Année : 2018
-
Maroc-Mauritanie, Ould Bouamatou n’est pas le problème
Alors que les algériens peuvent se rendre au Maroc sans visa, Rabat impose aux mauritaniens des longues files d’attente devant ses consulats en Mauritanie pour l’obtention d’un visa qui leur permettra de voyager au Maroc en vue de visiter leurs proches et amener quelques marchandises à vendre dans leur pays.C’est un point achoppement dans les relations entre Rabat et Nouakchott. Au moment où les autorités marocaines remuent ciel et terre en vue d’ouvrir leurs frontières avec l’Algérie, aux mauritaniens il impose les fâcheuses démarches du visa. Pour la simple raison qu’il craint l’entrée de sahraouis avec des passeports mauritaniens. Ainsi, le peuple marocain et ses intérêts avec la Mauritanie sont pris en otage à cause du conflit du Sahara Occidental.Dernièrement, le Maroc a multiplié les gestes symbolique en vue de faire la paix avec la Mauritanie à un moment où l’Algérie a décidé d’investir le terrain économique mauritanien. Alors, les gamis qui gèrent la DGED pensent qu’en chassant Mohamed Ould Bouamatou du Maroc, ils vont mettre fin au contentieux des relations crispées avec la Mauritanie, un pays membre de l’UMA qui a toujours subi de fortes pressions de Rabat pour l’amener à réviser sa position de neutralité dans le conflit du Sahara Occidental et retirer sa reconnaissance de la RASD. -
أسوأ أيام الملك الحسن الثاني
2008 / 11 / 29
كلما اتسعت دوائر التقصي أو نطق أحد الصامتين أو تم العثور على وثيقة أو معلومة جديدة كشف فيها عن تصريح، يتبين من جديد أن خبايا تاريخ المغرب المعاصر مازالت خفية، لم تعرف بعد كاملة.
ففي منتصف صيف 1971، كان المغرب الشعبي في أوج غليانه، وكانت قواه الحية التواقة إلى تغيير جذري توحدها فكرة واحدة: تنحية الملكية من المغرب وتعويضها بنظام آخر!
آنذاك، وبالضبط يوم 10 يوليوز، بعد إحياء سهرة فنية ضخمة في ليلة التاسع منه، قام بتنشيطها عمالقة الأغنية العربية وقتئذ، استقبل الملك الراحل الحسن الثاني ضيوفه بقصر الصخيرات في أجواء صيفية رائقة، قوامها المرح والمتعة وتقديم صنوف الأكل وغيرها من مظاهر البذخ.احتل المدعوون حدائق القصر، حيث كل شبر من بساطها الأخضر المؤثث بأشجار الميموزا والأوكاليبتوس المستورد من استراليا. أكثر من ألف ضيف، جلهم بزي صيفي خفيف تبعا للتعليمات الواردة في الدعوات التي توصلوا بها، بلسان العرب ولغتي موليير وشكسبير. كل الشخصيات الوازنة، المغربية والأجنبية، المتواجدة آنذاك على التراب الوطني، كانت حاضرة ذلك اليوم بقصر الصخيرات لمشاركة الحسن الثاني احتفالات عيد ميلاده 42. منهم بورقيبة الابن، لوي جوكس، جاك بونوا ميشان، الراقص المشهور وقتئذ جاك جازو، الأستاذان « تورين » و »دوجين »، تاجر المجوهرات ذائع الصيت « شومي »، الدكتور « دوبوا روكبير » وآخرون من رجال السلك الديبلوماسي ورجال الأعمال وغيرهم.
2008 / 11 / 29
كلما اتسعت دوائر التقصي أو نطق أحد الصامتين أو تم العثور على وثيقة أو معلومة جديدة كشف فيها عن تصريح، يتبين من جديد أن خبايا تاريخ المغرب المعاصر مازالت خفية، لم تعرف بعد كاملة.
ففي منتصف صيف 1971، كان المغرب الشعبي في أوج غليانه، وكانت قواه الحية التواقة إلى تغيير جذري توحدها فكرة واحدة: تنحية الملكية من المغرب وتعويضها بنظام آخر!
آنذاك، وبالضبط يوم 10 يوليوز، بعد إحياء سهرة فنية ضخمة في ليلة التاسع منه، قام بتنشيطها عمالقة الأغنية العربية وقتئذ، استقبل الملك الراحل الحسن الثاني ضيوفه بقصر الصخيرات في أجواء صيفية رائقة، قوامها المرح والمتعة وتقديم صنوف الأكل وغيرها من مظاهر البذخ.احتل المدعوون حدائق القصر، حيث كل شبر من بساطها الأخضر المؤثث بأشجار الميموزا والأوكاليبتوس المستورد من استراليا. أكثر من ألف ضيف، جلهم بزي صيفي خفيف تبعا للتعليمات الواردة في الدعوات التي توصلوا بها، بلسان العرب ولغتي موليير وشكسبير. كل الشخصيات الوازنة، المغربية والأجنبية، المتواجدة آنذاك على التراب الوطني، كانت حاضرة ذلك اليوم بقصر الصخيرات لمشاركة الحسن الثاني احتفالات عيد ميلاده 42. منهم بورقيبة الابن، لوي جوكس، جاك بونوا ميشان، الراقص المشهور وقتئذ جاك جازو، الأستاذان « تورين » و »دوجين »، تاجر المجوهرات ذائع الصيت « شومي »، الدكتور « دوبوا روكبير » وآخرون من رجال السلك الديبلوماسي ورجال الأعمال وغيرهم.
لحظتئذ، وحده الملك الحسن الثاني كان جالسا إلى مائدة الأكل بصدد تذوق « لانكوست » ضخمة اختيرت بعناية كبيرة من طرف أحد اليهود القائمين على تحضير الأطباق الرفيعة ذلك اليوم.
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية و8 دقائق زوالا، حسب أكثر من شاهد عيان.. من قلب أنغام قطعة موسيقية صامتة كانت تعم الأجواء، دوت طلقات الرصاص وانفجارات قنابل يدوية.. توقفت الفرقة الموسيقية عن العزف.. سقط فرنسي وتهاوى سفير بلجيكا على الأرض جثة هامدة… تناثرت القنابل في مختلف أرجاء الفضاءات الخارجية لقصر الصخيرات.. جثث « لي كادي » (مساعدو لاعبي الغولف المكلفين بلوازم اللعبة) منتشرة على البساط الأخضر هنا وهناك.. مئات الضيوف هرعوا مذعورين فوق الرمال الذهبية موَلِّين ظهورهم إلى شاطئ المحيط الأطلسي الذي كان هادئا ذلك اليوم…
أكثر من ثلاث ساعات من الفوضى والهمجية أبطالها جنود أغرار، على رأسهم الليوتنان كولونيل امحمد عبابو، الذي طلب من مرافقه الأمين، العملاق عقا تخليصه مما كان ينتظره بإطلاق رصاصة الرحمة عليه بعد إصابته البليغة بالمقر العام للقوات المسلحة… ليسدل الستار على انقلاب الصخيرات.
نهاية الانقلاب جاءت بطريقة غريبة، ظل يلفها الكثير من الغموض، حيث أثار ضجيجا كبيرا لكنه لم ينجح في الوصول إلى المستهدف الأول: الملك، وذلك رغم خطة تدبيره في الخفاء من طرف 5 جنرالات، حسب المصادر البريطانية.
توقف إطلاق النار بحلول الساعة الخامسة زوالا.. سلم الملك الراحل الحسن الثاني كافة السلط العسكرية والمدنية لرجل ثقته وقتئذ، الجنرال محمد أوفقير، ليبدأ مسلسل القمع الدموي وتصفية الحسابات، الظاهر منها والمستتر… كل هذه الأمور وغيرها معروفة، تناولتها جهات وطنية وأجنبية، إلا أن بعض مناطق الظل ظلت في حاجة إلى المزيد من التوضيح، ومنها الدور الذي لعبته وقفة قافلة الانقلابيين ببلدة بوقنادل والكشف على أن الأمر يتعلق بالقيام بانقلاب عسكري مع علم جهات أخرى بالتخطيط له، وعلى رأسها المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، وغيرها من التساؤلات.
يحاول ملف هذا الأسبوع الإحاطة بكل القضايا المتعلقة بهذه المسألة، معية الكاتب محمد لومة صاحب مؤلفات اعتنت بأحداث ووقائع وجَّهت تاريخ المغرب الحديث نحو الوجهة التي سار فيها.
« لحلاسة راها تقلبات.. اجمع حوايجك » ( الحصير قد تنقلب اجمع متاعك)
من بين النوازل، التي تبين بجلاء أن الجنرال محمد أوفقير كان على علم بحدوث انقلاب الصخيرات قبل وقوعه، ما حدث بسجن بولمهارز بمراكش.
يوم حصول المحاولة الانقلابية الفاشلة بالصخيرات كان كل من سعيد بونعيلات وأحمد الفرقاني بسجن بولمهارز، ممنوعين من الاتصالات المباشرة فيما بينهما، إلى جانب اليازغي وآخرين. وفي يوم 10 يوليوز 1971، كان الفورقاني يقوم بفسحته اليومية بساحة السجن، وكان كلما اقترب من زنزانة سعيد بونعيلات إلا وحاول التواصل معه خلسة لمعرفة ما لديه من أخبار ومستجدات، فقال له بونعيلات بالأمازيغية : « اليوم لحلاسة راها تقلبات »..أكمل الفورقاني جولته قصد الاستفسار عن الأمر، فقال لبونعيلات: « أش من حلاسة تقلبات؟! »، فأجابه: « لحلاسة راها تقلبات اجمع حوايجك »..
حسب محمد لومة، في ليلة 10 يوليوز 1971، اتصل أحد الذين تربطهم علاقات عائلية قوية بالجنرال أوفقير (يسمى على أوفقير، وكان يعمل بإحدى الأجهزة الأمنية وغالب الظن في « السيمي »)، بأحد سجناء سجن بولمهارز، وقال له: « اجمعوا حوايجكم، غدا راه غادي توقع شي حاجة كبيرة ومهمة إن شاء الله، وراه غادي تلتحقو بديوركم ».
ويضيف محمد لومة، لم يكن على أوفقير هذا سيقوم بما قام به دون تعليمات صادرة عن الجنرال
أوفقير.لكن في مساء يوم 10 يوليوز، لما اتضح فشل المحاولة الانقلابية، قرر الجنرال تصفية كل سجناء سجن بولمهارز الاتحاديين. آنذاك كان بلغازي، مديرا لهذه المؤسسة السجنية، وهو مقاوم سابق بارز، على علاقة ببعض المقاومين وأعضاء جيش التحرير النزلاء بسجنه، ولاحظ أن هناك فرقة من البوليس، كل عناصرها من عين الشعير (بلدة الجنرال أوفقير) مسلحين بالرشاشات، وكان قد فهم من حديثهم أنهم يخططون ذلك اليوم لكيفية تنفيذ التعليمات الرامية إلى التصفية الجماعية للمعتقلين الاتحاديين (عددهم 172)، فقام المدير المذكور برمي مفاتيح الزنازن داخل زنزانة أحد السجناء واتجه على الفور إلي مكتب وكيل الملك بمراكش فأخبره بقرب وقوع مذبحة بالسجن الذي يديره، وشرح له أن هناك عناصر مسلحة، غرباء عن المؤسسة، أرسلهم الجنرال أوفقير للقيام بقتل السجناء الاتحاديين.
وحسب محمد لومة، كما خطط الجنرال أوفقير لمسح آثار الجنرالات يوم 13 يوليوز (بتصفيتهم بدون محاكمة)، أراد كذلك أن يمحو ذاكرة 172 معتقلا بسجن بولمهارز بمراكش كشهود على علمه بحدوث الانقلاب قبل وقوعه. ولولا لطف الله ومبادرة مدير السجن، لحصلت مذبحة بهذا السجن، أفظع من مذبحة قصر الصخيرات.
وهذه الرواية الأخيرة تناقض الرواية القائلة بأن تلك العناصر حضرت إلى السجن لتكون على تأهب من أجل إطلاق سراح المعتقلين الاتحاديين وليس لتصفيتهم، كما تم الاعتقاد بذلك.
عبد الرحيم شجار
في اتصال بعبد الرحمان شجار أحد المعتقلين ضمن « مجموعة 172″ بسجن بولمهارز، صرح للجريدة بأن خبر اندلاع انقلاب 1971 توصلوا به من طرف المرحوم محمد الحبيب الفرقاني، الذي علم به عن طريق، مدير السجن آنذاك، المقاوم بلغازي.
وعليه لم يتم تنقيلهم يوم العاشر من يوليوز إلى المحاكمة التي كانت أطوارها تدور بمحكمة باب دكالة.
وأكد أن التحليل الذي ساد يومها في أوساط المعتقلين إثر تواجد عدد كبير من أفراد الجيش والمخابرات والشرطة داخل السجن، رغم عدم علاقتهم بإدارة السجون، بأنها حركة يراد بها تخليص السجناء تمهيدا للاتصال بقيادتهم في الخارج، وذلك من أجل إضفاء المشروعية السياسية على واقع الانقلاب، علما أن هذه الرواية تناقض الرواية الأخرى القائلة إن فرقة الأمن التي تتكون عناصرها من منطقة عين الشعير جاءت إلى سجن بولمهارز، بأمر من الجنرال أوفقير لتصفية المعتقلين الاتحاديين، كونهم علموا بأن الجنرال المذكور كان على علم بالإعداد لانقلاب الصخيرات.
وفي هذا الصدد أكد لنا محمد لومة أن اعبابو وجماعته كانوا يتخوفون من أن يسبقهم الاتحاديون بخصوص تغيير النظام بالمغرب، لذا قال لرجاله : » إن أولئك الناس يفكرون في الهجوم، علينا أن نسبقهم ونمنح للمحكومين منهم العفو بمراكش ».
لماذا لم يسقط الكثير من اليهود ضحايا بالصخيرات؟
لازال البعض يتساءلون باستغراب عن عدم سقوط الكثير من الشخصيات اليهودية يوم 10 يوليوز 1971 ضمن ضحايا قصر الصخيرات، فهل كان جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) على علم مسبق بالحركة الانقلابية قبل وقوعها؟
لم يسقط بقصر الصخيرات سوى يهودي واحد، هو ماكس مانيان، مدير شركة « كوزيمار » (معمل السكر بالدار البيضاء)، كما أصيب يهوديان آخران بجروح طفيفة.
علما أن أكثر من جهة أكدت مرارا أن الموساد كان على علم بكثير من الأسرار بخصوص العملية الانقلابية وغيرها من النوازل والمؤامرات، على الأقل لم يقم بإخبار اليهود المقربين من القصر الملكي والعاملين به، وهم كثر، إضافة إلى الضيوف المدعوين من اليهود، بعدم حضورهم ذلك اليوم أو على الأقل تنبيههم!!؟
فاليهود هم الذين كانوا وقتئذ يؤطرون الحفلات والمأكل والمشرب بقصر الصخيرات، ومن هؤلاء شقيق شمعون ليفي، وزير الشؤون الخارجية الإسرائيلية، وهو صاحب مرقص « أمنيزيا » الكائن بشارع علال بن عبد الله بالرباط، والذي كان ولي العهد يقضي به بعض أوقات فراغه رفقة شلته في طور الشباب المبكر.
ومن المعلوم أن ترقية الأخوين محمد وامحمد اعبابو (الأول أصغر من الثاني بثلاث سنوات)، تمت في يوم واحد (3 مارس 1971) وذلك استعدادا للانقلاب، وهي ترقية مخدومة من طرف الجنرال المذبوح، كما أمر هذا الجنرال بزيادة تسليح مدرسة اهرمومو قبيل الانقلاب.
لقد تم اعتماد طريقة القيادة من فوق، فالجنرال المذبوح (الذي يعتبر قائد الانقلاب)، لم يجلس إطلاقا مع الكولونيل محمد اعبابو، وكان حواره دائما مع امحمد أخ المعني الأول.
وكان القبطان الشلاط، الذي وعد بالترقية آنذاك، وتحت إمرة هذا الأخير، حسب الأقدمية، القبطان بلكبير والقبطان غلول، وهما اللذان قادا القافلتين من اهرمومو إلى فاس ثم زكوطة فسيدي قاسم، إلى سيدي سليمان وسيدي يحيى، مرورا بالقنيطرة، وصولا إلى بوقنادل (على بعد بضع كيلومترات من مدينة سلا)، وهناك (ببوقنادل) تغيرت قيادة القافلتين، آنذاك رفعت أغطية الشاحنات ولُقِّمت الأسلحة وتم إخبار الجنود بالاستعداد للدخول إلى منطقة حرب، مما يعني وضع الأصبع على الزناد والاستنفار لإطلاق النار حال صدور الأوامر.
التصريح الذي ورط كل المتهمين
من أهم التصريحات التي كبلت المتهمين بقاعة المحكمة العسكرية الدائمة بالقنيطرة، ما أدلى به محمد اعبابو، شقيق امحمد اعبابو، مدير مدرسة اهرمومو، إذ جاء في محضر استنطاقه أن الجنرال المذبوح حدد بمعية شقيقه تفاصيل خطة الهجوم على القصر الملكي بالصخيرات، وعملا معا على ضمان تنسيق تحركات المجموعتين المتدخلتين في هذه العملية، كما توافقا على تعيين الأشخاص اللازم تصفيتهم وأولئك الواجب احتجازهم إلى حين النظر في حالتهم كل واحد على حدة، واتفقا أيضا بخصوص الضباط الغرباء عن مدرسة اهرمومو، الذين سيلتحقون بالعملية وهم:
– الليوتنان كولونيل القادري
– الكومندار المالطي
– الكومندار المنور
– الكومندار البريكي
– الكومندار الرياني (صهر المذبوح)
– الكومندار الحرشي
الكومندار مليس
وذلك من أجل أن يبرز للانقلابيين أن مختلف مكونات الجيش مشاركة في العملية.وكان هؤلاء الضباط الغرباء ينتظرون القافلة ببلدة بوقنادل بلباس مدني صيفي خفيف، وبعد خلوة قصيرة مع امحمد اعبابو (داخل سيارة مدنية)، ارتدى كل واحد منهم اللباس العسكري وحملوا أسلحتهم، بما فيهم ضابط شرطة كان يرافقهم.
