عاما، دون أن يفقد « الإخوة الماسونيون المغاربة » الروابط بين بعضهم البعض، ومعها الأمل في إحياء نشاط خلاياهم التنظيمية (الشرفات) كما يؤكد ذلك أحد المعنيين بهذا الضرب التنظيمي منذ أمد طويل، لنستمع إليه: « حيثما هبت ريح التسامح والعدالة تجد الماسونية مكانا لها ». وكان « الإحياء « التنظيمي تحت إشراف « إيميل واكنين » وهو رجل أعمال مُستقر بالرباط، وذلك بالتحديد يوم 15 يونيو من سنة 2000، وتم ذلك وِفق كل الطقوس التقليدية الماسونية، في مدينة مراكش، بوصاية من « شرفة الماسونية الفرنسية الكبرى » حيث سمحت هذه الخيرة للمغرب، وللمرة الأولى، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، بإيواء « أخوية » ماسونية « مُنتظمة » لها مُقومات أقرب لجماعة « تانك تانك » الأمريكية الشهيرة، وتضم في صفوفها نخبة من الأطر المغربية منهم إسلاميون مُعتدلون.

    إن من امتيازات لقب « الأخوية » الحصول على الاعتراف الرسمي من طرف « الشرفة البريطانية الكبرى المُوحدة » وهي الشرفة الأم لكل الأخويات الماسونية عبر العالم، غير أن هذا « الترقي » التنظيمي للماسونيين المغاربة، لم يمنع الخلافات البينية العميقة بين هؤلاء الأخيرين، وهي الخلافات التي أدت بعد ذلك، إلى إعلان « بوشعيب الكوهي » وهو مهندس من البيضاء، كمعلم كبير جديد للأخوية الماسونية المغربية.

    تمكنت الأخوية الماسونية المغربية، من تسجيل نشاط ملحوظ في علاقاتها مع نظيراتها الأمريكية، وذلك على اعتبار أن اللوبيينغ هو المجال الأثير بالنسبة للتنظيم الماسوني حيثما كان، وهو ما استطاعت الأخوية الماسونية المغربية استعماله على النحو الأفضل، سيما أن الأخوية المغربية المعنية منحت لرجل أعمال من جنسية مزدوجة (فرنسية لبنانية) يُدعى « بيير موسلي » منصب ممثلها في الولايات المتحدة، نظرا لعلاقاته المتشعبة في أروقة منظمة الأمم المتحدة، غير أن التنافس على هذا المستوى الدولي، دفع « شرفة الماسونية الفرنسية الكبرى » إلى نزع الاعتراف بنظيرتها المغربية، سنة 2004 وخلق شرفة أخرى تحت وصايتها المُباشرة، منحت رئاستها ل « سعد لحريشي » وهو رجل قانون في الأربعين من العمر، وليتم بذلك دفع « واكين » إلى باب الخروج من المسؤولية التنظيمية، وبرأي السيد « لحريشي » فإن « أساليب الاستقطاب لم تعد مفتوحة كما كان الأمر في السابق » مُفسرا: « إن العكس سيقودنا إلى اعتباطية عملية الاستقطاب وبالتالي ابتذالها، بعيدا عن عنصر الغِنى المعنوي، والقيم الأخلاقية التي ندعو لها ».

    غير أن هذا لا يمنع الإخوة الماسونيون المغاربة، من دعوة الآخرين إلى الانضمام لأخويتهم، لكن مع الحرص على الدقة أكثر مما كان عليه الأمر في السابق، والأمر الآخر الجديد الذي يُثير الإستغراب، هو أنهم يشعرون بحرية اكبر في القيام بنشاطاتهم « الأخوية » بحرص أقل فأقل على اتباع شروط السرية، وهو ما يُحيل على تساهل السلطات مع عملهم، لكن هذا لا يُعفيهم من اتقاء عداء الإسلاميين اللذين يستهدفونهم بخطابات مُعادية.