هذا ما أنكر علمه المرزوقي (صاحب كتاب تازمامارت/ الزنزانة رقم 10) في التحقيق، لكنه لم ينكره بعد نجاته من جحيم تازمامارت.
وفعلا، قلة جدا، هم الذين أقروا بأن امحمد اعبابو أخبر ضباطه ببوقنادل أن الأمر يتعلق بالقيام بانقلاب، ومن هؤلاء، إضافة إلى محمد اعبابو، عبد العزيز بين بين (نجل مؤنس الحسن الثاني) والذي أدلى في التحقيق بما يلي:[…] تجمعنا حول الليوتنان كولونيل امحمد اعبابو وقال لنا: « أيها الضباط الشباب تعرفون، حق المعرفة، وضعية الضابط بقواتنا المسلحة [..] القيادة العليا قررت القيام بانقلاب.. علينا مهاجمة قصر الصخيرات على الساعة الواحدة زوالا.. وفي نفس الساعة ستتدخل وحدات في مدن أخرى.. سنقوم بمحاصرة القصر وعليكم إطلاق النار على كل من سيحاول الفرار… ».
ويعترف محمد اعبابو منذ البداية أن شقيقه امحمد فاتحه مبكرا في الإعداد لمحاولة انقلاب لتغيير الوضع بالبلاد، إذ تشاور معه بخصوص الكمين الذي كان ينوي نصبه للموكب الملكي بضواحي إفران بمناسبة حضور الملك الحسن الثاني لمناورات الحاجب في غضون شهر أبريل سنة 1971، شهورا معدودة قبل انقلاب الصخيرات، وقد عمل محمد على تني أخيه عن المغامرة لعدم توفر شروط نجاحها. ومما يبين أن امحمد اقتنع بملاحظات شقيقه ما صرح به هذا الأخير، حيث قال:
» […] حال وصولنا إلى فاس، هاتف أخي مدرسة اهرمومو وقال للقبطان بلكبير بصوت مرتفع: « .. التمرين المقرر قد ألغي نظرا لظروف الطقس السيئة.. لا تغادروا المدرسة لتجنب أخطار الحوادث.. ».وجاء في تصريحات محمد اعبابو أيضا أن شقيقه امحمد حاول اقناعه بأنه التقى أكثر من مرة مع الجنرال المذبوح، آخرها بمدينة فاس، إذ نادى على « البلانطو » الذي كان يعمل بمنزله هناك، حيث قال محمد في المحضر:
« وجدت شقيقي وحده في منزله بفاس.. تناولت معه فنجان قهوة.. ثم نادى على « البلانطو » لحسن فسأله أمامي: « من كان جالسا على هذه الأريكة البارحة؟ ».
تردد لحسن، فأمره محمد بالإجابة، فنطق لحسن: « كان هناك الجنرال المذبوح… ».أما بخصوص النظام الذي كان يرغب الانقلابيون القيام به، يقول محمد اعبابو:
« من خلال الحوارات التي أجريتها مع شقيقي امحمد فيما بين 7 و10 يوليوز تبين لي أن الجنرال المذبوح كان ينوي إحداث نظام يرتكز على القوات المسلحة.. لذلك فكر في توسيع دائرة اختصاص وزارة الدفاع لتشرف على القوات المسلحة والدرك والقوات المساعدة والأمن [وكانت ستؤول إلى أخيه] […] وكنت أنا مرشحا للاضطلاع بالقيادة العامة للجيش.. أما « مجلس الثورة »، فكان سيضم ضباطا يتم اختيارهم من الذين أثبتوا انخراطهم في قلب النظام.. ».ويضيف محمد اعبابو « يبدو أن اجتماعا أقيم بفيلا كان يملكها شقيقي بشاطئ « كابونيكرو » بالشمال، أسبوعا قبل الانقلاب، وربما تقرر كل شيء خلاله… ».
وهذا ما أشار إليه كذلك، على بوريكارت في مذكراته، حيث كتب: « لقد علمت على لسان « لاجودان شاف » عقا أن أوفقير، أسبوعا قبل الهجوم على قصر الصخيرات، زار الكولونيل اعبابو رفقة الدليمي بفيلاته بـ « كابو نيكرو » شمال البلاد.
وجاء أيضا في محضر محمد اعبابو: « [..] خلال حوار شقيقي مع الجنرالات بمقر المكتب الثالث بالقيادة العامة وقع نظره على الكولونيل بنعيسى [الحرس الملكي] فالتفت إليه وقال: « موكولونيل ».. مع الأسف أخبركم بموت رئيسنا، الجنرال المذبوح.. » (ثم توجه إلى جميع الحاضرين) « .. نعم، الجنرال المذبوح هو رئيسنا، لكنه مع الأسف الشديد لقي حتفه.. ».
وجوابا على سؤال القاضي قال محمد اعبابو: « [..] عندما سلم شقيقي « السلطة » للجنرالات بمقر المكتب الثالث اتصل بي بعض الضباط الشباب، أذكر منهم أخليج والفكيكي وآخرين، حيث قالوا: « لقد قام شقيقك باقتراف حماقة كبيرة.. السلطة يجب أن تعود لنا نحن.. ».
وأضاف: « […] آنذاك فكرت في الهروب وقررت استفسار شقيقي عن المكان الذي يخبئ فيه المال لأخذه وأغادر البلاد.. إلا أن الفرصة لم تتح لي.. ».وبالرجوع إلى ما قيل بخصوص المحاولة الانقلابية الفاشلة، وما تم الكشف عنه من معطيات وإلى تقاطع جملة من التصريحات، ذهب مجموعة من المحللين إلى الاعتقاد بوجود خلاف بين الجنرال المذبوح والليوتنان كولونيل امحمد اعبابو، إذ كان الأول عاقدا العزم على اقتحام القصر الملكي وتجريد الحرس الملكي من السلاح ووضع اليد على الملك لدفعه إلى التخلي عن العرش وتسليم السلطة إلى « مجلس الثورة » المكون من ضباط شباب، أي القيام بانقلاب « نظيف » دون إراقة دماء. أما امحمد اعبابو فقد عقد العزم على اغتيال الملك وتهجير العائلة الملكية والإعلان عن إقامة نظام عسكري.
ويظل أحمد رامي الوحيد الذي يقر بأن محمد المذبوح تحدث مع الحسن الثاني بعد الهجوم على القصر وأخبره بأن لا مخرج إلا بالتخلي عن السلطة مع إمكانية اللجوء إلى فرنسا عبر الرباط أو الدار البيضاء.. وافق الملك ووقع كتابا بهذا الخصوص، وِجد بحوزة الجنرال المذبوح وهو جثة هامدة. وهذه النازلة لم تتم الإشارة إليها من قبل.
كيف تحرك 1400 جندي مدججين بالسلاح دون إثارة الانتباه؟
سؤال ظل يردده الكثيرون، كيف تمكن 1400 جندي من التحرك على امتداد مئات الكيلومترات دون إثارة انتباه السلطات العسكرية والمدنية ورؤساء المناطق العسكرية وعمال الأقاليم الأربعة التي اخترقوها آنذاك (1971)، كان:
– امحمد باحنيني وزير الدفاع بعد أن عوض الجنرال مزيان في 5 فبراير 1971.
– الجنرال المذبوح مدير الديوان الملكي.
– الجنرال محمد بلعالم الكاتب العام بوزارة الداخلية.
– أحمد الدليمي مدير الأمن الوطني.
– الكولونيل بولحمص قائد الدرك الملكي.
– الجنرال مصطفى أمحراش مدير المدارس العسكرية.وكان على رأس المناطق العسكرية التي اخترقتها قافلة الانقلابيين كل من:
– الجنرال بوغرين : رئيس منطقة فاس – تازة.
– الجنرال عبد الحي بلبصير : رئيس منطقة مكناس.
– الجنرال حمو أمحزون : رئيس منطقة الرباط – القنيطرة.
وكان على رأس عمالات الأقاليم التي مرّت عليها القافلة كل من:
صلاح زمراك : تازة.
عمر بنشمسي : فاس.
عبد الله الشرقي : القنيطرة.
عبد السلام الوزاني : الرباط.
ضمن كل هؤلاء تأكد، بما فيه الكفاية، تورط كل من الجنرال المذبوح والجنرال أوفقير والجنرال بوغرين والجنرال حمو أمحزون.ضحايا طالهم الإهمال
بعد انقلاب الصخيرات، مباشرة، أمر الملك الراحل الحسن الثاني بإحداث لجنة للقيام ببحث، بخصوص الأحداث الدامية بقصر الصخيرات، ولجنة لرعاية الضحايا وإحصاء أملاك وأموال المتمردين قصد مصادرتها لتمويل صندوق جديد يضطلع بتعويض الضحايا وذوي الحقوق.
فعلا تم إحداث هذه اللجنة بعضوية كل من وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الإدارية ووزارة الشغل والتكوين المهني، غير أن قراراتها ظلت حبرا على ورق. آنذاك كان الجنرال محمد أوفقير عضوا رئيسيا في كل اللجن المحدثة بعد فجيعة الصخيرات.
يوم السبت 10 يوليوز 1971، ما بين الساعة الثانية والرابعة زوالا سقط الكثير من الضحايا من مختلف الشرائح، عسكريون ومدنيون، جنرالات، أطباء وموظفون سامون وفنانون وخدم وأناس بسطاء، كانوا يعيلون أسرا متعددة الأفراد، أغلب هذه الأسر عانت من ضيق اليد رغم أن أربابها سقطوا وهم في ضيافة الملك أو أنهم كانوا يزاولون مهامهم في القصر الملكي.
وزادت حسرة هؤلاء بعد تناسل موجات الكشف عن الحقائق بخصوص المحاولة الانقلابية الأولى الفاشلة واعترافات المشاركين فيها بعد نجاتهم من جحيم تازمامارت، ويجمع ضحايا الصخيرات أن الدولة تناستهم وتخلت عنهم، وتجاهلت الحكومات المتتالية مطالبهم، بل إن حكومة عبد الرحمن اليوسفي لم تحترم مشاعرهم.كما ظلت أسر ضحايا الصخيرات تعتبر أن منح تعويضات سخية، للناجين من جحيم تازمامارت، من الأخطاء التاريخية الجسيمة، اعتبارا لكون الأموال الممنوحة، تم اغترافها من الأموال العمومية اقتطع جزء منها من مال أسر ضحايا الصخيرات وذويهم كدافعي الضرائب، علما أنها لم تتوصل سوى بتعويضات هزيلة، بالكاد غطت مصاريف العزاء والدفن، ولا وجه لمقارنتها مع ما أغدقت به الدولة والحكومة على من كانوا سببا في ترميل نساء وتيتيم أطفال، وبذلك شعرت عائلات ضحايا الصخيرات بغبن عظيم نظر تعرضها لحيف وظلم كبيرين.
فأرملة كولونيل – أحد ضحايا الصخيرات – على سبيل المثال لا الحصر، لم تتوصل إلا بمعاش لا يتجاوز 1500 درهم، أما أرملة عمر غنام، مدير المركز السينمائي المغربي، فاستفادت من معاش لم يتعد 736 درهما شهريا.
بسبب الإحساس بالغبن سبق لجمعية ضحايا الصخيرات أن طلبت من دار الافتاء بالديار المصرية فتوى في الموضوع، وفعلا أصدرت الدار فتوى، أكد فحواها أن من له حق العفو عن قاتل النفس المؤمنة بغير حق، هم أولياء المقتول الشرعيين.وقد استندت الجمعية إلى هذه الفتوى لدعم دعواها المدنية والمطالبة بالحق المدني، سيما وأن الفتوى المصرية أقرت بأن الدعوى في جرائم القتل العمد لا تسقط بالتقادم.
فرحة غالية الثمن
عندما تلقى صاحب حانة شهيرة بشارع محمد الخامس بالرباط، خبر انقلاب الصخيرات، بادر فورا، على مرأى الحاضرين، إلى تكسير صورة الملك الحسن الثاني التي كانت معلقة فوق « الكونطوار »، ثم أمر بتقديم كل أنواع الخمور حسب طلب الزبناء الحاضرين في البار لحظتئذ، مجانا، تعبيرا عن فرحته واستبشاره بما وقع، إلا أن فرحته لم تكتمل، إذ اضطر للفرار من قبضة الأمن شهورا بعد ذلك.
وعند إحداث الهيئة الأولى لتعويض ضحايا سنوات الجمر والرصاص، قدم هذا الأخير طلبا للتعويض، بخصوص ما لحقه من خسائر وعن المدة التي قال إنه قضاها بإحدى المعتقلات السرية، إلا أن طلبه قد تم رفضه من طرف الهيئة الأولى، وكذلك من طرف هيئة الإنصاف والمصالحة، معتبرة أن هذه النازلة لا تدخل في اختصاصاتها. وقد تحول « البار » المذكور حاليا إلى متجر لبيع الحلويات والمشروبات.سقوط 60 بالمائة من جنرالات المغرب خلال ثلاثة أيام
فيما بين 10 و 13 يوليوز 1971 لقي 9 جنرالات من أصل 15 حتفهم، إما عن طريق رصاص المتمردين أو برصاص فرقة الإعدام بمعسكر مولاي إسماعيل بالرباط.
ومن بين الذين لقوا حتفهم بقصر الصخيرات، هناك الجنرال إدريس النميشي (سلاح الجو)، الذي قتله المتمردون، والجنرال الغرباوي الذي قتله اعبابو، الذي لقي هو الآخر حتفه على يد الجنرال الهواري، أما الجنرال المذبوح، فمقتله شكل حالة خاصة.
عشية فشل الانقلاب، تم اعتقال، الجنرالات المشكوك بأمر مشاركتهم أو مساندة المتمردين، وخضعوا جميعهم لتحقيق سريع، أشرف عليه الجنرال محمد أوفقير بعد أن منحه الملك الحسن الثاني جميع الصلاحيات العسكرية والمدنية. في اليوم الثالث، بعد مجزرة قصر الصخيرات، رافق الجنرال أوفقير الجنرالات المعتقلين إلى ثكنة مولاي إسماعيل بالرباط للإشراف على تنفيذ إعدامهم دون محاكمة.
وفي ظرف أقل من ثلاثة أيام فقد المغرب 9 جنرالات (منهم من سقط على يد المتمردين ومنهم من أعدم)، أغلبهم من أصول أمازيغية، وقد تابع المغاربة مراسيم إعدامهم على شاشة التلفزة مباشرة، كما حجت جماهير غفيرة بإيعاز من السلطات المحلية لمعاينة مراسيم إعدام 4 جنرالات، هم بوكرين وحبيبي وحمو ومصطفى و4 كولونيلات والكومندار إبراهيم المنوزي، وأغلب هؤلاء لم تكن تربطهم أدنى علاقة بالهاجس السياسي، حيث سبق أن ساهموا في قمع التحركات النضالية الجماهيرية بمختلف أرجاء المملكة.
محمد لومة / أحد قدماء مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية
محمد لومة أحد قدامى مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، رحل إلى الشرق العربي لتلقي تكوين عسكري متقدم، سيما في تخصص « حرب العصابات »، تخرج من الكلية الحربية السورية في شتنبر 1971، ثم التحق بالعمل الفدائي يحمل معه هاجس تغيير النظام السياسي بالمغرب عن طريق القوة المسلحة.
أجرينا معه هذا الحوار للمزيد من تسليط الضوء على بعض الجوانب المعتمة من عملية الانقلاب الأولى الفاشلة، بوصفه ـ من جهة ـ كاتبا وباحثا تقصى أحداث هذه العملية واتصل بأعضائها المشاركين عن قرب، كما اطلع ـ من جهة أخرى ـ على جملة من الوثائق المتصلة بهذه النازلة.
– أين كنت يوم حدوث انقلاب 10 يوليوز 1971؟
+ مساء هذا اليوم المشؤوم كنت بأحد مرافق الكلية الحربية السورية في مدينة (حمص) حيث تلقيت دراساتي العسكرية للتخرج منها كمهندس عسكري، ففوجئت باقتحام القاعة من طرف مجموعة من الضباط السوريين الذين اتجهوا نحوي وهم يهتفون ببشاشة.. لقد كان هؤلاء القوم على مدى ثلاث سنوات قضيتها هناك، نموذجا للقسوة والصرامة تجاه كافة الطلبة الضباط، الذين سرعان ما أخرجوني إلى ساحة الكلية محمولا على الأكتاف وهم يرقصون ويغنون عاليا:
على دا العونا.. وُعَلى دَا العُونَا… إلخ.. مقطعا من الغنوة الشامية الشهيرة..
ثم أخبروني بعد ذلك بأن الوضع السياسي في المغرب قد تغير.. لم يكن بحوزتي جهاز راديو لمعرفة التفاصيل لكنهم تطوّعوا، فأحضروا الجهاز.. مؤكدين بإلحاح:
– أُولَكْ يا زلمي.. ضَبّْ أغْرَاضَك.. شُو نَاطِر..؟ (يا رجل.. تحرك.. إجمع أغراضك الشخصية)
– وُلَكْ بُكرة بعيِّنوك وزير دفاع.. أُولك خلِّصنا بقى!! (إذا سيعينونك وزيرا للدفاع.. تحرك.. تحرك).عند الصباح الباكر لليوم الموالي، جاءت العاصفة على لسان قائد الكلية الحربية السورية المقدم ناصر الدين محمد ناصر، الذي سرعان ما أصبح لواء ثم وزيرا للداخلية في سورية.. لقد طلبني باستعجال ليوبِّخني وبعنف شديد قائلا:
– أُولَيكْ الله لا يعطيكم عافية.. أُولك لِيشْ فَشَلْتُو؟
شرحت له الأمر في حدود ما أعرف:
– سيدي.. هادول مُوجَمَاعَتْنَا.. هَادُول مرتزقة حروب في الهند الصينية والكامبودج والجزائر.. إلخ. ومو وطنيين.. ولا قوميين.. وأنا ما إلي علاقة بيهم.– صرخ في وجهي:
أُولّكْ يا أخي بدِّي أفهم.. هَادُول مُوعَسْكَر؟
أجبت بالتأكيد عسكر.. فعقَّب غاضبا كالإعصار:
– أُولَكْ.. عَسْكَر بَطَاطَا.. أولك 1400 عسكري وبيطلعوا على الفاضي.. اشرح لي كيف صار ها الشيء؟
أمرني بالانصراف لعجزي عن تقديم ما يرغب من معلومات إضافية.. ثم عدت إلى رفاقي.. منتظرا حفل التخرج الذي أقيم تحت إشراف رئيس الجمهورية الفريق حافظ الأسد لأتخلص من هذا الكابوس.. لقد كنت المغربي الوحيد آنذاك في الكلية وكان الجميع يتوجهون لي بالأسئلة والاستنكارات والشجب، كما لو أنني كنت المسؤول الأول عن هذه الحماقة…آنذاك كانت السفارة المغربية في دمشق قد أغلقت بسبب إحراقها، بعد جريمة اغتيال الشهيد المهدي بنبركة في أكتوبر 1965… فبقينا نحن هناك ـ مناضلو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المتواجدون آنذاك بالديار السورية ـ وحدنا المخاطبون على كل المستويات حتى سنة 1971.– ككاتب تقصيت كثيرا بخصوص المحاولة الانقلابية الأولى واتصلت بالعديد من الأشخاص واطلعت على جملة من الوثائق، كيف كانت الوضعية في قصر الصخيرات قبل الهجوم وبعده؟
+ منذ العاشرة صباحا ليوم السبت 10 يوليوز 1971 وسيارات المدعوين تصل تباعا إلى القصر الملكي بالصخيرات، تحمل ركابا أنيقين، يرتدون حسب التعليمات (البروتوكول) ملابس صيفية خفيفة دون ربطة عنق، أغلبها، عبارة عن قمصان حريرية ذات أكمام قصيرة.
وبينما كان الكاتب والصحفي المعروف بونوا ميشان (Benoit Méchin)، الذي اعتادت مصالح التشريفات دعوته سنويا لحضور هذه المناسبة، متجها إلى قصر الصخيرات عبر الطريق الشاطئية، حيث لاحظ عددا كبيرا من الشاحنات العسكرية المليئة بالجنود تسير في نفس الاتجاه، ولعل أكثر ما استرعى انتباهه أن أغطية الشاحنات كانت مرفوعة وقد بدا كل جندي على متنها ماسكا سلاحه بحزم وهو في وضعية تأهب!
وبحكم تجربة الرجل السابقة في العراق حين سقوط النظام الملكي صيف 1958 والتي عاش فصولها أولا بأول.. بدا له أن الأجواء في الرباط خلال ذاك اليوم غير اعتيادية ورأى أن عليه الإسراع بسيارته للوصول إلى القصر ولو ربع ساعة قبل وصول الشاحنات العسكرية لإنذار الملك من مغبة ما سيقع.. وقد استطاع أن يَعُدَّ لوحده ما عَدَدُهُ (63) شاحنة تحمل مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة ممتدة على حوالي كيلومتر تتحرك بسرعة (في حدود 50 كلم/ الساعة).
– هل تمكَّنَ من إخبار الحسن الثاني بذلك؟
+ رغم أنه استطاع الوصول إلى القصر، لم يتمكن من الوصول إلى الملك، الذي كان يتناول غذاءه حوالي الثانية زوالا رفقة الأمير سلطان بن عبد العزيز والحبيب بورقيبة الابن والأمير مولاي عبد الله وغيرهم من كبار الشخصيات الوطنية والدولية.. كما باءت كافة محاولاته للعثور على الجنرال حفيظ العلوي مدير التشريفات الملكية بالفشل الذريع… فأسلم أمره للقدر.. حيث سيتمكن بعد ذلك في كتاب صدر له بعنوان: (Deux Etés Africains) من رصد كافة أشواط المذبحة الفظيعة التي حدثت هناك.
ذلك اليوم عبر الانقلابيون بشاحناتهم و »جيباتهم » المسلحة شارع الحسن الثاني مخترقين العاصمة، وكان اليوم يوم سبت مما زاد من درجة اكتظاظ المرور، وصولا حتى الطريق الساحلية المؤدية إلى الصخيرات، وعلى جسر وادي « نفيفيخ » قام رجال الدرك الملكي هناك بتوقيف السيارات المدنية لإفساح الطريق أمام موكب « الانقلابيين »، وهذا ما أخر « بونوا ميشان ».
كانت الموائد قد مُدَّت وعليها ما طاب من مختلف صنوف الأكل، قبل ذلك استغلت، بعض الشخصيات الفرصة لممارسة السباحة أو الكولف.. والفرق الموسيقية تشنف الأسماع، علما بأن عددا هاما من نجوم الطرب العربي كانوا قد أطّروا الحفل الموسيقي الساهر ليلة قبل ذلك، من بينهم: صباح وفريد الأطرش، محمد عبد الوهاب وعفاف راضي، عبد الحليم حافظ وغيرهم (…).
كانت السحب قد بدأت في الانقشاع عن سماء الصخيرات عندما كانت أفواج الشاحنات العسكرية المسلحة تشق طريقها من بوقنادل إلى الصخيرات، إذ كانت السماء ذلك اليوم مكسوة بغيوم كثيفة منذ الساعات الصباحية الأولى.
ولدى سماع أولى العيارات النارية، تهامس البعض ضاحكين: إنها واحدة أخرى من (مقالب) الأمير مولاي عبد الله.. فقد عوّدنا على مثل هذه المفاجآت؟! فردّ أحد السّفراء ناقما: إذا كان الأمر كذلك فهو أسوأ مقلب يمكن تنظيمه..
وعلى ذكر السفراء، أصيب سفير إحدى دول أمريكا اللاتينية لدى المغرب بالرعب الشديد.. وكان يحمل رتبة جنرال فلم يجد مكانا يختبئ فيه سوى برميل للنفايات (من النوع القديم)، لا يستطيع إيقاف طلقة نارية واحدة من المرور في الاتجاهين معا.. فتأكد فيما بعد لجميع الناس بأنه من نوع جنرالات (الكولف) و(كرة القدم).. وما شاكل!!؟
أما عميد الشرطة بودريس، الذي كان من المكلفين بالأمن الشخصي لصاحب الجلالة فقد لجأ بدوره إلى برميل آخر للنفايات بعد أن أطلق على إحدى قدميه رصاصة من مسدسه الشخصي.. وحينما حاول الناس إخراجه بعد انتهاء هبوب « العاصفة »، وجدوا عناء كبيرا بسبب ما كان عليه الرجل من بدانة مفرطة!.. وجاء من الخدم من سيشهد طواعية بأنه هو من أطلق النار على نفسه.. وذلك تفاديا للإحراج مادام قد خاف وفضل الاختباء عوض القيام بمهمته، لكن ذلك لم ينفعه، إذ سرعان ما تم استبداله بعميد آخر بعد حوالي سنة في نازلة طائرة البوينغ الملكية (727) مساء يوم 16 غشت 1972.
شخصيا، لا أريد العودة إلى ما كتبه كثير من الذين عاينوا هذه المجزرة البشعة.. فللقارئ الكريم الراغب في الإطلاع على المزيد من تفاصيلها العودة إلى مؤلفات عبد الهادي بوطالب وعبد اللطيف الفيلالي وبينوا ميشان وغيرهم. لكنني أريد لفت الأنظار إلى الحالة « الهستيرية » التي كان عليها تلاميذ مدرسة اهرمومو، الذين أُصِيبُوا بالذهول والانبهار.. وهي المشاعر التي سرعان ما تحولت إلى سعار دموي بإطلاق النار في كل اتجاه.. جعل هذه المخلوقات تتحول إلى « قطعان » حقيقية بشعة :
– منهم من انصرف إلى أكل ما لذ وطاب من مأكولات لم يتذوقوها يوما في حياتهم.. للأسف وسط الدم والشظايا والأنين!!– منهم من شرع في سلب المدعوين أموالهم وساعاتهم اليدوية وحليهم.. إلخ.
ومنهم من وقف مبهورا أمام زرقة البحر، وتناسق المعمار في جنبات القصر مما لم يشهد له مثيلا من قبل، سيما هؤلاء أبناء المناطق الجبلية والصحراوية ممن لم يعاينوا بحرا من قبل… لا بل إن المساعد الأول (خرخاش) أسرع إلى تجميع أنبوب بلاستيكي ضخم يستعمل في سقي ملعب الكولف بالقصر الملكي، وهو يعتزم إحضاره إلى مدرسة اهرمومو.. كما كان يفعل دائما تحت إشراف المساعد عقا.. كما لو أنه هذه المرة جاء في نزهة بسيطة ستنتهي كما بدأت وليس بصدد محاولة انقلابية، دموية، لها ما بعدها!!؟خلال ذلك اليوم استطاع أحمد رضا كديرة الفِكاك من الفخ، حيث غادر القصر قبل الساعة الثانية زوالا رفقة الملازم الصفريوي، وقد تسبب إطلاق النار عشوائيا في تفكيك مجموعة حلقات المخطط الذي وضعه الجنرال المذبوح، وهكذا بدل أن تنقسم القوات المهاجمة إلى ثلاثة أقسام، أولها لمهاجمة القصر، وثانيها للاستيلاء على هيئة الأركان العامة، وثالثها للسيطرة على مقرات وزارة الداخلية والإذاعة والتلفزة.. بدل ذلك اختلط الحابل بالنابل، فلم يعد ضباط الكوماندوهات يسيطرون على تلامذتهم، ليغدو السعار الدموي هو سيد الموقف.
– كيف كانت نوعية تسليح « الكوماندوهات » المسلحة؟
+ لقد كان التسليح قويا بل غريبا، في ضوء قواعد التدريب المعمول بها في مدارس مماثلة، ذلك أن عددا كبيرا من التلاميذ –الضباط، كانوا لا يزالون في السنة الأولى من التكوين، يجهلون استعمال السلاح جهلا تاما.. حسب تصريحات أحد قادتهم، الملازم أحمد المرزوقي (قائد الكوماندو 12)..
وكانت هذه الأسلحة – حسب محضر الإدارة العامة للأمن الوطني المؤرخ في 17 يوليوز 1971، والذي حُرِّر بإشراف عميد الشرطة محمد المعزوزي والكابيتان عبد المومن من هيئة الأركان العامة للجيش – عبارة عن:
أ- الأسلحة الثقيلة:
1 مدفع عيار 75 ملم – عديم الارتداء.
1 مدفع هاون عيار 120 ملم.
4 مدافع هاون من عيار 81 ملم.
8 مدافع هاون عيار 60 ملم.
7 رشاشات ثقيلة عيار (12.7 ملم).
– عدد كبير من الرشاشات الثقيلة (A. A. 52) و(29/24-F.M).
ب- الأسلحة الخفيفة (حوالي 1200 بندقية ورشاشة)، منها:
– بنادق: MAS – 36
– بنادق: N.L.G
– رشاشات (MAT -49) و(5-35 D.A)..
– كمية من قاذفات الصواريخ ضد المصفحات والدبابات.
– عدد كبير من مسدسات نوع « بريطا ».
– كمية كبيرة من القنابل الهجومية والدفاعية، كما تم استعمال أكثر من 40 شاحنة وناقلة وأكثر من 20 ألف لتر من الوقود وكميات كافية من الغذاء.– هل تم فعلا استخدام هذه الأسلحة؟
+ لو استعملت هذه الأسلحة في قصر الصخيرات لأدى ذلك إلى هلاك حوالي ألف شخص، ولدُمِّّرت مرافق القصر عن آخرها بقذائف المدفعية وشظاياها.. لكن الأخطر من كل ذلك، أن المقدم امحمد عبابو، أعطى لقواته المسلحة منذ خروجها من بلدة (بوقنادل) الأمر القاطع والصارم بـ:
1- رفع أغطية الشاحنات والسيارات العسكرية استعدادا لخوض المعركة.
2- تلقيم كافة أنواع الأسلحة، ووضعها في حالة الاستعداد، باعتبار أن القوات ستدخل « منطقة معادية » عبر المرور بمدينتي سلا والرباط!!؟فلو حصل اشتباك بين هؤلاء وأية قوة عسكرية أخرى، بين بوقنادل والصخيرات، لكان حجم الخسائر بآلاف الضحايا، سيما وأن بعض تلاميذ مدرسة أهرمومو كانوا لا يزالون « أغرارا »، بمعنى أنهم لم يستوعبوا بعد حمل السلاح والمناورة بالنيران… وهكذا سنجدهم في الصخيرات يطلقون النار على كل ما تقع عليه أعينهم، بل لقد وصلوا إلى حد التراشق بالرصاص في ما بينهم.. كما لو أنها نوع من ألاعيب (عاشوراء)، يا سبحان الله!
لقد سجل المقدم امحمد عبابو على نفسه صبيحة يوم 10 يوليوز 1971 حماقات خطيرة لا تخطر على بال، عرَّض خلالها آلاف الأرواح للخطر الداهم دون أي ذنب اقترفوه.. لا لشيء.. فقط من أجل رغبته في توسيع مجال نفوذه وسلطته.. وهو لا يزال ابن الـ 32 سنة أتى من مدرسة عسكرية نائية، ما كان ليتصور أحد أن تنتقل بقوتها النارية الكبيرة إلى قلب عاصمة البلاد.. أقول.. كان ينوي ضَمِّ مساحة نفوذه من مدير مدرسة عسكرية إلى مساحة الوطن المغربي بكامله… بكل مؤسساته الدستورية والسياسية والنقابية والتربوية..؟!
– بعد أن فشلت المحاولة وتم القبض على زمام الأمور بعد هذه المجزرة الدامية، كيف كانت مواقف الملك الحسن الثاني؟
+ لقد حضر صديقه الملك حسين، مهرولا من عمان، مزودا بما في جعبته من نصائح صارمة.. في ضوء ما عاناه على مدى عام كامل.. بعد أحداث سبتمبر 1970 في عمان ثم اشتباكات جرش وعجلون في يوليوز 1971.. وقد حضر كالمعتاد متمنطقا بمسدسه (سميت إندونسن) وبلباسه العسكري.. ليصر أولا على إعدام كل المتورطين في أحداث الصخيرات.. ولكن الجنرال أوفقير هو من قدم الضحايا وقرر مصيرهم دون تقديمهم للمحاكمة قبل ذلك، وقد تميزت هذه المذبحة أيضا بتصفية حسابات شخصية.. فكان يشرف على إعدامهم باكيا.. كما سيفعل لاحقا صدام حسين في حق قادته من حزب البعث العربي الاشتراكي بإعدام شخص من مستوى عبد الخالق السامرائي.. كما يفعل عادة « التمساح » قبل الانقضاض على ضحيته!!؟
بعد ذلك سيسارع الحسن الثاني إلى إطلاق سراح سعيد بونعيلات وبنموسى الإبرايمي في 15 ماي 1972، ليباشر حوارا مفتوحا مع الكتلة الوطنية التي تشكلت قبل ذلك في يوليوز 1970.
… بالفعل كان المذبوح يسير في نفس الاتجاه، إذ لا خيار له، وقد سار معه الحسن الثاني مكرها، لكن بخطوات، ثقيلة وحذرة.. ستقوده إلى محاولة انقلابية ثانية، لأنه لم يسرع الخطى كما يجب، فاكتفى بالمناورة من وراء حجاب، وهو الرافض دوما لتقديم أية تنازلات من باب الضغط، فكان أن عرض نظامه السياسي بالكامل لأفدح المخاطر بعد ظهر يوم 16 غشت 1972.
– ماذا يمكنك أن تقول بخصوص طريقة القيادة المعتمدة في الانقلاب وتجانسها؟
+ أريد أن أسجل – بداية – بأن كلا الرجلين، المذبوح واعبابو، كانا يقفان الواحد منهما بعيدا عن الآخر على مسافة كبيرة ـ فكرا وتربية ونهجا وتجربة ونضجا كذلك ـ بحكم عدد هام من المعطيات التي تتصل بشخصيتيهما.
فالمذبوح، زاول قبل ذلك مهاما مدنية وعسكرية متنوعة، كان أبرزها توليه عاملا على إقليم ورزازات بعد الاستقلال مباشرة، ثم عمل وزيرا للبريد في حكومة عبد الله إبراهيم المُشكلة في دجنبر 1958.. غير أنه سرعان ما سيقدم استقالته منها، بضغط من الحسن الثاني ولي العهد آنذاك، ضمن محاولة لإسقاط الحكومة.. وكانت الذريعة المقدمة هي الاحتجاج على مضمون البلاغ الصادر عن مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنعقد في أكادير سنة 1959، والذي فهم منه أنه تضمن قذفا في حق مؤسسة الجيش الملكي.. علما بأن المذبوح لم يكن يحمل سوى رتبة قبطان وقتها، ولم يقدم أي من الجنرالات استقالتهم سوى المذبوح! بعد ذلك شغل منصب عامل على الدار البيضاء.. وقد ارتبط اسمه بالمحاولة (الانقلابية) للحركة الاتحادية في 16 يوليوز 1963، ويقال بأنه سارع إلى الإخبار بها بعد أن سبقه إلى ذلك مصطفى العلوي، ابن شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، وقد جرى التعامل معه في ضوء ذلك كشاهد إبان البت في هذه القضية.
وعلى الرغم من إصدار 14 حكما بالإعدام في حق المتهمين خلال مارس 1964، ظل الفقيه البصري وعمر بنجلون – المحكوم عليهما كذلك بالإعدام في هذه القضية – يذكران المذبوح بكل خير.. وينوهان بنظافته ووطنيته.. وقد أكدا مرارا لرفاقهما في السجن بأن هذا الشخص سيقوم – يوما ما – بعمل وطني كبير!!
– ما هي الأسباب التي دفعت الجنرال المذبوح إلى التخطيط للانقلاب؟
+ إن عددا هاما من المصادر أجمعت على أن من بين أسباب قيام المذبوح بهذه المحاولة الانقلابية اكتشافه، وهو يقوم بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية في مطلع سنة 1971 للتحضير لزيارة الحسن الثاني المقررة آنذاك في شهر أبريل، اكتشف ضمن بعض الوثائق كيف أن أشخاصا نافذين في المحيط الملكي طلبوا رشوة قيمتها (600) مليون سنيتم لتسهيل بناء فندق (شيراطون) بالدار البيضاء، كما اكتشف أن بعضهم يمارس نشاط تهريب المعادن النفيسة.. فعاد من هناك وهو مصمم على فعل شيء لوقف الفساد المستشري في أعلى هرم الدولة.