    نجد نفس الحذر من جانب « الأخوية » الماسونية الرائدة في المغرب، التي تم وضعها في ثلاجة التجميد، كما سبقت الاشارة، والتي أعادت إشعال فتيل وجودها يوم 21 يونيو سنة 2001، برئاسة رجل أعمال يشتغل في مجال التأمينات، بالبيضاء، وهو ما يُحيل على أن مِهن التأمينات بالمغرب تُغذي « الأخوية الماسونية المغربية » بأفضل أطرها وكبار مسيريها، وتتوفر هذا الأخوية اليوم على خمس شرفات ثلاثة منها توجد في الدار البيضاء، والإثنتان الأخريتان بمدينتي الرباط ومراكش، كما توجد شرفة أخرى خاصة بالنساء، وهو مُعطى فريد بالنسبة للمغرب، في كل بلدان العالم الإسلامي حيث يوجد نشاط ماسوني مُنظم.

    وقد عقدت الأخوية الماسونية المغربية، اجتماعها العام السنوي، منتصف شهر أبريل من هذه السنة (2010) بمدينة الدار البيضاء، بحضور شخصيات ماسونية دولية ويُعتبر الإجتماع السنوي « شاملا » و « دقيقا » في نفس الوقت، وله اهمية قصوى في قضايا مصيرية بالنسبة للأخوية والمُنتسبين إليها، حيث يتم تقييم (والإشادة بعمل الأخوية الماسونية المغربية للأخوية العالمية الأم) أما الإجتماعات الشهرية، فتخصص للنقاشات حول تيمة الحقيقة ورموز الشعار الثلاثي للماسونية، في معبد تملأه أصداء نداء طقوسي خاص، وإذا كان هناك من هدف أكبر للأخوية الماسونية المغربية، فإنه يتمثل في الإشعاع على المستوى الدولي، بالنسبة للبلد الذي تنشط فيه، وما حضور شخصيات ماسونية أجنبية مهمة، إلا دليل على محورية هذا الهدف.

    شروط الإنتماء للأخوية الماسونية

    هل يُمكن اعتبار الأخوية الماسونية المغربية شبكة تأثير؟

    نعم ، يُجيب أحد قيادييها المغاربة، مُضيفا: « إن هذا أمر أكيد، لكنها شبكة تأثير مُهمتها بناءة بالنسبة للبلاد المُستضيفة للأخوية، ففي العمق فإن الأهم بالنسبة للتربية الماسونية، هو تلك الخطوة الإختيارية للشخص الذي يريد بلوغ حقيقيته الذاتية، وبالتالي عبور الممر الرمزي من الظلمات إلى النور ». وهو ما يتم، حسب نفس الشروط، من خلال مُشاركة طقوسية في تأملات فلسفية، واقتصادية أو رمزية، حيث يبحث كل واحد عن سبيله، كما يحدث في مجال الصوفية، وكما تشرح ذلك « فرانسواز بلانشي » وهي المعلمة الكبيرة للشرفة الماسونية الفرنسية النسائية الكبرى، بطريقتها: « يجب ألا يكون هناك تغليط ذاتي، إن الماسونية قبل كل شىء اشتغال على الذات، ومع الآخرين، وهذا لا يمت بصلة لأي ملمح فلكلوري، بالرغم من مكونات الديمور التي نحيط بها طقوسنا ».

    « فرانسواز بلانشي » استُقبلت من طرف « أخواتها » المغربيات ومن بينهن استشارية في العقد الرابع من العمر، وبالنسبة لها فإن « الماسونية منهجية رائعة لتعرف أفضل على الذات، وبالتالي الذهاب إلى الأهم، وحينما نصبح أصفى نشع، ونرانا مواطنا عالميا ».. للوصول إلى ذلك، يجب حشر الشخص المُنتمي للمحفل الماسوني، نفسه في قاعة على شكل محكمة بلا ادنى شروط الراحة، والانغمار في تأمل تحت ضوء خافت، ثلاثي الأبعاد ترمز إلى: القوة والجمال والحكمة. وأيضا قِيم اكثر تجريدا مثل التسامح والنزاهة والطيبوبة، والمجد لمسؤولي هيكل الحب، هل لكل هذه الأمور من معنى؟ الجواب الذي يتلقاه الوافد الجديد على مثل هذا السؤال هو: ادخل وستفهم.