وسيكتشف الملك الحسن الثاني بعد وفاة المذبوح كيف أنه لم يكن يتصرف في الإكراميات المالية الضخمة التي كان الملك يقدمها له، إذا كان يحتفظ بها ضمن مغلفاتها الأنيقة دون أن تمتد يده إليها لمجرد معرفة المبالغ التي تتضمنها!!؟ دلالة على أن الرجل كان عصيا على قبول مثل هذه الأساليب التي درج عليها النظام لترويض رجالاته وشراء سكوتهم وتواطئهم.
وذات مرة، تلقى الملك الحسن الثاني تقريرا سريا، مضمونه أن الجنرال المذبوح يدبر انقلابا ضده.. وكان وقتها يلعب (الكولف) بملعب دار السلام بالرباط.. فما كان منه سوى أن بعث في طلب المذبوح ليقول له علنا: هل صحيح ما ينسبونه لك في هذا التقرير.. يا مذبوح؟ ثم انصرف إلى رياضته بلا مبالاة، ولم يعد إلى الحديث حول هذا الموضوع أو إثارته من جديد.
أما شخص المقدم امحمد عبابو، والذي لم تمض على ترقيته من كوماندان إلى ليوتنان كولونيل سوى أقل من أربعة أشهر فقد كان رجلا عسكريا بالكامل، لم يعرف له أي نشاط سياسي أو وطني، أو حتى مجرد اتصال بالأحزاب السياسية المغربية طوال حياته، ولكن طموحاته الشخصية كانت لا تعرف أية حدودّ.
فعدا تفوقه في تخصصه العسكري (المشاة) وذكائه وقوة شخصيته وحرصه الدائم على تطوير برامج التكوين العسكري في مدرسته بأهرمومو، وفي ملحقتها بمدينة صفرو، وهي كلها إيجابيات تسجل لصالحه بدون نزاع، لم يعرف عنه أي اهتمام آخر.
– كيف ترى الفرق بين الجنرال المذبوح والمقدم اعبابو؟
+ بكل « موضوعية » ما يجعلنا نعتقد حقا بأن الجنرال المذبوح؛ بقوة شخصيته، واتزانه، ونظافته ووطنيته، قد أخطأ اختيار الرفيق، رفيق الدرب، في شخص امحمد عبابو، والذي تميز مساره المهني بالعديد من الخروقات الفظيعة والممارسات اللا أخلاقية، والتي يمكن إيجازها في ما يلي:
أولا: للتجاوب مع طموحاته العسكرية الواسعة، سعى اعبابو، وهو لا يزال في رتبة رائد (كوماندان) إلى رفع تعداد التلاميذ في مدرسته من 300 إلى 1.000 ثم إلى 1.500 تلميذ، دون موافقة المكتب الثالث لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، والذي كان له حق الإشراف على كافة مؤسسات التكوين العسكري في البلاد، بتخصصاتها الجوية والبرية والبحرية.وللتغلب على المشاكل المادية الكثيرة المتعلقة برفع طاقة المؤسسة إلى أضعافها من حيث المرافق والتجهيزات والتغذية.. إلخ.. لجأ الرجل إلى تكوين (كوماندوهات)، خاصة من ضباط وضباط صف المؤسسة، تحت إشراف مساعده (عملاق الحرب العالمية الثانية) المساعد الأول أمهروش عقا.. فقد كانت هذه المجموعات تقوم – وهي بكامل أسلحتها وتجهيزاتها وشاحناتها – بالسطو ليلا على ممتلكات المواطنين من: مواد البناء وتجهيزاته ومعداته الغالية الثمن والمواد الغذائية والمواشي والأغنام ومواد التجهيز والسيارات والشاحنات والغلال.. إلخ.
وبالتأكيد ساعدت أعمال « البَلْطَجَة » هذه في بناء مرافق جديدة بالمدرسة، والتزود بتجهيزات حديثة من مسابح وملاعب (…)، غير أن بعضها « صُبَّ » في حساب المدير، بحيث غدا في ظروف وجيزة مالكا لفيلا فخمة بمكناس ومؤسسة فندقية ومقهى بنفس المدينة، ولضيعة فلاحية مع عدد من القطع الأرضية، ناهيك عن سيارتين… إلخ ولم تمض على ذلك بعد خمسة عشر عاما على التحاقه بالجندية!!؟
ثانيا: أصبح الرجل عند تكوين « بطانة » من الأتباع الطيعين الذين لا يعصون له أمرا، يستغل الطابع العسكري الصرف لمؤسسته، وذلك في أفق الاستعانة بهم في تنفيذ « مشاريع » مستقبلية على مقاسه الخاص!!
ثالثا: درج كذلك، رغم أنه متزوج وله أبناء، على استقبال صديقاته داخل المدرسة وعلى تنظيم الولائم الباذخة للضباط الكبار بما لم يكن يتلاءم مطلقا مع مستوى عيش وتغذية تلاميذ المؤسسة آنذاك؟!
كما أن أساليبه في « البَلْطَجَة » وصلت حد الاعتداء على المقابر، فحسب روايات بعض الضباط، أمر ذات مرة بهدم قبور اليهود في مدينة صفرو، للاستفادة من أخشابها في أعمال البناء بمدرسته!!فأية روابط فكرية أو سياسية أو مسلكية يمكن أن تجمع بين كل من الجنرال المذبوح والمقدم امحمد اعبابو؟!
بالتأكيد، الفروقات كانت فادحة، وقد أدت بالطبع إلى مصرعهما معا في نفس اليوم وبطريقة شاذة، كما لو كانا من لصوص المواشي (كاوبوي).
أما باقي الضباط الانقلابيين ممن جرى إعدامهم يوم 13 يوليوز 1971، والذين لم يتم « إقناعهم » بالانضمام إلى الحركة الانقلابية الجديدة، سوى بعد الساعة الرابعة ظهرا من يوم 10 يوليوز 1971، فقد كانوا قبل هذه الساعات يتحدثون (بالفَمِ المليان) عن الانقلاب، وضرورة التغيير!! وكانوا يمارسون ذلك في محلات عمومية مفتوحة كبارات (كيوم تيل) و(لاكوميدي) بالرباط، وحانات مماثلة في القنيطرة ووجدة والدار البيضاء.. إلخ.. بمعرفة كافة الأجهزة الأمنية.
.. هؤلاء الانقلابيون أيضا كانوا على جانب كبير من الفساد والانحلال والتهتك، وما من شيء يجمعهم بالجنرال محمد المذبوح.
.. شخص واحد أعدم ظلما وعدوانا بسبب انتفاء أية علاقة له بهؤلاء، هو المناضل الكبير الكوماندان إبراهيم المانوزي، أحد قادة هيئة أركان جيش التحرير المغربي إبان الخمسينات، الذي وصلت قواته ذات يوم من سنة 1957 إلى منطقة (أطار) الموريتانية، بعد أن نجحت في دك معاقل الإسبان بكل من طاطا وفم الحسن وكولميم حتى شمال موريتانيا وتندوف… وكثيرا ما كان أخوه المرحوم سعيد المانوزي يطلعني على خرائط حربية تخص تلك المرحلة.
هذا الضابط الوطني الكبير، كان الجنرال محمد أوفقير يتوعده بالتصفية قبل ذلك، ولم يستطع الزج به في معتقل دار المقري إلى جانب الهاشمي الطود وعمر غاندي والفقيه البصري وبولحية الطاطي (اعتقالات يوليوز 1963)، إذ ظل يترصده حتى قامت أحداث يوليوز 1971، فبعث في طلبه للاعتقال، وكان حينذاك بلباس النوم في بيته وبين أولاده، مع أنه لم يكن له أي اتصال بهؤلاء القوم.. لسبب بسيط هو أن معظم هؤلاء الضباط، كانوا في صفوف اللفيف الأجنبي كمرتزقة منذ الحرب العالمية الثانية، وكانوا في سلوكهم وأخلاقهم على النقيض من شخصية إبراهيم المانوزي ووطنيته العالية، مما كان يثير أحقاد أوفقير تجاهه، فظل ينتظر الفرصة، لكنها جاءت غير ملائمة هذه المرة لتصفية حساباته الإجرامية.. غير أنه سرعان ما سيقتل هو أيضا (ككلب حقير) بخمس رصاصات غادرة، على حد تعبير ابنه رؤوف أوفقير، والذي وصف الحادث رسميا على أنه انتحار تلقائي، حسب بلاغ وزارة الداخلية آنذاك (17 غشت 1972).
الجنرال المذبوح إذن وضع بيضه كاملا في سلة (فاسدة) و(متهورة) فكان ما كان.. والأخطر من كل ذلك، لم يباشر اتصالاته برفاقه الاتحاديين القدامى، الذين كانوا ينتظرون منه هذه المبادرة، بل لقد كانوا يبشرون بها بين أنصارهم.
فهل الاستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد آنذاك كان لا يستحق عناء التنسيق مع اليسار وقتئذ؟
وهل مجرد إصدار التعليمات بإطلاق سراح (170) مناضلا اتحاديا من سجن بولمهارز بمراكش وتلكؤ العامل عن تنفيذ هذه التعليمات، هل كان ذلك كافيا لحماية وتطوير ودعم الحركة الانقلابية الجديدة؟– ماذا تقول عن الموت المبكر للجنرال المذبوح؟
+ لقد أخبرني بعض الضباط الذين شاركوا ضمن هذه التجربة المريرة، وأفلتوا من جحيم (تازمامرت)، بأن تأخر وصول تلامذة (أهرمومو) ومدربيهم إلى قصر الصخيرات في الوقت المحدد، قد وتر أعصاب المذبوح، وجعل الشكوك تراوده بخصوص احتمال قيام اعبابو بالوشاية به إلى الملك، لذلك سارع إلى إرسال شخصين لمقابلة اعبابو (وهو لا يزال في طريقه إلى القصر) لتبليغه أمر التأجيل، وضرورة متابعة طريقه نحو ابن سليمان لتنفيذ المناورة وكأن شيئا لم يكن، مؤكدا له: لقد تجاوزت التوقيت الزمني المتفق بشأنه ومن الأفضل تأجيل العملية إلى وقت آخر.
غير أن اعبابو بدوره – والذي قضى الأيام الأخيرة بلياليها في التحضير لهذه العملية – فاض به الكأس، إذ لم تمر سوى بضعة أسابيع على تأجيل العملية السابقة ليوم 14 ماي 1971، والتي كان قد حشد لها 15 كوماندو مسلح.. قد شك بدوره في أن يكون المذبوح قد وشى به، فقرر متابعة التنفيذ مهما كلف الأمر.
– ما هي التعليمات الأصلية التي أوصلها الجنرال المذبوح إلى اعبابو قبل بعث توصيات التخلي عن المحاولة؟
+ كانت تعليمات الجنرال المذبوح إلى اعبابو تنص بدقة على ما يلي:
– الحرص على الوصول إلى البوابة الغربية لقصر الصخيرات على الساعة الواحدة زوالا (أي قبل الشروع في وجبة الغذاء).
– الحرص على عدم إطلاق النار.
– الشروع بمجرد تطويق القصر في اعتقال كافة الحاضرين، مع الاستعانة بمكبرات الصوت لدعوة الجميع إلى رفع الأيدي عاليا والاستسلام بدون قيد أو شرط– مباشرة عملية فرز الأشخاص المعتقلين ، لتقسيمهم إلى ثلاثة مجموعات:
أ- المجموعة الأولى (والتي ينبغي إعدامها فور الاتفاق في عين المكان بين المذبوح واعبابو) وتتألف من: – الملك الحسن الثاني – ولي العهد – الأمير مولاي عبد الله – الجنرال الغرباوي – الكولونيل أحمد الدليمي – إدريس السلاوي مدير الديوان الملكي – الجنرال البوهالي الماجور العام للقوات المسلحة الملكية.
ب- المجموعة الثانية: وتتألف من جميع أعضاء الحكومة والجنرالات الحاضرين، وهؤلاء يتم سوقهم إلى هيئة الأركان العامة بالرباط لتحديد مصيرهم لاحقا.. واحدا.. واحدا.
ج – المجموعة الثالثة: وتتألف من باقي المدعوين، مغاربة وأجانب، والذين سيجري الإفراج عنهم بعد تنفيذ ما سبق ذكره... وهكذا ما كاد أن يتقابل الرجلان – المذبوح واعبابو – حتى بدأ هذا الأخير يصرخ عاليا: وَافَايْن هُوّا (…) وسير خرّجُو لعندي.. وأنا راه غادي نبيع جلدي غالي.. إلخ (علامة على تدهور عنصر الثقة بين الرجلين)!
وبينما كان المذبوح، يذهب ويجيء بين مكان وجود الملك واعبابو، عسى أن يحل الإشكال بطريقة أو بأخرى، كان عبابو يزداد هياجا، وسط إطلاق الرصاص والرمانات اليدوية لمجموعاته، وكان يصيح:
– اقتلوا الخونة.. اقتلوا الخونة.. وعاش الملك!!؟في هذه الأثناء، رفض الملك الخروج وطالب المذبوح بإحضار عبابو أمامه لاستفساره عما يطلب، كما رفض اعبابو التوجه لمقابلة الملك بدون رجاله وفيهم مساعده العملاق عقا.. وبينما كان الدكتور بنيعيش – الطبيب الخاص للملك – يقوم بإحضار رشاشة حربية للملك من غرف النوم، وكانت قد أهديت له قبل ذلك من طرف إحدى الشخصيات الأجنبية، شك اعبابو في الأمر وطالب بنيعيش بتسليم السلاح فورا، غير أن بنيعيش كان قد دخل في حوار مع الجنرال المذبوح، وهنا جاءت صلية من الرصاص (Rafale) على يد أحد التلاميذ ـ الضباط في اتجاه كل من المذبوح وبنيعيش ليسقطا معا.. أمام أنظار اعبابو والقبطان الشلاط والمساعد الأول عقا، وهنا توجه اعبابو نحو جثة المذبوح معلقا بالفرنسية:
Oh, Mon oncle, C es dommage pour vous, général Medbouh))، ويضيف المقدم محمد عبابو في محضر استنطاقه بعد اعتقاله: (… ولقد علمت من خلال ضابط الصف الذي هرب معي بأن المذبوح مات أمام أعين الجميع، ذلك أنه لحظة قيام امحمد اعبابو بإعطاء الأمر لأحد تلاميذه بإطلاق النار على الدكتور بنيعيش، كان هذا الأخير وقتها يتناقش مع المذبوح وهو ملتصق به.. فأصيبا معا برصاصات قاتلة).
وحيث أن القائد العام للعملية الانقلابية الجنرال المذبوح قد قتل منذ الساعة الأولى للانقلاب، اتجه اعبابو باحثا عن الكولونيل الشلواطي لتكليفه بقيادة الحركة الانقلابية من خلال إقناع باقي الجنرالات بالانضمام إليها.. وهو ما سيباشره فعلا لدى التحاقه بالقيادة العامة للجيش.
غير أن طريقة التراشق بالنيران في القيادة العامة، ما بين الجنرال البوهالي والمقدم اعبابو كانت على شاكلة تراشق سراق المواشي (الكاوبوي) على الطريقة الأمريكية..، حيث أدى ذلك إلى مصرعهما في الحال ثم استسلام حوالي مائتين من تلامذة المدرسة، ليلا بالقرب من الإذاعة، وما أعقبه بعد ذلك من إطلاق النار عليهم بعد تسليم أسلحتهم، مما سيؤدي إلى مقتل حوالي 113 تلميذا فورا.. كل ذلك، أدخل الحركة الانقلابية في عنق الزجاجة كما يقولون وأغرقها في الدماء التي لا مبرر لها، إذ تكد تنتصف ليلة هذا اليوم الأغبر في تاريخ المغرب المعاصر، حتى كان باقي الانقلابيين الأحياء يبحثون عن التخلص من أسلحتهم وملابسهم العسكرية، بحثا عن ملاذ آمن بعد كل الذي شاهدوه من مناظر فظيعة، وما ينتظرهم من مصيرمظلم.– في ضوء تجربتك السابقة، واحتكاكك المباشر بعدد من التجارب الانقلابية في المشرق العربي، كيف تنظر لأحداث 10 يوليوز 1971؟
+ في تقديري، ما حدث بالصخيرات ثم الرباط طوال يوم 10 يوليوز 1971 لا يمكن أن يرقى إلى مجرد مناورة عسكرية بسيطة من طرف أحد جيوش البلدان المتخلفة كجمهورية إفريقيا الوسطى أو النيجر على سبيل المثال.. أؤكد لكم أن ما حدث هنا لا يرقى لمجرد مناورة عسكرية بسيطة، نظرا لهمجيته، وبدائيته وتهوره وافتقاده إلى الحد الأدنى من التنظيم، بكلمة واحدة، هو عمل « رعاع » لا أقل ولا أكثر.
فكما هو معلوم، تميزت الفترة التاريخية من 1965 إلى 1975 بظهور عدد من الانقلابات العسكرية، سيما في أقطار أمريكا اللاتينية وإفريقيا، حيث الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية أكثر سوءا وتأزما.. كان ذلك هو الإطار العام لهذه الانقلابات.
لكن يجب التقرير هنا بأن بعض هذه الحركات الانقلابية كان ذا طابع تقدمي، باعتبار ما حصلت عليه من دعم جماهيري عريض آنذاك.. بينما كان بعضها الآخر – وهو الأغلب – ذا طابع (أوليغارشي) عسكري ضيق، لا يروم في الحقيقة سوى الاستيلاء على السلطة بحد ذاتها.. بمنافعها..وامتيازاتها.. ولم تكن السلطة عند (ثوارها) أداة محورية لمباشرة التحولات العامة التي كان يستدعيها بإلحاح تصحيح أوضاع هذه الأقطار.