    محاذير الإنفتاح و « فوائد » الإنغلاق الماسونِيَيَنِ

    ثمة العديد من الاختيارات المُتعارضة التي تهز عالم الماسونية على المستوى الدولي، وذلك بين المُنادين بانفتاح القبيلة الماسونية وبالتالي المُساهمة في إغنائها، وحراس طقوسها السرية اللذين يريدون الاحتفاظ بالحدود مع العالم غير الماسوني.

    ففي فرنسا مثلا، حيث تبرز مثل هذه النقاشات، اكثر من أي مكان آخر في العالم، فإن القائلين بالانفتاح قلقون من الحدود المفروضة على عنصر إشعاع الثقافة الماسونية، وذلك من خلال غيابها شبه الكامل عن النقاشات التي تهز بانتظام المجتمع الفرنسي، لا سيما حين تكون متعلقة بمواضيع أثيرة لدى الماسونية، من قبيل: حقوق الكائن البشري، وتكافؤ الفرص، والروحانيات.. إلخ.

    أما في المغرب فما زال النقاش محصورا بين مدى أهمية أو عدم أهمية الإفصاح عن وجود مؤسسة ماسونية وطنية، وهو ما يكشف عن الشرخ الذي يفصل المغرب عن باقي العالم « الحر ».

    وفي هذا الإطار يُمكن النقاش الدائر بين الأوساط الماسونية المغربية، حول قرار خلق موقع الكتروني خاص بالأخوية الماسونية المغربية، حيث يرى البعض من المعنيين مُباشرة بالموضوع، أن من شأن الإقدام على هكذا خُطوة تجريدا مُؤسفا، للأخوية من طابعها « الصوفي المثالي »، وآخرين يرون في ذلك القرار خطوة شجاعة، سيما اسم وصورة « المعلم الأكبر » الذي يتصدر موقع الأخوية، غير أن هذا لا يعني أنه تم الكشف عن كل شىء ما دام أن عنوان الأخوية لا يُحيل على ما يمكن اعتباره مقرا لمؤسسة من القبيل الذي نتحدث عنه، كما أن رقم الهاتف المُعلن عنه يعود لوكالة بنكية. مما يعني أن طابع السرية عن الأخوية في المغرب ما زال ساريا.

    المصدر

    [youtube https://www.youtube.com/watch?v=i6efLmh0sac]

  • أسرار عسكرية وسياسية ودبلوماسية عن المغرب

    نشر موقع ويكيليكس الذي أضحى على كل لسان بالعالم وثائق سرية أمريكية تكشف ما تقوم به سفارة واشنطن بالرباط من أعمال تجسسية لم تفلت منها لا صغيرة ولا كبيرة، إذ تم تضمين مئات الوثائق ما ورد عن سفارة أمريكا بالرباط من معطيات مرتبطة بالأسرة الملكية الحاكمة وضيوفها وأداء الحكومة زيادة على معطيات أخرى تهم كافة المجالات الحياتية بالمملكة، خاصة الفوسفاط والتعاملات المغربية الفرنسية، وأفصح عن مواقف مسؤولين مغاربة تجاه دول وأحداث عالمية.
    وقد قال سفير أمريكا بالرباط بأن الرئيس ساركوزي قد نال غضب الملك المغربي أثناء إحدى الزيارات بعدما جلس بطريقة غير سوية واضعا رجلا فوق رجل في تناف مع البروتوكول الملكي الصارم، في حين أثير الحديث عن تأييد الرئيس الفرنسي لمقترح الحكم الذاتي المغربي بالصحراء، كما أثار ويكيليكس موضوع علاقة الملك محمد السادس بالحكم بعدما نشر نص برقية تقول بأن المغرب متعاون في القضاء على الإرهاب رغم زهد العاهل في الحكم.
    وكانت المفاجأة حاضرة ضمن التقارير السرية الأمريكية حين تم نشر نص لائحة تتوفر عليها المخابرات المركزية الأمريكية بأسماء شخصيات ينبغي اغتيالها، إذ تواجد بين الأسماء المطلوبة ميتة اسم الجنرال المغربي المتوفي احمد الدليمي، ذلك أن الوثائق المنشورة تهم الفترة الممتدة من منتصف الستينيات إلى اليوم، وتطرقت أيضا لممارسات الصيد السرية التي يدأب على القيام بها عدد من قادة العالم فوق التراب المغربي الجنوبي.