فأن تلجأ حفنة من الأشخاص لا تتعدى أصابع اليد الواحدة إلى التآمر، في بلد كالمغرب، حيث النسيج السياسي والنقابي والتربوي أكثر متانة بالقياس مع كل الأقطار الإفريقية والعربية المجاورة، أن تلجأ هذه الحفنة إلى استخدام أكثر من (1400) جندي وضابط دون مصارحتهم مطلقا بطبيعة (المهمة) ولا أن يتم تأطيرهم جيدا لتنفيذها، ولا أن يضبطوا بينهم المهام تفاديا للالتباس والخلط وسوء النية.. إلخ.. أن يجري كل ذلك، بهذه الدرجة من التهور والشراسة والجهل والرعونة، لهو عمل في منتهى الحماقة والوحشية!
فحتى ساعة وصول القوات المهاجمة إلى بلدة (بوقنادل) كانت المهمة الرئيسية المحددة في أذهان الجميع هي المشاركة في مناورة بالذخيرة الحية في منطقة ابن سليمان، هذه المهمة التي كان من المفروض أن يقوم بها أحد أفضل ألوية القوات المسلحة، ولكن المقدم اعبابو (كما أكد لتلامذته وضباطه في الجمع العام التحضيري ليلة 9/07/ 1971) استطاع أن يقنع القيادة العليا للجيش بأن مدرسته تستطيع أن تقوم بذلك على نفس الدرجة من القوة والاقتدار والنجاح.. كما صرح بذلك وأكد.
وعندما توقفت القوات المهاجمة في بوقنادل لاستجماع القوى، وتحديد المهام على أيدي من أسماهم المقدم اعبابو بالقيادة الميدانية (المتقدمة)، تأكد في ما بعد بأن هؤلاء الضباط الذين أحضرهم إلى بوقنادل بلباس مدني، إنما أحضرهم لمعاينة ضيعة فلاحية يعتزم شراءها هناك! وأن يطلب نصيحتهم.. على أن يتجهوا بعد ذلك لحضور حفلات القصر الملكي بالصخيرات!!
خلال هذا اللقاء، سينقل المقدم اعبابو خطابه إلى السرعة القصوى في مخاطبة ضيوفه وضباط مجموعاته المسلحة، إذ لأول مرة سيستعمل عبارات جديدة ذات علاقة بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لم تكن لتجري على لسانه قبل ذلك على الاطلاق.لقد « تحايل » على الجميع، ليجمعهم هنا في بوقنادل وهو يخطب فيهم خطبة أشبه بخطبة طارق بن زياد، وبين أيديهم قوة نار هائلة مع خواء فكري فظيع وارتباك وفوضى قياسيين.
– ماذا قال اعبابو في بوقنادل؟
+ قال : (.. لقد جرى اختياركم من طرف القيادة العليا للجيش للمشاركة في مهمة خطيرة، وقد وقع عليكم الاختيار لأنكم بالفعل تستحقونه، إنكم تعلمون جميعا الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية لبلادكم.. يجب إنقاذ هذه البلاد.. لقد آن الوقت لذلك.. يتوجب علينا جميعا الهجوم على قصر الصخيرات هذا اليوم ما بين الساعة 13 و 14 .. وستشارك قوات عسكرية أخرى في تنفيذ هذه المهمة!! وبالتالي نحن لسنا لوحدنا!! ولن نكون كذلك… إن هناك عناصر متمردة تهدد سلامة صاحب الجلالة ويتوجب علينا القضاء عليها بدون تردد…).
ثم أمسك بقضيب خشبي ليرسم أمام الضباط المتحلقين حوله مخططا عاما للمعركة المقبلة، محددا بدقة بنايتين رئيسيتين داخل القصر، رسم بينهما خطوطا حربية معروفة لدى العسكريين، مؤكدا أن المعركة قد بدأت وعلى الجميع الالتحاق بوحداتهم ورفع أغطية الشاحنات وتلقيم الأسلحة بمختلف عياراتها والتحرك منذ تلك اللحظة على أساس أن القوات أصبحت ضمن وسط معاد يتوجب اتخاذ أقصى الاحتياطات تجاهه، وبالتالي فإن إطلاق النار ستصبح عملية تلقائية منذ تلك اللحظة، لا تحتاج إلى تذكير أو تجديد الأوامر..
أما بخصوص الضباط (بلباس مدني) الذين أحضرهم عبابو لبوقنادل، فقد فعل ذلك تبعا لتعليمات الجنرال المدبوح، حتى يشجع أكثر تلامذة أهرمومو وضباطهم، فقد كان هؤلاء (الضيوف) يمثلون مختلف قطاعات الجيش، وبالتالي فإن إحضارهم كان بمثابة عملية ذات مغزى كبير. وهؤلاء الضباط هم المقدم القادري والكوماندان المالطي والكوماندان المنور والكوماندان بريكي والكوماندان رياني (صهر المذبوح) والكوماندان حريشي والكوماندان ميلس.
ومما تقدم، أستطيع التأكيد لكم بأن ما حدث لا يخرج عن نطاق حركة (الرعاع) التي لا يجمعها جامع، غير الرباط الحديدي الذي ربى عليه المقدم امحمد عبابو تلامذته وضباطه على حد سواء، والذي وصل حد الطاعة العمياء، فتحول الأمر خلال ساعات قلائل إلى إعصار مدمر، فتك بأرواح أكثر من مائتين وخمسين شخصا وتسبب في جرح وإصابة المئات وإلحاق أفدح الأضرار بالممتلكات الخصوصية والعمومية.
فما كنت أظن أن الجنرال محمد المذبوح ستصل به السذاجة السياسية والتهور العسكري إلى هذا الحد، ومهما حصل فقد كان المسؤول الأول والأخير عن كل هذه المأساة، وكان من قبيل المستحيلات أن تمر هذه القوة الكبرى عبر تراب عدة أقاليم، بسلاحها الكامل وذخيرتها ووقودها وتغذيتها دون موافقته الشخصية، باعتباره رئيسا للديوان العسكري لصاحب الجلالة، وسيكتب له أن يكون من أول ضحايا هذا التهور لتبقى جثته ثلاثة أيام في عز الصيف بدون دفن قبل القيام بإحراقها، ثم ليحرم من مجرد قبر كباقي المسلمين.
– وماذا عن الموقف الليبي الرسمي من هذه الأحداث؟
+ لقد جاءت هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة لتؤكد طبيعة التوجه السياسي العام لنظام العقيد القدافي، والذي كثيرا ما أبلغ قادتنا في التنظيم السري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ انقلابه الشهير في فاتح سبتمبر 1969، بأنه لا يثق مطلقا في قدرة الحركة التقدمية المغربية على إسقاط النظام الملكي وإبداله بنظام جمهوري على الطريقة الناصرية، وكان ينصح قادتنا بالاعتماد على قوات الجيش النظامي المغربي إذا هم أرادوا الحصول على نتائج طيبة.
والغريب أن نظام العقيد القدافي حتى بعد أن صار يدعمنا، بتخصيص برنامج إذاعي دائم، كان عبد الرحمان اليوسفي يكتب افتتاحياته بانتظام، وحتى بعد أن فتح في وجوهنا معسكرات التدريب على السلاح وبعد أن أصبح يقدم لقادتنا الأموال والأسلحة، كان دائما ينصحهم بالتعاون مع الجيش المغربي في الداخل مهما كانت عقليته وتركيبته وميوله، إن هم أرادوا نتائج إيجابية!
فمنذ الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة لـ 10 يوليوز 1971 انطلقت الإذاعة الليبية في بث بلاغات التهنئة والتبريك، بل لقد أجرى العقيد القدافي – حسب ما نشرته وثائق الخارجية الأمريكية والبريطانية مؤخرا، وحسب ما ذكره الملك الحسن الثاني نفسه في كتابه (ذاكرة ملك)، أجرى القدافي اتصالا هاتفيا بالرئيس الجزائري هواري بومدين طالبا السماح لقواته الجوية والبرية باستعمال الأراضي والأجواء الجزائرية للمرور إلى المغرب لدعم الانقلابيين.. وهكذا أرسل ضابط المخابرات الليبية الرائد عوض علي حمزة، إلى الجزائر على جناح السرعة، لمتابعة تنسيق هذه العمليات، غير أن الرفض القاطع للهواري بومدين أفشل مسعى إرسال حوالي (12) ألف جندي ليبي إلى المغرب لدعم الانقلاب.ورغم إعلان فشل الانقلاب ظلت الإذاعة الليبية تواصل بث بلاغاتها الداعمة للانقلابين، بينما
المغرب الرسمي من جهته رد بتطويق مقر السفارة الليبية في الرباط ثم وضع كافة العاملين بها في الإقامة الإجبارية، واضطر في وقت لاحق إلى قطع كل الاتصالات الهاتفية عن السفارة.وهذا ما كشفته وثائق الخارجية البريطانية المنشورة حديثا، بعد مرور أمد التقادم القانوني ضمن الملف رقم (FCO 39 – 884)، والذي تضمن الكثير من الوثائق الدامغة في هذا الاتجاه.
وسيقترح الجنرال محمد أوفقير من موقعه الجديد كوزير للدفاع، بعد إخماد فتنة الصخيرات، على الملك الحسن الثاني في أكادير، فكرة القيام بإسقاط طائرة العقيد القدافي انتقاما من تورطه في دعم الانقلابيين لصيف 1971.. وسيتذكر الملك هذا الاقتراح باستغراب شديد.. مباشرة بعد تورط الجنرال أوفقير في محاولة إسقاط طائرته مساء يوم 16 غشت 1972!!؟لحظتئذ، وحده الملك الحسن الثاني كان جالسا إلى مائدة الأكل بصدد تذوق « لانكوست » ضخمة اختيرت بعناية كبيرة من طرف أحد اليهود القائمين على تحضير الأطباق الرفيعة ذلك اليوم.
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية و8 دقائق زوالا، حسب أكثر من شاهد عيان.. من قلب أنغام قطعة موسيقية صامتة كانت تعم الأجواء، دوت طلقات الرصاص وانفجارات قنابل يدوية.. توقفت الفرقة الموسيقية عن العزف.. سقط فرنسي وتهاوى سفير بلجيكا على الأرض جثة هامدة… تناثرت القنابل في مختلف أرجاء الفضاءات الخارجية لقصر الصخيرات.. جثث « لي كادي » (مساعدو لاعبي الغولف المكلفين بلوازم اللعبة) منتشرة على البساط الأخضر هنا وهناك.. مئات الضيوف هرعوا مذعورين فوق الرمال الذهبية موَلِّين ظهورهم إلى شاطئ المحيط الأطلسي الذي كان هادئا ذلك اليوم…
أكثر من ثلاث ساعات من الفوضى والهمجية أبطالها جنود أغرار، على رأسهم الليوتنان كولونيل امحمد عبابو، الذي طلب من مرافقه الأمين، العملاق عقا تخليصه مما كان ينتظره بإطلاق رصاصة الرحمة عليه بعد إصابته البليغة بالمقر العام للقوات المسلحة… ليسدل الستار على انقلاب الصخيرات.
نهاية الانقلاب جاءت بطريقة غريبة، ظل يلفها الكثير من الغموض، حيث أثار ضجيجا كبيرا لكنه لم ينجح في الوصول إلى المستهدف الأول: الملك، وذلك رغم خطة تدبيره في الخفاء من طرف 5 جنرالات، حسب المصادر البريطانية.
توقف إطلاق النار بحلول الساعة الخامسة زوالا.. سلم الملك الراحل الحسن الثاني كافة السلط العسكرية والمدنية لرجل ثقته وقتئذ، الجنرال محمد أوفقير، ليبدأ مسلسل القمع الدموي وتصفية الحسابات، الظاهر منها والمستتر… كل هذه الأمور وغيرها معروفة، تناولتها جهات وطنية وأجنبية، إلا أن بعض مناطق الظل ظلت في حاجة إلى المزيد من التوضيح، ومنها الدور الذي لعبته وقفة قافلة الانقلابيين ببلدة بوقنادل والكشف على أن الأمر يتعلق بالقيام بانقلاب عسكري مع علم جهات أخرى بالتخطيط له، وعلى رأسها المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، وغيرها من التساؤلات.
يحاول ملف هذا الأسبوع الإحاطة بكل القضايا المتعلقة بهذه المسألة، معية الكاتب محمد لومة صاحب مؤلفات اعتنت بأحداث ووقائع وجَّهت تاريخ المغرب الحديث نحو الوجهة التي سار فيها.
« لحلاسة راها تقلبات.. اجمع حوايجك » ( الحصير قد تنقلب اجمع متاعك)
من بين النوازل، التي تبين بجلاء أن الجنرال محمد أوفقير كان على علم بحدوث انقلاب الصخيرات قبل وقوعه، ما حدث بسجن بولمهارز بمراكش.
يوم حصول المحاولة الانقلابية الفاشلة بالصخيرات كان كل من سعيد بونعيلات وأحمد الفرقاني بسجن بولمهارز، ممنوعين من الاتصالات المباشرة فيما بينهما، إلى جانب اليازغي وآخرين. وفي يوم 10 يوليوز 1971، كان الفورقاني يقوم بفسحته اليومية بساحة السجن، وكان كلما اقترب من زنزانة سعيد بونعيلات إلا وحاول التواصل معه خلسة لمعرفة ما لديه من أخبار ومستجدات، فقال له بونعيلات بالأمازيغية : « اليوم لحلاسة راها تقلبات »..أكمل الفورقاني جولته قصد الاستفسار عن الأمر، فقال لبونعيلات: « أش من حلاسة تقلبات؟! »، فأجابه: « لحلاسة راها تقلبات اجمع حوايجك »..
حسب محمد لومة، في ليلة 10 يوليوز 1971، اتصل أحد الذين تربطهم علاقات عائلية قوية بالجنرال أوفقير (يسمى على أوفقير، وكان يعمل بإحدى الأجهزة الأمنية وغالب الظن في « السيمي »)، بأحد سجناء سجن بولمهارز، وقال له: « اجمعوا حوايجكم، غدا راه غادي توقع شي حاجة كبيرة ومهمة إن شاء الله، وراه غادي تلتحقو بديوركم ».
ويضيف محمد لومة، لم يكن على أوفقير هذا سيقوم بما قام به دون تعليمات صادرة عن الجنرال
أوفقير.لكن في مساء يوم 10 يوليوز، لما اتضح فشل المحاولة الانقلابية، قرر الجنرال تصفية كل سجناء سجن بولمهارز الاتحاديين. آنذاك كان بلغازي، مديرا لهذه المؤسسة السجنية، وهو مقاوم سابق بارز، على علاقة ببعض المقاومين وأعضاء جيش التحرير النزلاء بسجنه، ولاحظ أن هناك فرقة من البوليس، كل عناصرها من عين الشعير (بلدة الجنرال أوفقير) مسلحين بالرشاشات، وكان قد فهم من حديثهم أنهم يخططون ذلك اليوم لكيفية تنفيذ التعليمات الرامية إلى التصفية الجماعية للمعتقلين الاتحاديين (عددهم 172)، فقام المدير المذكور برمي مفاتيح الزنازن داخل زنزانة أحد السجناء واتجه على الفور إلي مكتب وكيل الملك بمراكش فأخبره بقرب وقوع مذبحة بالسجن الذي يديره، وشرح له أن هناك عناصر مسلحة، غرباء عن المؤسسة، أرسلهم الجنرال أوفقير للقيام بقتل السجناء الاتحاديين.
وحسب محمد لومة، كما خطط الجنرال أوفقير لمسح آثار الجنرالات يوم 13 يوليوز (بتصفيتهم بدون محاكمة)، أراد كذلك أن يمحو ذاكرة 172 معتقلا بسجن بولمهارز بمراكش كشهود على علمه بحدوث الانقلاب قبل وقوعه. ولولا لطف الله ومبادرة مدير السجن، لحصلت مذبحة بهذا السجن، أفظع من مذبحة قصر الصخيرات.
وهذه الرواية الأخيرة تناقض الرواية القائلة بأن تلك العناصر حضرت إلى السجن لتكون على تأهب من أجل إطلاق سراح المعتقلين الاتحاديين وليس لتصفيتهم، كما تم الاعتقاد بذلك.
عبد الرحيم شجار
في اتصال بعبد الرحمان شجار أحد المعتقلين ضمن « مجموعة 172 » بسجن بولمهارز، صرح للجريدة بأن خبر اندلاع انقلاب 1971 توصلوا به من طرف المرحوم محمد الحبيب الفرقاني، الذي علم به عن طريق، مدير السجن آنذاك، المقاوم بلغازي.
وعليه لم يتم تنقيلهم يوم العاشر من يوليوز إلى المحاكمة التي كانت أطوارها تدور بمحكمة باب دكالة.
وأكد أن التحليل الذي ساد يومها في أوساط المعتقلين إثر تواجد عدد كبير من أفراد الجيش والمخابرات والشرطة داخل السجن، رغم عدم علاقتهم بإدارة السجون، بأنها حركة يراد بها تخليص السجناء تمهيدا للاتصال بقيادتهم في الخارج، وذلك من أجل إضفاء المشروعية السياسية على واقع الانقلاب، علما أن هذه الرواية تناقض الرواية الأخرى القائلة إن فرقة الأمن التي تتكون عناصرها من منطقة عين الشعير جاءت إلى سجن بولمهارز، بأمر من الجنرال أوفقير لتصفية المعتقلين الاتحاديين، كونهم علموا بأن الجنرال المذكور كان على علم بالإعداد لانقلاب الصخيرات.
وفي هذا الصدد أكد لنا محمد لومة أن اعبابو وجماعته كانوا يتخوفون من أن يسبقهم الاتحاديون بخصوص تغيير النظام بالمغرب، لذا قال لرجاله : » إن أولئك الناس يفكرون في الهجوم، علينا أن نسبقهم ونمنح للمحكومين منهم العفو بمراكش ».
لماذا لم يسقط الكثير من اليهود ضحايا بالصخيرات؟
لازال البعض يتساءلون باستغراب عن عدم سقوط الكثير من الشخصيات اليهودية يوم 10 يوليوز 1971 ضمن ضحايا قصر الصخيرات، فهل كان جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) على علم مسبق بالحركة الانقلابية قبل وقوعها؟
لم يسقط بقصر الصخيرات سوى يهودي واحد، هو ماكس مانيان، مدير شركة « كوزيمار » (معمل السكر بالدار البيضاء)، كما أصيب يهوديان آخران بجروح طفيفة.