    وقال ويكيليكس بأن المغرب قد قطع علاقته مع إيران بإيعاز من السعودية التي استغلت غضب الملك محمد السادس من نشاطات السفارة الإيرانية المعتدية على مكانته الدينية والعامدة لنشر المذهب الشيعي، وأن المغرب قد طالب من أمريكا العمل على إزاحة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، كما فضح بأن المغرب قد طالب عددا من الدول بمنع إيران من الحصول على قنبلة ذرية خوفا من أن تليها الجزائر في التوفر على هذا السلاح الفتاك.

    ونسب لوزير الخارجية المغربي تأكيده، على هامش قمة جامعة الدول العربية عام 2009، عن عزم المغرب التعامل علنا مع الكيان الإسرائيل تحت غطاء الاتحاد من أجل المتوسطي الذي كانت حريصة على إخراجه للنور الدولة الفرنسية لنيكولا ساركوزي.

    كما فضح ويكيليكس تصريحات لياسين المنصوري، مدير المخابرات العسكرية، كان قد وجهها لمسؤول لسيناتور أمريكي بتفضيل المغرب للاستقرار بموريتانيا عوض إشاعة جو ديمقراطي، إضافة لما تم تعميمه على الملأ من دور مغربي في تسليح العسكر بالنيجر ومساعدتها على التصدي لمتطرفين، وكذا استقبال الرباط للحاكم العسكري لغينيا بتعليمات أمريكية تمهيدا لانتقال السلطات للمدنيين.. حيث أكد المنصوري أيضا ضمن حديث مع نفس عضو مجلس الشيوخ بأن النزاع حول الصحراء مع الجزائر والبوليساريو قد ثنى المغرب عن محاصرة توسع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.

    كما نشر ويكيليكس نص تقرير عن زيارة القائد الأول لأفريكوم صوب المغرب العام الماضي وما شهدته من توقيع لاتفاقات مع المفتش العام للقوات المسلحة المغربية الجنرال عبد العزيز بناني، ودلت ذات الوثيقة على وجود ترخيص مغربي للطائرات العسكرية لسلاح الجو الأمريكي باختراق الأجواء المغربية ضمن عمليات حماية الساحل الإفريقي من تنظيم القاعدة واستهداف معسكراته.. واهتمت أمريكا أيضا بقضية بليرج، حيث سجل جواسيسها بأنها تمت وسط محاكمة مطبوخة نسبة لتصريحات الدبلوماسي اليهودي البلجيكي بالرباط يوهان جاكوب، حيث سطرت بأن الأحكام كانت جاهزة ومسبقة لعدم إمكانية القاضي التوصل للأحكام في 12 ساعة وفي حق 35 متهما، زيادة على خروقات شكلية مست ترجمات وثائق عرضت بالفرنسية والهولندية وأشير لمحتوياتها شفويا أثناء انعقاد الجلسات لا غير.

    وينتظر أن يعمد مدير الموقع ذاته على نشر عدد من الوثائق السرية الأمريكية حول المغرب، إذ يبلغ عددها 2000 وثيقة منها 245 تقرير بخصوص مجريات الأمور بالأقليم الجنوبية الصحراوية والجدل القائم بها بين موالين للبوليساريو ووحدويين والسلطات، وهي الوثائق التي كانت موجهة لوزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين.

    وقد أفلح ويكيليكس في نيل تتبع العالم بعد إثارته لأزمات دولية جراء ما يصفه ب (حماية الحقيقة)، إذ كشف تصريحات عنصرية لزعماء دول وفضائح مالية لآخرين، زيادة على دوافع مزاجية آخرين، وذلك بناء على الأداء الخفي للدبلوماسيين الأمريكان المنتشرين حول العالم.

  • 1er anniversaire de la disparition de Lalla Salma, l’épouse du roi du Maroc

    L’épouse du roi Mohammed VI du Maroc, Lala Salma, a disparu de la scène publique depuis un an sans qu’on sache exactement où elle se trouve, tandis que ses deux enfants, les princes Mulay Hassan, héritier du trône, et sa sœur Lala Jadiya, sont de plus en plus visibles. La dernière apparition publique de Salma a eu lieu le 12 décembre 2017 lorsqu’il a inauguré une exposition de peinture dans un musée à Rabat.

    Depuis lors, il a cessé de présider des activités culturelles, de représenter le Maroc dans les cérémonies d’autres maisons royales et d’apparaître à la télévision publique. Tu ne sais même pas où il habite. En mars dernier, le magazine espagnol ¡Hola ! a publié l’”exclusivité” du divorce de Mohamed VI (55 ans) et Lala Salma (40 ans), une nouvelle qu’ils ont attribuée à des sources proches du Palais marocain. Mais le Palais n’a ni confirmé ni nié, ni alors ni plus tard. Un épais silence Là où la nouvelle s’est répandue comme une traînée de poudre, c’était sur les réseaux sociaux et dans certains médias indépendants, mais le porte-parole du gouvernement, Mustafa Jalfi, a répondu sèchement qu’il n’en avait aucune idée parce qu’il ne pouvait parler qu’au nom du gouvernement, pas au nom du palais.

    La nouvelle du divorce présumé a occupé de nombreux observateurs : la réalité est que Salma avait disparu des images de la famille royale depuis ce 12 décembre et n’apparaissait même pas dans les rapports sur ses propres enfants qui ont circulé depuis, dûment autorisés par le fonctionnaire.

    Personne ne sait si Salma Benani, selon son nom de jeune fille, conserve même le titre de “Lala” ou de princesse (elle n’est jamais devenue reine), car le silence qui l’entoure rend impossible de savoir si elle vit avec ses enfants à Rabat (où se trouve l’école royale) ou ailleurs.

    Comme Efe l’a appris de sources proches de sa propre famille, Salma souffre d’une sorte de restriction de mouvement que ces parents s’attendaient à voir apparaître à l’occasion de la dernière fête du Trône (30 juillet), lorsque le roi a l’habitude d’accorder diverses mesures de grâce et de grâce aux prisonniers, mais la fête est terminée et leur situation n’a pas changé.

    Là où la nouvelle s’est répandue comme une traînée de poudre, c’était sur les réseaux sociaux et dans certains médias indépendants, mais le porte-parole du gouvernement, Mustafa Jalfi, a répondu sèchement qu’il n’en avait aucune idée parce qu’il ne pouvait parler qu’au nom du gouvernement, pas au nom du palais.

    La nouvelle du divorce présumé a occupé de nombreux observateurs : la réalité est que Salma avait disparu des images de la famille royale depuis ce 12 décembre et n’apparaissait même pas dans les rapports sur ses propres enfants qui ont circulé depuis, dûment autorisés par le fonctionnaire.