علما أن أكثر من جهة أكدت مرارا أن الموساد كان على علم بكثير من الأسرار بخصوص العملية الانقلابية وغيرها من النوازل والمؤامرات، على الأقل لم يقم بإخبار اليهود المقربين من القصر الملكي والعاملين به، وهم كثر، إضافة إلى الضيوف المدعوين من اليهود، بعدم حضورهم ذلك اليوم أو على الأقل تنبيههم!!؟
فاليهود هم الذين كانوا وقتئذ يؤطرون الحفلات والمأكل والمشرب بقصر الصخيرات، ومن هؤلاء شقيق شمعون ليفي، وزير الشؤون الخارجية الإسرائيلية، وهو صاحب مرقص « أمنيزيا » الكائن بشارع علال بن عبد الله بالرباط، والذي كان ولي العهد يقضي به بعض أوقات فراغه رفقة شلته في طور الشباب المبكر.
ومن المعلوم أن ترقية الأخوين محمد وامحمد اعبابو (الأول أصغر من الثاني بثلاث سنوات)، تمت في يوم واحد (3 مارس 1971) وذلك استعدادا للانقلاب، وهي ترقية مخدومة من طرف الجنرال المذبوح، كما أمر هذا الجنرال بزيادة تسليح مدرسة اهرمومو قبيل الانقلاب.
لقد تم اعتماد طريقة القيادة من فوق، فالجنرال المذبوح (الذي يعتبر قائد الانقلاب)، لم يجلس إطلاقا مع الكولونيل محمد اعبابو، وكان حواره دائما مع امحمد أخ المعني الأول.
وكان القبطان الشلاط، الذي وعد بالترقية آنذاك، وتحت إمرة هذا الأخير، حسب الأقدمية، القبطان بلكبير والقبطان غلول، وهما اللذان قادا القافلتين من اهرمومو إلى فاس ثم زكوطة فسيدي قاسم، إلى سيدي سليمان وسيدي يحيى، مرورا بالقنيطرة، وصولا إلى بوقنادل (على بعد بضع كيلومترات من مدينة سلا)، وهناك (ببوقنادل) تغيرت قيادة القافلتين، آنذاك رفعت أغطية الشاحنات ولُقِّمت الأسلحة وتم إخبار الجنود بالاستعداد للدخول إلى منطقة حرب، مما يعني وضع الأصبع على الزناد والاستنفار لإطلاق النار حال صدور الأوامر.
التصريح الذي ورط كل المتهمين
من أهم التصريحات التي كبلت المتهمين بقاعة المحكمة العسكرية الدائمة بالقنيطرة، ما أدلى به محمد اعبابو، شقيق امحمد اعبابو، مدير مدرسة اهرمومو، إذ جاء في محضر استنطاقه أن الجنرال المذبوح حدد بمعية شقيقه تفاصيل خطة الهجوم على القصر الملكي بالصخيرات، وعملا معا على ضمان تنسيق تحركات المجموعتين المتدخلتين في هذه العملية، كما توافقا على تعيين الأشخاص اللازم تصفيتهم وأولئك الواجب احتجازهم إلى حين النظر في حالتهم كل واحد على حدة، واتفقا أيضا بخصوص الضباط الغرباء عن مدرسة اهرمومو، الذين سيلتحقون بالعملية وهم:
– الليوتنان كولونيل القادري
– الكومندار المالطي
– الكومندار المنور
– الكومندار البريكي
– الكومندار الرياني (صهر المذبوح)
– الكومندار الحرشي
الكومندار مليس
وذلك من أجل أن يبرز للانقلابيين أن مختلف مكونات الجيش مشاركة في العملية.وكان هؤلاء الضباط الغرباء ينتظرون القافلة ببلدة بوقنادل بلباس مدني صيفي خفيف، وبعد خلوة قصيرة مع امحمد اعبابو (داخل سيارة مدنية)، ارتدى كل واحد منهم اللباس العسكري وحملوا أسلحتهم، بما فيهم ضابط شرطة كان يرافقهم.
هذا ما أنكر علمه المرزوقي (صاحب كتاب تازمامارت/ الزنزانة رقم 10) في التحقيق، لكنه لم ينكره بعد نجاته من جحيم تازمامارت.
وفعلا، قلة جدا، هم الذين أقروا بأن امحمد اعبابو أخبر ضباطه ببوقنادل أن الأمر يتعلق بالقيام بانقلاب، ومن هؤلاء، إضافة إلى محمد اعبابو، عبد العزيز بين بين (نجل مؤنس الحسن الثاني) والذي أدلى في التحقيق بما يلي:[…] تجمعنا حول الليوتنان كولونيل امحمد اعبابو وقال لنا: « أيها الضباط الشباب تعرفون، حق المعرفة، وضعية الضابط بقواتنا المسلحة [..] القيادة العليا قررت القيام بانقلاب.. علينا مهاجمة قصر الصخيرات على الساعة الواحدة زوالا.. وفي نفس الساعة ستتدخل وحدات في مدن أخرى.. سنقوم بمحاصرة القصر وعليكم إطلاق النار على كل من سيحاول الفرار… ».
ويعترف محمد اعبابو منذ البداية أن شقيقه امحمد فاتحه مبكرا في الإعداد لمحاولة انقلاب لتغيير الوضع بالبلاد، إذ تشاور معه بخصوص الكمين الذي كان ينوي نصبه للموكب الملكي بضواحي إفران بمناسبة حضور الملك الحسن الثاني لمناورات الحاجب في غضون شهر أبريل سنة 1971، شهورا معدودة قبل انقلاب الصخيرات، وقد عمل محمد على تني أخيه عن المغامرة لعدم توفر شروط نجاحها. ومما يبين أن امحمد اقتنع بملاحظات شقيقه ما صرح به هذا الأخير، حيث قال:
» […] حال وصولنا إلى فاس، هاتف أخي مدرسة اهرمومو وقال للقبطان بلكبير بصوت مرتفع: « .. التمرين المقرر قد ألغي نظرا لظروف الطقس السيئة.. لا تغادروا المدرسة لتجنب أخطار الحوادث.. ».وجاء في تصريحات محمد اعبابو أيضا أن شقيقه امحمد حاول اقناعه بأنه التقى أكثر من مرة مع الجنرال المذبوح، آخرها بمدينة فاس، إذ نادى على « البلانطو » الذي كان يعمل بمنزله هناك، حيث قال محمد في المحضر:
« وجدت شقيقي وحده في منزله بفاس.. تناولت معه فنجان قهوة.. ثم نادى على « البلانطو » لحسن فسأله أمامي: « من كان جالسا على هذه الأريكة البارحة؟ ».
تردد لحسن، فأمره محمد بالإجابة، فنطق لحسن: « كان هناك الجنرال المذبوح… ».أما بخصوص النظام الذي كان يرغب الانقلابيون القيام به، يقول محمد اعبابو:
« من خلال الحوارات التي أجريتها مع شقيقي امحمد فيما بين 7 و10 يوليوز تبين لي أن الجنرال المذبوح كان ينوي إحداث نظام يرتكز على القوات المسلحة.. لذلك فكر في توسيع دائرة اختصاص وزارة الدفاع لتشرف على القوات المسلحة والدرك والقوات المساعدة والأمن [وكانت ستؤول إلى أخيه] […] وكنت أنا مرشحا للاضطلاع بالقيادة العامة للجيش.. أما « مجلس الثورة »، فكان سيضم ضباطا يتم اختيارهم من الذين أثبتوا انخراطهم في قلب النظام.. ».ويضيف محمد اعبابو « يبدو أن اجتماعا أقيم بفيلا كان يملكها شقيقي بشاطئ « كابونيكرو » بالشمال، أسبوعا قبل الانقلاب، وربما تقرر كل شيء خلاله… ».
وهذا ما أشار إليه كذلك، على بوريكارت في مذكراته، حيث كتب: « لقد علمت على لسان « لاجودان شاف » عقا أن أوفقير، أسبوعا قبل الهجوم على قصر الصخيرات، زار الكولونيل اعبابو رفقة الدليمي بفيلاته بـ « كابو نيكرو » شمال البلاد.
وجاء أيضا في محضر محمد اعبابو: « [..] خلال حوار شقيقي مع الجنرالات بمقر المكتب الثالث بالقيادة العامة وقع نظره على الكولونيل بنعيسى [الحرس الملكي] فالتفت إليه وقال: « موكولونيل ».. مع الأسف أخبركم بموت رئيسنا، الجنرال المذبوح.. » (ثم توجه إلى جميع الحاضرين) « .. نعم، الجنرال المذبوح هو رئيسنا، لكنه مع الأسف الشديد لقي حتفه.. ».
وجوابا على سؤال القاضي قال محمد اعبابو: « [..] عندما سلم شقيقي « السلطة » للجنرالات بمقر المكتب الثالث اتصل بي بعض الضباط الشباب، أذكر منهم أخليج والفكيكي وآخرين، حيث قالوا: « لقد قام شقيقك باقتراف حماقة كبيرة.. السلطة يجب أن تعود لنا نحن.. ».
وأضاف: « […] آنذاك فكرت في الهروب وقررت استفسار شقيقي عن المكان الذي يخبئ فيه المال لأخذه وأغادر البلاد.. إلا أن الفرصة لم تتح لي.. ».وبالرجوع إلى ما قيل بخصوص المحاولة الانقلابية الفاشلة، وما تم الكشف عنه من معطيات وإلى تقاطع جملة من التصريحات، ذهب مجموعة من المحللين إلى الاعتقاد بوجود خلاف بين الجنرال المذبوح والليوتنان كولونيل امحمد اعبابو، إذ كان الأول عاقدا العزم على اقتحام القصر الملكي وتجريد الحرس الملكي من السلاح ووضع اليد على الملك لدفعه إلى التخلي عن العرش وتسليم السلطة إلى « مجلس الثورة » المكون من ضباط شباب، أي القيام بانقلاب « نظيف » دون إراقة دماء. أما امحمد اعبابو فقد عقد العزم على اغتيال الملك وتهجير العائلة الملكية والإعلان عن إقامة نظام عسكري.
ويظل أحمد رامي الوحيد الذي يقر بأن محمد المذبوح تحدث مع الحسن الثاني بعد الهجوم على القصر وأخبره بأن لا مخرج إلا بالتخلي عن السلطة مع إمكانية اللجوء إلى فرنسا عبر الرباط أو الدار البيضاء.. وافق الملك ووقع كتابا بهذا الخصوص، وِجد بحوزة الجنرال المذبوح وهو جثة هامدة. وهذه النازلة لم تتم الإشارة إليها من قبل.
كيف تحرك 1400 جندي مدججين بالسلاح دون إثارة الانتباه؟
سؤال ظل يردده الكثيرون، كيف تمكن 1400 جندي من التحرك على امتداد مئات الكيلومترات دون إثارة انتباه السلطات العسكرية والمدنية ورؤساء المناطق العسكرية وعمال الأقاليم الأربعة التي اخترقوها آنذاك (1971)، كان:
– امحمد باحنيني وزير الدفاع بعد أن عوض الجنرال مزيان في 5 فبراير 1971.
– الجنرال المذبوح مدير الديوان الملكي.
– الجنرال محمد بلعالم الكاتب العام بوزارة الداخلية.
– أحمد الدليمي مدير الأمن الوطني.
– الكولونيل بولحمص قائد الدرك الملكي.
– الجنرال مصطفى أمحراش مدير المدارس العسكرية.وكان على رأس المناطق العسكرية التي اخترقتها قافلة الانقلابيين كل من:
– الجنرال بوغرين : رئيس منطقة فاس – تازة.
– الجنرال عبد الحي بلبصير : رئيس منطقة مكناس.
– الجنرال حمو أمحزون : رئيس منطقة الرباط – القنيطرة.
وكان على رأس عمالات الأقاليم التي مرّت عليها القافلة كل من:
صلاح زمراك : تازة.
عمر بنشمسي : فاس.
عبد الله الشرقي : القنيطرة.
عبد السلام الوزاني : الرباط.
ضمن كل هؤلاء تأكد، بما فيه الكفاية، تورط كل من الجنرال المذبوح والجنرال أوفقير والجنرال بوغرين والجنرال حمو أمحزون.ضحايا طالهم الإهمال
بعد انقلاب الصخيرات، مباشرة، أمر الملك الراحل الحسن الثاني بإحداث لجنة للقيام ببحث، بخصوص الأحداث الدامية بقصر الصخيرات، ولجنة لرعاية الضحايا وإحصاء أملاك وأموال المتمردين قصد مصادرتها لتمويل صندوق جديد يضطلع بتعويض الضحايا وذوي الحقوق.
فعلا تم إحداث هذه اللجنة بعضوية كل من وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الإدارية ووزارة الشغل والتكوين المهني، غير أن قراراتها ظلت حبرا على ورق. آنذاك كان الجنرال محمد أوفقير عضوا رئيسيا في كل اللجن المحدثة بعد فجيعة الصخيرات.
يوم السبت 10 يوليوز 1971، ما بين الساعة الثانية والرابعة زوالا سقط الكثير من الضحايا من مختلف الشرائح، عسكريون ومدنيون، جنرالات، أطباء وموظفون سامون وفنانون وخدم وأناس بسطاء، كانوا يعيلون أسرا متعددة الأفراد، أغلب هذه الأسر عانت من ضيق اليد رغم أن أربابها سقطوا وهم في ضيافة الملك أو أنهم كانوا يزاولون مهامهم في القصر الملكي.
وزادت حسرة هؤلاء بعد تناسل موجات الكشف عن الحقائق بخصوص المحاولة الانقلابية الأولى الفاشلة واعترافات المشاركين فيها بعد نجاتهم من جحيم تازمامارت، ويجمع ضحايا الصخيرات أن الدولة تناستهم وتخلت عنهم، وتجاهلت الحكومات المتتالية مطالبهم، بل إن حكومة عبد الرحمن اليوسفي لم تحترم مشاعرهم.كما ظلت أسر ضحايا الصخيرات تعتبر أن منح تعويضات سخية، للناجين من جحيم تازمامارت، من الأخطاء التاريخية الجسيمة، اعتبارا لكون الأموال الممنوحة، تم اغترافها من الأموال العمومية اقتطع جزء منها من مال أسر ضحايا الصخيرات وذويهم كدافعي الضرائب، علما أنها لم تتوصل سوى بتعويضات هزيلة، بالكاد غطت مصاريف العزاء والدفن، ولا وجه لمقارنتها مع ما أغدقت به الدولة والحكومة على من كانوا سببا في ترميل نساء وتيتيم أطفال، وبذلك شعرت عائلات ضحايا الصخيرات بغبن عظيم نظر تعرضها لحيف وظلم كبيرين.
فأرملة كولونيل – أحد ضحايا الصخيرات – على سبيل المثال لا الحصر، لم تتوصل إلا بمعاش لا يتجاوز 1500 درهم، أما أرملة عمر غنام، مدير المركز السينمائي المغربي، فاستفادت من معاش لم يتعد 736 درهما شهريا.
بسبب الإحساس بالغبن سبق لجمعية ضحايا الصخيرات أن طلبت من دار الافتاء بالديار المصرية فتوى في الموضوع، وفعلا أصدرت الدار فتوى، أكد فحواها أن من له حق العفو عن قاتل النفس المؤمنة بغير حق، هم أولياء المقتول الشرعيين.وقد استندت الجمعية إلى هذه الفتوى لدعم دعواها المدنية والمطالبة بالحق المدني، سيما وأن الفتوى المصرية أقرت بأن الدعوى في جرائم القتل العمد لا تسقط بالتقادم.
فرحة غالية الثمن
عندما تلقى صاحب حانة شهيرة بشارع محمد الخامس بالرباط، خبر انقلاب الصخيرات، بادر فورا، على مرأى الحاضرين، إلى تكسير صورة الملك الحسن الثاني التي كانت معلقة فوق « الكونطوار »، ثم أمر بتقديم كل أنواع الخمور حسب طلب الزبناء الحاضرين في البار لحظتئذ، مجانا، تعبيرا عن فرحته واستبشاره بما وقع، إلا أن فرحته لم تكتمل، إذ اضطر للفرار من قبضة الأمن شهورا بعد ذلك.
وعند إحداث الهيئة الأولى لتعويض ضحايا سنوات الجمر والرصاص، قدم هذا الأخير طلبا للتعويض، بخصوص ما لحقه من خسائر وعن المدة التي قال إنه قضاها بإحدى المعتقلات السرية، إلا أن طلبه قد تم رفضه من طرف الهيئة الأولى، وكذلك من طرف هيئة الإنصاف والمصالحة، معتبرة أن هذه النازلة لا تدخل في اختصاصاتها. وقد تحول « البار » المذكور حاليا إلى متجر لبيع الحلويات والمشروبات.سقوط 60 بالمائة من جنرالات المغرب خلال ثلاثة أيام
فيما بين 10 و 13 يوليوز 1971 لقي 9 جنرالات من أصل 15 حتفهم، إما عن طريق رصاص المتمردين أو برصاص فرقة الإعدام بمعسكر مولاي إسماعيل بالرباط.
ومن بين الذين لقوا حتفهم بقصر الصخيرات، هناك الجنرال إدريس النميشي (سلاح الجو)، الذي قتله المتمردون، والجنرال الغرباوي الذي قتله اعبابو، الذي لقي هو الآخر حتفه على يد الجنرال الهواري، أما الجنرال المذبوح، فمقتله شكل حالة خاصة.
عشية فشل الانقلاب، تم اعتقال، الجنرالات المشكوك بأمر مشاركتهم أو مساندة المتمردين، وخضعوا جميعهم لتحقيق سريع، أشرف عليه الجنرال محمد أوفقير بعد أن منحه الملك الحسن الثاني جميع الصلاحيات العسكرية والمدنية. في اليوم الثالث، بعد مجزرة قصر الصخيرات، رافق الجنرال أوفقير الجنرالات المعتقلين إلى ثكنة مولاي إسماعيل بالرباط للإشراف على تنفيذ إعدامهم دون محاكمة.