    Personne ne sait si Salma Benani, selon son nom de jeune fille, conserve même le titre de “Lala” ou de princesse (elle n’est jamais devenue reine), car le silence qui l’entoure rend impossible de savoir si elle vit avec ses enfants à Rabat (où se trouve l’école royale) ou ailleurs.

    Comme Efe l’a appris de sources proches de sa propre famille, Salma souffre d’une sorte de restriction de mouvement que ces parents s’attendaient à voir apparaître à l’occasion de la dernière fête du Trône (30 juillet), lorsque le roi a l’habitude d’accorder diverses mesures de grâce et de grâce aux prisonniers, mais la fête est terminée et leur situation n’a pas changé.

    L’été dernier, des nouvelles de lui sont venues d’Italie : là, une célèbre journaliste marocaine a prétendu avoir croisé son chemin avec ses deux enfants à Portofino (une station estivale pour la haute société), juste aux dates où Mohamed VI passait l’été sur la côte nord du Maroc. Bien que la journaliste n’ait pas fourni de photos prouvant sa rencontre, quelques jours plus tard, un autre magazine de divertissement grec (Tempo24) l’a photographiée de dos alors qu’elle faisait du shopping (apparemment sans ses enfants) dans la ville de Patras.

    Cette photographie a été la seule filtrée par Salma Benani en une année entière, et en même temps, ses deux enfants sont progressivement passés à occuper des pages du “papier couché” dans de longs reportages où les qualités et la maturité des princes sont exaltées et où pas la moindre allusion est faite en texte ou photos à sa mère.

    Le prince Mulay Hassan a fêté ses 15 ans le 8 mai dernier et 2018 a sans doute été une année de responsabilités croissantes : ouverture d’un salon du livre et d’un salon agricole, inaugurations diverses ou remise de trophées sportifs. Mais c’est à Paris, le 11 novembre, que Mulay Hassan s’est le plus distingué : vêtu d’une cape grise frappante, il a assisté avec son père au 70e anniversaire de la fin de la Première Guerre mondiale et a eu l’honneur d’occuper la première rangée avec Donald Trump et Emmanuel Macron.

    De même, la princesse Lala Jadiya, aujourd’hui âgée de onze ans, est également apparue cette année dans sa première activité officielle assise à côté de son père, et en novembre un autre magazine marocain à thème “féminin” lui a consacré 10 pages où sa mère était encore absente.

    Le Palais royal marocain, qui dose l’information qui sort de son sein de manière très calculée, a décidé de donner plus d’importance aux enfants du roi ; les rares médias étrangers ayant accès à la vie palatiale (Paris Match, Jeune Afrique ou Hello !) ont publié cette année des éloges sans fin pour le prince, sans parler de Salma.

    Quand, au début de son règne, Mohamed VI a décidé de présenter sa femme socialement, de lui donner le titre de princesse et de lui donner un rôle officiel de présidente de la Fondation du cancer, tout le pays s’est habitué à voir la première dame – aux cheveux roux exceptionnels – faire la une des journaux télévisés. Pour cette raison, son absence est doublement frappante. Ainsi que la capacité proverbiale du Palais marocain à garder ses secrets.

    El Confidencial (Traduction automatique)

    Source

  • Algo se mueve en el Sáhara Occidental

    La reunión en Ginebra los días 5 y 6 de diciembre de delegaciones marroquíes y saharauis, con observadores de Mauritania y Argelia, ha significado la vuelta a la mesa de negociaciones, tras más de seis años de parálisis, de un conflicto que se prolonga desde 1975, cuando Marruecos se anexionó el Sáhara occidental tras la retirada de las tropas españolas.
    La larga ocupación marroquí de un vasto territorio de 266.000 kilómetros cuadrados, pero apenas poblado por medio millón de personas, ha estado en un segundo plano en las prioridades de la comunidad internacional, aunque periódicamente la ocupación crea problemas incómodos a Marruecos. En febrero, un tribunal surafricano ordenó que un cargamento de fosfatos proveniente del Sáhara e incautado por las autoridades aduaneras fuese subastado y la recaudación se enviara al Frente Polisario, que controla un tercio del territorio saharaui. Poco después, el Tribunal Europeo de Justicia dictaminó que el acuerdo de pesca entre la Unión Europea y Marruecos no se puede aplicar al Sáhara occidental.
    Dado que Naciones Unidas lo considera “territorio no autogobernado” –eufemismo para referirse a su estatus colonial–, la inversión extranjera no marroquí brilla por su ausencia en el Sáhara. Ahora ha sido la presión de Washington la que ha forzado la vuelta a la negociación. En marzo, EEUU condicionó la renovación de la Misión de las Naciones Unidas para el Referéndum del Sáhara Occidental (Minurso) a la reanudación de las conversaciones. Washington ha prorrogado la Minurso solo seis meses, en lugar de los 12 habituales, lo que ha obligado a Rabat a abandonar su obstruccionismo. Sin la presencia de los cascos azules, el regreso de la violencia sería inevitable.
    John Bolton, asesor de Seguridad Nacional de la Casa Blanca, tiene un interés personal porque estuvo implicado en anteriores esfuerzos de la ONU para resolver el conflicto y porque siempre ha creído que Rabat ha negociado de mala fe.
    Marruecos ha impedido la celebración del referéndum contemplado en el plan de paz de 1991, aferrándose a su oferta de 2008 de conceder algún tipo de competencias a “las provincias del Sur”. Rabat combina políticas de seducción –y cooptación– de la población local con inversiones y ayudas para atraer, tanto a los saharauis que no abandonaron sus hogares tras la Marcha Verde de 1975, como a los 100.000 refugiados de los campamentos de Tinduf, pero con escasos resultados. En los campamentos, la ayuda humanitaria internacional no ha evitado la degradación de las condiciones de vida de los refugiados, condenados a una eterna espera en tierra de nadie.
    El apoyo a Rabat proviene de los marroquíes a quienes el gobierno ha concedido ayudas y exenciones fiscales para instalarse en la zona. Por su parte, al Frente Polisario las simpatías que recoge en el exterior le sirven de poco. En términos políticos –y militares– nadie está dispuesto a implicarse en su defensa, lo que convierte en palabras vacías tanto las proclamas de solidaridad exterior como las de los sectores que amenazan con regresar a las armas.
    El tiempo corre a favor de Marruecos por el apoyo de EEUU y Francia a su plan de autonomía bajo soberanía marroquí, pero no es probable que vaya a conceder a los saharauis el derecho a tener sus fuerzas de seguridad y el control sobre los recursos naturales, condiciones mínimas para el Frente Polisario.
    Por otra parte, el ingreso en 2017 de Marruecos en la Unión Africana, de la que la República Árabe Saharaui Democrática (RASD) es miembro pleno, ha debilitado los lazos saharauis con sus escasos aliados regionales.
    Asimismo, el 29 de noviembre, el Consejo de Ministros de la UE dejó la puerta abierta a la aprobación definitiva del acuerdo de pesca firmado en julio, pese a su cuestionamiento por el Tribunal de Justicia de la UE, que subrayó que no quedaba claro que los saharauis fueran a beneficiarse de los fondos transferidos por la UE por sus recursos pesqueros.
    Pero de las conversaciones de Ginebra nadie espera resultados concretos, salvo continuar el diálogo. De hecho, el enviado especial del secretario general de la ONU, Horst Köhler, solo logró que ambas partes mostraran su voluntad de proseguir los contactos. 
  • بعد فضيحة الفيديو المسرب.. البشير السكيرج يغادر المغرب نحو أمريكا

    علمت جريدة الحياة اليومية، قبل قليل، أن الفنان والمخرج المسرحي البشير السكيرج، غادر المغرب نحو أمريكا، أيام قليلة بعد فضيحة الفيديو المعلوم(..).