وفي ظرف أقل من ثلاثة أيام فقد المغرب 9 جنرالات (منهم من سقط على يد المتمردين ومنهم من أعدم)، أغلبهم من أصول أمازيغية، وقد تابع المغاربة مراسيم إعدامهم على شاشة التلفزة مباشرة، كما حجت جماهير غفيرة بإيعاز من السلطات المحلية لمعاينة مراسيم إعدام 4 جنرالات، هم بوكرين وحبيبي وحمو ومصطفى و4 كولونيلات والكومندار إبراهيم المنوزي، وأغلب هؤلاء لم تكن تربطهم أدنى علاقة بالهاجس السياسي، حيث سبق أن ساهموا في قمع التحركات النضالية الجماهيرية بمختلف أرجاء المملكة.
محمد لومة / أحد قدماء مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية
محمد لومة أحد قدامى مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، رحل إلى الشرق العربي لتلقي تكوين عسكري متقدم، سيما في تخصص « حرب العصابات »، تخرج من الكلية الحربية السورية في شتنبر 1971، ثم التحق بالعمل الفدائي يحمل معه هاجس تغيير النظام السياسي بالمغرب عن طريق القوة المسلحة.
أجرينا معه هذا الحوار للمزيد من تسليط الضوء على بعض الجوانب المعتمة من عملية الانقلاب الأولى الفاشلة، بوصفه ـ من جهة ـ كاتبا وباحثا تقصى أحداث هذه العملية واتصل بأعضائها المشاركين عن قرب، كما اطلع ـ من جهة أخرى ـ على جملة من الوثائق المتصلة بهذه النازلة.
– أين كنت يوم حدوث انقلاب 10 يوليوز 1971؟
+ مساء هذا اليوم المشؤوم كنت بأحد مرافق الكلية الحربية السورية في مدينة (حمص) حيث تلقيت دراساتي العسكرية للتخرج منها كمهندس عسكري، ففوجئت باقتحام القاعة من طرف مجموعة من الضباط السوريين الذين اتجهوا نحوي وهم يهتفون ببشاشة.. لقد كان هؤلاء القوم على مدى ثلاث سنوات قضيتها هناك، نموذجا للقسوة والصرامة تجاه كافة الطلبة الضباط، الذين سرعان ما أخرجوني إلى ساحة الكلية محمولا على الأكتاف وهم يرقصون ويغنون عاليا:
على دا العونا.. وُعَلى دَا العُونَا… إلخ.. مقطعا من الغنوة الشامية الشهيرة..
ثم أخبروني بعد ذلك بأن الوضع السياسي في المغرب قد تغير.. لم يكن بحوزتي جهاز راديو لمعرفة التفاصيل لكنهم تطوّعوا، فأحضروا الجهاز.. مؤكدين بإلحاح:
– أُولَكْ يا زلمي.. ضَبّْ أغْرَاضَك.. شُو نَاطِر..؟ (يا رجل.. تحرك.. إجمع أغراضك الشخصية)
– وُلَكْ بُكرة بعيِّنوك وزير دفاع.. أُولك خلِّصنا بقى!! (إذا سيعينونك وزيرا للدفاع.. تحرك.. تحرك).عند الصباح الباكر لليوم الموالي، جاءت العاصفة على لسان قائد الكلية الحربية السورية المقدم ناصر الدين محمد ناصر، الذي سرعان ما أصبح لواء ثم وزيرا للداخلية في سورية.. لقد طلبني باستعجال ليوبِّخني وبعنف شديد قائلا:
– أُولَيكْ الله لا يعطيكم عافية.. أُولك لِيشْ فَشَلْتُو؟
شرحت له الأمر في حدود ما أعرف:
– سيدي.. هادول مُوجَمَاعَتْنَا.. هَادُول مرتزقة حروب في الهند الصينية والكامبودج والجزائر.. إلخ. ومو وطنيين.. ولا قوميين.. وأنا ما إلي علاقة بيهم.– صرخ في وجهي:
أُولّكْ يا أخي بدِّي أفهم.. هَادُول مُوعَسْكَر؟
أجبت بالتأكيد عسكر.. فعقَّب غاضبا كالإعصار:
– أُولَكْ.. عَسْكَر بَطَاطَا.. أولك 1400 عسكري وبيطلعوا على الفاضي.. اشرح لي كيف صار ها الشيء؟
أمرني بالانصراف لعجزي عن تقديم ما يرغب من معلومات إضافية.. ثم عدت إلى رفاقي.. منتظرا حفل التخرج الذي أقيم تحت إشراف رئيس الجمهورية الفريق حافظ الأسد لأتخلص من هذا الكابوس.. لقد كنت المغربي الوحيد آنذاك في الكلية وكان الجميع يتوجهون لي بالأسئلة والاستنكارات والشجب، كما لو أنني كنت المسؤول الأول عن هذه الحماقة…آنذاك كانت السفارة المغربية في دمشق قد أغلقت بسبب إحراقها، بعد جريمة اغتيال الشهيد المهدي بنبركة في أكتوبر 1965… فبقينا نحن هناك ـ مناضلو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المتواجدون آنذاك بالديار السورية ـ وحدنا المخاطبون على كل المستويات حتى سنة 1971.– ككاتب تقصيت كثيرا بخصوص المحاولة الانقلابية الأولى واتصلت بالعديد من الأشخاص واطلعت على جملة من الوثائق، كيف كانت الوضعية في قصر الصخيرات قبل الهجوم وبعده؟
+ منذ العاشرة صباحا ليوم السبت 10 يوليوز 1971 وسيارات المدعوين تصل تباعا إلى القصر الملكي بالصخيرات، تحمل ركابا أنيقين، يرتدون حسب التعليمات (البروتوكول) ملابس صيفية خفيفة دون ربطة عنق، أغلبها، عبارة عن قمصان حريرية ذات أكمام قصيرة.
وبينما كان الكاتب والصحفي المعروف بونوا ميشان (Benoit Méchin)، الذي اعتادت مصالح التشريفات دعوته سنويا لحضور هذه المناسبة، متجها إلى قصر الصخيرات عبر الطريق الشاطئية، حيث لاحظ عددا كبيرا من الشاحنات العسكرية المليئة بالجنود تسير في نفس الاتجاه، ولعل أكثر ما استرعى انتباهه أن أغطية الشاحنات كانت مرفوعة وقد بدا كل جندي على متنها ماسكا سلاحه بحزم وهو في وضعية تأهب!
وبحكم تجربة الرجل السابقة في العراق حين سقوط النظام الملكي صيف 1958 والتي عاش فصولها أولا بأول.. بدا له أن الأجواء في الرباط خلال ذاك اليوم غير اعتيادية ورأى أن عليه الإسراع بسيارته للوصول إلى القصر ولو ربع ساعة قبل وصول الشاحنات العسكرية لإنذار الملك من مغبة ما سيقع.. وقد استطاع أن يَعُدَّ لوحده ما عَدَدُهُ (63) شاحنة تحمل مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة ممتدة على حوالي كيلومتر تتحرك بسرعة (في حدود 50 كلم/ الساعة).
– هل تمكَّنَ من إخبار الحسن الثاني بذلك؟
+ رغم أنه استطاع الوصول إلى القصر، لم يتمكن من الوصول إلى الملك، الذي كان يتناول غذاءه حوالي الثانية زوالا رفقة الأمير سلطان بن عبد العزيز والحبيب بورقيبة الابن والأمير مولاي عبد الله وغيرهم من كبار الشخصيات الوطنية والدولية.. كما باءت كافة محاولاته للعثور على الجنرال حفيظ العلوي مدير التشريفات الملكية بالفشل الذريع… فأسلم أمره للقدر.. حيث سيتمكن بعد ذلك في كتاب صدر له بعنوان: (Deux Etés Africains) من رصد كافة أشواط المذبحة الفظيعة التي حدثت هناك.
ذلك اليوم عبر الانقلابيون بشاحناتهم و »جيباتهم » المسلحة شارع الحسن الثاني مخترقين العاصمة، وكان اليوم يوم سبت مما زاد من درجة اكتظاظ المرور، وصولا حتى الطريق الساحلية المؤدية إلى الصخيرات، وعلى جسر وادي « نفيفيخ » قام رجال الدرك الملكي هناك بتوقيف السيارات المدنية لإفساح الطريق أمام موكب « الانقلابيين »، وهذا ما أخر « بونوا ميشان ».
كانت الموائد قد مُدَّت وعليها ما طاب من مختلف صنوف الأكل، قبل ذلك استغلت، بعض الشخصيات الفرصة لممارسة السباحة أو الكولف.. والفرق الموسيقية تشنف الأسماع، علما بأن عددا هاما من نجوم الطرب العربي كانوا قد أطّروا الحفل الموسيقي الساهر ليلة قبل ذلك، من بينهم: صباح وفريد الأطرش، محمد عبد الوهاب وعفاف راضي، عبد الحليم حافظ وغيرهم (…).
كانت السحب قد بدأت في الانقشاع عن سماء الصخيرات عندما كانت أفواج الشاحنات العسكرية المسلحة تشق طريقها من بوقنادل إلى الصخيرات، إذ كانت السماء ذلك اليوم مكسوة بغيوم كثيفة منذ الساعات الصباحية الأولى.
ولدى سماع أولى العيارات النارية، تهامس البعض ضاحكين: إنها واحدة أخرى من (مقالب) الأمير مولاي عبد الله.. فقد عوّدنا على مثل هذه المفاجآت؟! فردّ أحد السّفراء ناقما: إذا كان الأمر كذلك فهو أسوأ مقلب يمكن تنظيمه..
وعلى ذكر السفراء، أصيب سفير إحدى دول أمريكا اللاتينية لدى المغرب بالرعب الشديد.. وكان يحمل رتبة جنرال فلم يجد مكانا يختبئ فيه سوى برميل للنفايات (من النوع القديم)، لا يستطيع إيقاف طلقة نارية واحدة من المرور في الاتجاهين معا.. فتأكد فيما بعد لجميع الناس بأنه من نوع جنرالات (الكولف) و(كرة القدم).. وما شاكل!!؟
أما عميد الشرطة بودريس، الذي كان من المكلفين بالأمن الشخصي لصاحب الجلالة فقد لجأ بدوره إلى برميل آخر للنفايات بعد أن أطلق على إحدى قدميه رصاصة من مسدسه الشخصي.. وحينما حاول الناس إخراجه بعد انتهاء هبوب « العاصفة »، وجدوا عناء كبيرا بسبب ما كان عليه الرجل من بدانة مفرطة!.. وجاء من الخدم من سيشهد طواعية بأنه هو من أطلق النار على نفسه.. وذلك تفاديا للإحراج مادام قد خاف وفضل الاختباء عوض القيام بمهمته، لكن ذلك لم ينفعه، إذ سرعان ما تم استبداله بعميد آخر بعد حوالي سنة في نازلة طائرة البوينغ الملكية (727) مساء يوم 16 غشت 1972.
شخصيا، لا أريد العودة إلى ما كتبه كثير من الذين عاينوا هذه المجزرة البشعة.. فللقارئ الكريم الراغب في الإطلاع على المزيد من تفاصيلها العودة إلى مؤلفات عبد الهادي بوطالب وعبد اللطيف الفيلالي وبينوا ميشان وغيرهم. لكنني أريد لفت الأنظار إلى الحالة « الهستيرية » التي كان عليها تلاميذ مدرسة اهرمومو، الذين أُصِيبُوا بالذهول والانبهار.. وهي المشاعر التي سرعان ما تحولت إلى سعار دموي بإطلاق النار في كل اتجاه.. جعل هذه المخلوقات تتحول إلى « قطعان » حقيقية بشعة :
– منهم من انصرف إلى أكل ما لذ وطاب من مأكولات لم يتذوقوها يوما في حياتهم.. للأسف وسط الدم والشظايا والأنين!!– منهم من شرع في سلب المدعوين أموالهم وساعاتهم اليدوية وحليهم.. إلخ.
ومنهم من وقف مبهورا أمام زرقة البحر، وتناسق المعمار في جنبات القصر مما لم يشهد له مثيلا من قبل، سيما هؤلاء أبناء المناطق الجبلية والصحراوية ممن لم يعاينوا بحرا من قبل… لا بل إن المساعد الأول (خرخاش) أسرع إلى تجميع أنبوب بلاستيكي ضخم يستعمل في سقي ملعب الكولف بالقصر الملكي، وهو يعتزم إحضاره إلى مدرسة اهرمومو.. كما كان يفعل دائما تحت إشراف المساعد عقا.. كما لو أنه هذه المرة جاء في نزهة بسيطة ستنتهي كما بدأت وليس بصدد محاولة انقلابية، دموية، لها ما بعدها!!؟خلال ذلك اليوم استطاع أحمد رضا كديرة الفِكاك من الفخ، حيث غادر القصر قبل الساعة الثانية زوالا رفقة الملازم الصفريوي، وقد تسبب إطلاق النار عشوائيا في تفكيك مجموعة حلقات المخطط الذي وضعه الجنرال المذبوح، وهكذا بدل أن تنقسم القوات المهاجمة إلى ثلاثة أقسام، أولها لمهاجمة القصر، وثانيها للاستيلاء على هيئة الأركان العامة، وثالثها للسيطرة على مقرات وزارة الداخلية والإذاعة والتلفزة.. بدل ذلك اختلط الحابل بالنابل، فلم يعد ضباط الكوماندوهات يسيطرون على تلامذتهم، ليغدو السعار الدموي هو سيد الموقف.
– كيف كانت نوعية تسليح « الكوماندوهات » المسلحة؟
+ لقد كان التسليح قويا بل غريبا، في ضوء قواعد التدريب المعمول بها في مدارس مماثلة، ذلك أن عددا كبيرا من التلاميذ –الضباط، كانوا لا يزالون في السنة الأولى من التكوين، يجهلون استعمال السلاح جهلا تاما.. حسب تصريحات أحد قادتهم، الملازم أحمد المرزوقي (قائد الكوماندو 12)..
وكانت هذه الأسلحة – حسب محضر الإدارة العامة للأمن الوطني المؤرخ في 17 يوليوز 1971، والذي حُرِّر بإشراف عميد الشرطة محمد المعزوزي والكابيتان عبد المومن من هيئة الأركان العامة للجيش – عبارة عن:
أ- الأسلحة الثقيلة:
1 مدفع عيار 75 ملم – عديم الارتداء.
1 مدفع هاون عيار 120 ملم.
4 مدافع هاون من عيار 81 ملم.
8 مدافع هاون عيار 60 ملم.
7 رشاشات ثقيلة عيار (12.7 ملم).
– عدد كبير من الرشاشات الثقيلة (A. A. 52) و(29/24-F.M).
ب- الأسلحة الخفيفة (حوالي 1200 بندقية ورشاشة)، منها:
– بنادق: MAS – 36
– بنادق: N.L.G
– رشاشات (MAT -49) و(5-35 D.A)..
– كمية من قاذفات الصواريخ ضد المصفحات والدبابات.
– عدد كبير من مسدسات نوع « بريطا ».
– كمية كبيرة من القنابل الهجومية والدفاعية، كما تم استعمال أكثر من 40 شاحنة وناقلة وأكثر من 20 ألف لتر من الوقود وكميات كافية من الغذاء.– هل تم فعلا استخدام هذه الأسلحة؟
+ لو استعملت هذه الأسلحة في قصر الصخيرات لأدى ذلك إلى هلاك حوالي ألف شخص، ولدُمِّّرت مرافق القصر عن آخرها بقذائف المدفعية وشظاياها.. لكن الأخطر من كل ذلك، أن المقدم امحمد عبابو، أعطى لقواته المسلحة منذ خروجها من بلدة (بوقنادل) الأمر القاطع والصارم بـ:
1- رفع أغطية الشاحنات والسيارات العسكرية استعدادا لخوض المعركة.
2- تلقيم كافة أنواع الأسلحة، ووضعها في حالة الاستعداد، باعتبار أن القوات ستدخل « منطقة معادية » عبر المرور بمدينتي سلا والرباط!!؟فلو حصل اشتباك بين هؤلاء وأية قوة عسكرية أخرى، بين بوقنادل والصخيرات، لكان حجم الخسائر بآلاف الضحايا، سيما وأن بعض تلاميذ مدرسة أهرمومو كانوا لا يزالون « أغرارا »، بمعنى أنهم لم يستوعبوا بعد حمل السلاح والمناورة بالنيران… وهكذا سنجدهم في الصخيرات يطلقون النار على كل ما تقع عليه أعينهم، بل لقد وصلوا إلى حد التراشق بالرصاص في ما بينهم.. كما لو أنها نوع من ألاعيب (عاشوراء)، يا سبحان الله!
لقد سجل المقدم امحمد عبابو على نفسه صبيحة يوم 10 يوليوز 1971 حماقات خطيرة لا تخطر على بال، عرَّض خلالها آلاف الأرواح للخطر الداهم دون أي ذنب اقترفوه.. لا لشيء.. فقط من أجل رغبته في توسيع مجال نفوذه وسلطته.. وهو لا يزال ابن الـ 32 سنة أتى من مدرسة عسكرية نائية، ما كان ليتصور أحد أن تنتقل بقوتها النارية الكبيرة إلى قلب عاصمة البلاد.. أقول.. كان ينوي ضَمِّ مساحة نفوذه من مدير مدرسة عسكرية إلى مساحة الوطن المغربي بكامله… بكل مؤسساته الدستورية والسياسية والنقابية والتربوية..؟!
– بعد أن فشلت المحاولة وتم القبض على زمام الأمور بعد هذه المجزرة الدامية، كيف كانت مواقف الملك الحسن الثاني؟
+ لقد حضر صديقه الملك حسين، مهرولا من عمان، مزودا بما في جعبته من نصائح صارمة.. في ضوء ما عاناه على مدى عام كامل.. بعد أحداث سبتمبر 1970 في عمان ثم اشتباكات جرش وعجلون في يوليوز 1971.. وقد حضر كالمعتاد متمنطقا بمسدسه (سميت إندونسن) وبلباسه العسكري.. ليصر أولا على إعدام كل المتورطين في أحداث الصخيرات.. ولكن الجنرال أوفقير هو من قدم الضحايا وقرر مصيرهم دون تقديمهم للمحاكمة قبل ذلك، وقد تميزت هذه المذبحة أيضا بتصفية حسابات شخصية.. فكان يشرف على إعدامهم باكيا.. كما سيفعل لاحقا صدام حسين في حق قادته من حزب البعث العربي الاشتراكي بإعدام شخص من مستوى عبد الخالق السامرائي.. كما يفعل عادة « التمساح » قبل الانقضاض على ضحيته!!؟
بعد ذلك سيسارع الحسن الثاني إلى إطلاق سراح سعيد بونعيلات وبنموسى الإبرايمي في 15 ماي 1972، ليباشر حوارا مفتوحا مع الكتلة الوطنية التي تشكلت قبل ذلك في يوليوز 1970.