    وحسب مصادر الجريدة، فإن زوجة السكيرج الأمريكية زارت المغرب مؤخرا، ثم غاردته مساء يوم الأربعاء 05 دجنبر، رفقة زوجها البشير نحو إسبانيا ومن تم إلى أمريكا حيث يستقران.

    ومازال لم يعرف بعد ما إذا كان السكيرج سيستقر بأمريكا نهائيا أم أنه سيعود أدراجه نحو المغرب.

    وكان البشير السكيرج قد أثار ضجة بمواقع التواصل الاجتماعي، بسبب شريط فيديو مصور مسرب، ظهر فيه يوجه الكثير من الاتهامات يمينا وشمالا ويتحدث عن العائلة الملكية، وقد أتى على ذكر أسماء نافذة في الدولة بينها جنرال نافذ(..).

    المصدر

  • اختتام اجتماع المائدة المستديرة حول الصحراء الغربية في جنيف

    وقد استعرضت الوفود التطورات الحديثة، وناقشت القضايا الإقليمية والخطوات التالية في العملية السياسية بشأن الصحراء الغربية.  وذكر بيان صحفي، في ختام اجتماع الطاولة المستديرة، أن التبادلات جرت في جو من الالتزام الجاد والصراحة والاحترام المتبادل.

    واتفقت الوفود على أن المبعوث الشخصي للأمين العام هورست كولر سيدعوها إلى طاولة مستديرة أخرى في الربع الأول من عام 2019.

    وقال كولر، الرئيس الألماني الأسبق، إن جميع المناقشات جرت في جو من المشاركة الجادة والصراحة والاحترام المتبادل.

    وفي حديثه للصحفيين بعد يومين من مناقشات المائدة المستديرة – وهي المحادثات الأولى التي تيسيرها الأمم المتحدة منذ ست سنوات –  قال كولر إن الاجتماع كان « خطوة أولى، لكنها مهمة » نحو عملية سياسية متجددة بشأن مستقبل الصحراء الغربية.

    أخبار الأمم المتحدة

  • لمجرد دفع 75 مليون كفالة للخروج من السجن

    كشفت وسائل اعلام فرنسية، امس الخميس، أن المغني المغربي سعد لمجرد، دفع مبلغ 75 مليون سنتيم كفالة للخروج من السجن، أول أمس الأربعاء.

    واكدت صحيفة “لوبارسيان”، أمس الخميس، أنه سيظل تحت المراقبة القضائية، وفق شروط دقيقة، وتحديدا في باريس، حيث توجد شقته، مع منعه من السفر خارج فرنسا، كما يجب عليه أن يزور بشكل أسبوعي مركز الشرطة.

    وكانت محكمة الاستئناف في “إيكس آن بروفانس” جنوب شرق فرنسا، اصدرت أول أمس، قرارا بالإفراج عن المجرد، بعد اعتقاله احتياطيا منذ شتنبر الماضي.

    ومن المنتظر أن يمثل لمجرد، بداية عام 2019، مرة أخرى أمام المحكمة الزجرية في العاصمة الفرنسية باريس، في جلسة جديدة لقضيته الأولى مع المشتكية لورا بريول.

    وسطع “نجم” لمجرد، وهو ابن مغني وممثلة مغربين، مع الموجة الثانية لما يسمى ب “البوب العربي”، مع انفجار القنوات الخليجية، تحديدا الامارات، باستغلال الانتشار الواسع للتقنيات والوسائط الرقمية، مدعية تدشين “ثورة التحديث”، لكنها في الواقع تستهدف تخدير الشباب تزامنا مع “ثورات الربيع العربي” للابقاء على الأنظمة الحاكمة.

    وكان الملك محمد السادس، بحضور الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وشّح سعد لمجرد بمناسبة الذكرى الـ52 لميلاد محمد السادس سنة 2015.

    المصدر