… بالفعل كان المذبوح يسير في نفس الاتجاه، إذ لا خيار له، وقد سار معه الحسن الثاني مكرها، لكن بخطوات، ثقيلة وحذرة.. ستقوده إلى محاولة انقلابية ثانية، لأنه لم يسرع الخطى كما يجب، فاكتفى بالمناورة من وراء حجاب، وهو الرافض دوما لتقديم أية تنازلات من باب الضغط، فكان أن عرض نظامه السياسي بالكامل لأفدح المخاطر بعد ظهر يوم 16 غشت 1972.
– ماذا يمكنك أن تقول بخصوص طريقة القيادة المعتمدة في الانقلاب وتجانسها؟
+ أريد أن أسجل – بداية – بأن كلا الرجلين، المذبوح واعبابو، كانا يقفان الواحد منهما بعيدا عن الآخر على مسافة كبيرة ـ فكرا وتربية ونهجا وتجربة ونضجا كذلك ـ بحكم عدد هام من المعطيات التي تتصل بشخصيتيهما.
فالمذبوح، زاول قبل ذلك مهاما مدنية وعسكرية متنوعة، كان أبرزها توليه عاملا على إقليم ورزازات بعد الاستقلال مباشرة، ثم عمل وزيرا للبريد في حكومة عبد الله إبراهيم المُشكلة في دجنبر 1958.. غير أنه سرعان ما سيقدم استقالته منها، بضغط من الحسن الثاني ولي العهد آنذاك، ضمن محاولة لإسقاط الحكومة.. وكانت الذريعة المقدمة هي الاحتجاج على مضمون البلاغ الصادر عن مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنعقد في أكادير سنة 1959، والذي فهم منه أنه تضمن قذفا في حق مؤسسة الجيش الملكي.. علما بأن المذبوح لم يكن يحمل سوى رتبة قبطان وقتها، ولم يقدم أي من الجنرالات استقالتهم سوى المذبوح! بعد ذلك شغل منصب عامل على الدار البيضاء.. وقد ارتبط اسمه بالمحاولة (الانقلابية) للحركة الاتحادية في 16 يوليوز 1963، ويقال بأنه سارع إلى الإخبار بها بعد أن سبقه إلى ذلك مصطفى العلوي، ابن شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، وقد جرى التعامل معه في ضوء ذلك كشاهد إبان البت في هذه القضية.
وعلى الرغم من إصدار 14 حكما بالإعدام في حق المتهمين خلال مارس 1964، ظل الفقيه البصري وعمر بنجلون – المحكوم عليهما كذلك بالإعدام في هذه القضية – يذكران المذبوح بكل خير.. وينوهان بنظافته ووطنيته.. وقد أكدا مرارا لرفاقهما في السجن بأن هذا الشخص سيقوم – يوما ما – بعمل وطني كبير!!
– ما هي الأسباب التي دفعت الجنرال المذبوح إلى التخطيط للانقلاب؟
+ إن عددا هاما من المصادر أجمعت على أن من بين أسباب قيام المذبوح بهذه المحاولة الانقلابية اكتشافه، وهو يقوم بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية في مطلع سنة 1971 للتحضير لزيارة الحسن الثاني المقررة آنذاك في شهر أبريل، اكتشف ضمن بعض الوثائق كيف أن أشخاصا نافذين في المحيط الملكي طلبوا رشوة قيمتها (600) مليون سنيتم لتسهيل بناء فندق (شيراطون) بالدار البيضاء، كما اكتشف أن بعضهم يمارس نشاط تهريب المعادن النفيسة.. فعاد من هناك وهو مصمم على فعل شيء لوقف الفساد المستشري في أعلى هرم الدولة.
وسيكتشف الملك الحسن الثاني بعد وفاة المذبوح كيف أنه لم يكن يتصرف في الإكراميات المالية الضخمة التي كان الملك يقدمها له، إذا كان يحتفظ بها ضمن مغلفاتها الأنيقة دون أن تمتد يده إليها لمجرد معرفة المبالغ التي تتضمنها!!؟ دلالة على أن الرجل كان عصيا على قبول مثل هذه الأساليب التي درج عليها النظام لترويض رجالاته وشراء سكوتهم وتواطئهم.
وذات مرة، تلقى الملك الحسن الثاني تقريرا سريا، مضمونه أن الجنرال المذبوح يدبر انقلابا ضده.. وكان وقتها يلعب (الكولف) بملعب دار السلام بالرباط.. فما كان منه سوى أن بعث في طلب المذبوح ليقول له علنا: هل صحيح ما ينسبونه لك في هذا التقرير.. يا مذبوح؟ ثم انصرف إلى رياضته بلا مبالاة، ولم يعد إلى الحديث حول هذا الموضوع أو إثارته من جديد.
أما شخص المقدم امحمد عبابو، والذي لم تمض على ترقيته من كوماندان إلى ليوتنان كولونيل سوى أقل من أربعة أشهر فقد كان رجلا عسكريا بالكامل، لم يعرف له أي نشاط سياسي أو وطني، أو حتى مجرد اتصال بالأحزاب السياسية المغربية طوال حياته، ولكن طموحاته الشخصية كانت لا تعرف أية حدودّ.
فعدا تفوقه في تخصصه العسكري (المشاة) وذكائه وقوة شخصيته وحرصه الدائم على تطوير برامج التكوين العسكري في مدرسته بأهرمومو، وفي ملحقتها بمدينة صفرو، وهي كلها إيجابيات تسجل لصالحه بدون نزاع، لم يعرف عنه أي اهتمام آخر.
– كيف ترى الفرق بين الجنرال المذبوح والمقدم اعبابو؟
+ بكل « موضوعية » ما يجعلنا نعتقد حقا بأن الجنرال المذبوح؛ بقوة شخصيته، واتزانه، ونظافته ووطنيته، قد أخطأ اختيار الرفيق، رفيق الدرب، في شخص امحمد عبابو، والذي تميز مساره المهني بالعديد من الخروقات الفظيعة والممارسات اللا أخلاقية، والتي يمكن إيجازها في ما يلي:
أولا: للتجاوب مع طموحاته العسكرية الواسعة، سعى اعبابو، وهو لا يزال في رتبة رائد (كوماندان) إلى رفع تعداد التلاميذ في مدرسته من 300 إلى 1.000 ثم إلى 1.500 تلميذ، دون موافقة المكتب الثالث لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، والذي كان له حق الإشراف على كافة مؤسسات التكوين العسكري في البلاد، بتخصصاتها الجوية والبرية والبحرية.وللتغلب على المشاكل المادية الكثيرة المتعلقة برفع طاقة المؤسسة إلى أضعافها من حيث المرافق والتجهيزات والتغذية.. إلخ.. لجأ الرجل إلى تكوين (كوماندوهات)، خاصة من ضباط وضباط صف المؤسسة، تحت إشراف مساعده (عملاق الحرب العالمية الثانية) المساعد الأول أمهروش عقا.. فقد كانت هذه المجموعات تقوم – وهي بكامل أسلحتها وتجهيزاتها وشاحناتها – بالسطو ليلا على ممتلكات المواطنين من: مواد البناء وتجهيزاته ومعداته الغالية الثمن والمواد الغذائية والمواشي والأغنام ومواد التجهيز والسيارات والشاحنات والغلال.. إلخ.
وبالتأكيد ساعدت أعمال « البَلْطَجَة » هذه في بناء مرافق جديدة بالمدرسة، والتزود بتجهيزات حديثة من مسابح وملاعب (…)، غير أن بعضها « صُبَّ » في حساب المدير، بحيث غدا في ظروف وجيزة مالكا لفيلا فخمة بمكناس ومؤسسة فندقية ومقهى بنفس المدينة، ولضيعة فلاحية مع عدد من القطع الأرضية، ناهيك عن سيارتين… إلخ ولم تمض على ذلك بعد خمسة عشر عاما على التحاقه بالجندية!!؟
ثانيا: أصبح الرجل عند تكوين « بطانة » من الأتباع الطيعين الذين لا يعصون له أمرا، يستغل الطابع العسكري الصرف لمؤسسته، وذلك في أفق الاستعانة بهم في تنفيذ « مشاريع » مستقبلية على مقاسه الخاص!!
ثالثا: درج كذلك، رغم أنه متزوج وله أبناء، على استقبال صديقاته داخل المدرسة وعلى تنظيم الولائم الباذخة للضباط الكبار بما لم يكن يتلاءم مطلقا مع مستوى عيش وتغذية تلاميذ المؤسسة آنذاك؟!
كما أن أساليبه في « البَلْطَجَة » وصلت حد الاعتداء على المقابر، فحسب روايات بعض الضباط، أمر ذات مرة بهدم قبور اليهود في مدينة صفرو، للاستفادة من أخشابها في أعمال البناء بمدرسته!!فأية روابط فكرية أو سياسية أو مسلكية يمكن أن تجمع بين كل من الجنرال المذبوح والمقدم امحمد اعبابو؟!
بالتأكيد، الفروقات كانت فادحة، وقد أدت بالطبع إلى مصرعهما معا في نفس اليوم وبطريقة شاذة، كما لو كانا من لصوص المواشي (كاوبوي).
أما باقي الضباط الانقلابيين ممن جرى إعدامهم يوم 13 يوليوز 1971، والذين لم يتم « إقناعهم » بالانضمام إلى الحركة الانقلابية الجديدة، سوى بعد الساعة الرابعة ظهرا من يوم 10 يوليوز 1971، فقد كانوا قبل هذه الساعات يتحدثون (بالفَمِ المليان) عن الانقلاب، وضرورة التغيير!! وكانوا يمارسون ذلك في محلات عمومية مفتوحة كبارات (كيوم تيل) و(لاكوميدي) بالرباط، وحانات مماثلة في القنيطرة ووجدة والدار البيضاء.. إلخ.. بمعرفة كافة الأجهزة الأمنية.
.. هؤلاء الانقلابيون أيضا كانوا على جانب كبير من الفساد والانحلال والتهتك، وما من شيء يجمعهم بالجنرال محمد المذبوح.
.. شخص واحد أعدم ظلما وعدوانا بسبب انتفاء أية علاقة له بهؤلاء، هو المناضل الكبير الكوماندان إبراهيم المانوزي، أحد قادة هيئة أركان جيش التحرير المغربي إبان الخمسينات، الذي وصلت قواته ذات يوم من سنة 1957 إلى منطقة (أطار) الموريتانية، بعد أن نجحت في دك معاقل الإسبان بكل من طاطا وفم الحسن وكولميم حتى شمال موريتانيا وتندوف… وكثيرا ما كان أخوه المرحوم سعيد المانوزي يطلعني على خرائط حربية تخص تلك المرحلة.
هذا الضابط الوطني الكبير، كان الجنرال محمد أوفقير يتوعده بالتصفية قبل ذلك، ولم يستطع الزج به في معتقل دار المقري إلى جانب الهاشمي الطود وعمر غاندي والفقيه البصري وبولحية الطاطي (اعتقالات يوليوز 1963)، إذ ظل يترصده حتى قامت أحداث يوليوز 1971، فبعث في طلبه للاعتقال، وكان حينذاك بلباس النوم في بيته وبين أولاده، مع أنه لم يكن له أي اتصال بهؤلاء القوم.. لسبب بسيط هو أن معظم هؤلاء الضباط، كانوا في صفوف اللفيف الأجنبي كمرتزقة منذ الحرب العالمية الثانية، وكانوا في سلوكهم وأخلاقهم على النقيض من شخصية إبراهيم المانوزي ووطنيته العالية، مما كان يثير أحقاد أوفقير تجاهه، فظل ينتظر الفرصة، لكنها جاءت غير ملائمة هذه المرة لتصفية حساباته الإجرامية.. غير أنه سرعان ما سيقتل هو أيضا (ككلب حقير) بخمس رصاصات غادرة، على حد تعبير ابنه رؤوف أوفقير، والذي وصف الحادث رسميا على أنه انتحار تلقائي، حسب بلاغ وزارة الداخلية آنذاك (17 غشت 1972).
الجنرال المذبوح إذن وضع بيضه كاملا في سلة (فاسدة) و(متهورة) فكان ما كان.. والأخطر من كل ذلك، لم يباشر اتصالاته برفاقه الاتحاديين القدامى، الذين كانوا ينتظرون منه هذه المبادرة، بل لقد كانوا يبشرون بها بين أنصارهم.
فهل الاستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد آنذاك كان لا يستحق عناء التنسيق مع اليسار وقتئذ؟
وهل مجرد إصدار التعليمات بإطلاق سراح (170) مناضلا اتحاديا من سجن بولمهارز بمراكش وتلكؤ العامل عن تنفيذ هذه التعليمات، هل كان ذلك كافيا لحماية وتطوير ودعم الحركة الانقلابية الجديدة؟– ماذا تقول عن الموت المبكر للجنرال المذبوح؟
+ لقد أخبرني بعض الضباط الذين شاركوا ضمن هذه التجربة المريرة، وأفلتوا من جحيم (تازمامرت)، بأن تأخر وصول تلامذة (أهرمومو) ومدربيهم إلى قصر الصخيرات في الوقت المحدد، قد وتر أعصاب المذبوح، وجعل الشكوك تراوده بخصوص احتمال قيام اعبابو بالوشاية به إلى الملك، لذلك سارع إلى إرسال شخصين لمقابلة اعبابو (وهو لا يزال في طريقه إلى القصر) لتبليغه أمر التأجيل، وضرورة متابعة طريقه نحو ابن سليمان لتنفيذ المناورة وكأن شيئا لم يكن، مؤكدا له: لقد تجاوزت التوقيت الزمني المتفق بشأنه ومن الأفضل تأجيل العملية إلى وقت آخر.
غير أن اعبابو بدوره – والذي قضى الأيام الأخيرة بلياليها في التحضير لهذه العملية – فاض به الكأس، إذ لم تمر سوى بضعة أسابيع على تأجيل العملية السابقة ليوم 14 ماي 1971، والتي كان قد حشد لها 15 كوماندو مسلح.. قد شك بدوره في أن يكون المذبوح قد وشى به، فقرر متابعة التنفيذ مهما كلف الأمر.
– ما هي التعليمات الأصلية التي أوصلها الجنرال المذبوح إلى اعبابو قبل بعث توصيات التخلي عن المحاولة؟
+ كانت تعليمات الجنرال المذبوح إلى اعبابو تنص بدقة على ما يلي:
– الحرص على الوصول إلى البوابة الغربية لقصر الصخيرات على الساعة الواحدة زوالا (أي قبل الشروع في وجبة الغذاء).
– الحرص على عدم إطلاق النار.
– الشروع بمجرد تطويق القصر في اعتقال كافة الحاضرين، مع الاستعانة بمكبرات الصوت لدعوة الجميع إلى رفع الأيدي عاليا والاستسلام بدون قيد أو شرط– مباشرة عملية فرز الأشخاص المعتقلين ، لتقسيمهم إلى ثلاثة مجموعات:
أ- المجموعة الأولى (والتي ينبغي إعدامها فور الاتفاق في عين المكان بين المذبوح واعبابو) وتتألف من: – الملك الحسن الثاني – ولي العهد – الأمير مولاي عبد الله – الجنرال الغرباوي – الكولونيل أحمد الدليمي – إدريس السلاوي مدير الديوان الملكي – الجنرال البوهالي الماجور العام للقوات المسلحة الملكية.
ب- المجموعة الثانية: وتتألف من جميع أعضاء الحكومة والجنرالات الحاضرين، وهؤلاء يتم سوقهم إلى هيئة الأركان العامة بالرباط لتحديد مصيرهم لاحقا.. واحدا.. واحدا.
ج – المجموعة الثالثة: وتتألف من باقي المدعوين، مغاربة وأجانب، والذين سيجري الإفراج عنهم بعد تنفيذ ما سبق ذكره... وهكذا ما كاد أن يتقابل الرجلان – المذبوح واعبابو – حتى بدأ هذا الأخير يصرخ عاليا: وَافَايْن هُوّا (…) وسير خرّجُو لعندي.. وأنا راه غادي نبيع جلدي غالي.. إلخ (علامة على تدهور عنصر الثقة بين الرجلين)!
وبينما كان المذبوح، يذهب ويجيء بين مكان وجود الملك واعبابو، عسى أن يحل الإشكال بطريقة أو بأخرى، كان عبابو يزداد هياجا، وسط إطلاق الرصاص والرمانات اليدوية لمجموعاته، وكان يصيح:
– اقتلوا الخونة.. اقتلوا الخونة.. وعاش الملك!!؟في هذه الأثناء، رفض الملك الخروج وطالب المذبوح بإحضار عبابو أمامه لاستفساره عما يطلب، كما رفض اعبابو التوجه لمقابلة الملك بدون رجاله وفيهم مساعده العملاق عقا.. وبينما كان الدكتور بنيعيش – الطبيب الخاص للملك – يقوم بإحضار رشاشة حربية للملك من غرف النوم، وكانت قد أهديت له قبل ذلك من طرف إحدى الشخصيات الأجنبية، شك اعبابو في الأمر وطالب بنيعيش بتسليم السلاح فورا، غير أن بنيعيش كان قد دخل في حوار مع الجنرال المذبوح، وهنا جاءت صلية من الرصاص (Rafale) على يد أحد التلاميذ ـ الضباط في اتجاه كل من المذبوح وبنيعيش ليسقطا معا.. أمام أنظار اعبابو والقبطان الشلاط والمساعد الأول عقا، وهنا توجه اعبابو نحو جثة المذبوح معلقا بالفرنسية:
Oh, Mon oncle, C es dommage pour vous, général Medbouh))، ويضيف المقدم محمد عبابو في محضر استنطاقه بعد اعتقاله: (… ولقد علمت من خلال ضابط الصف الذي هرب معي بأن المذبوح مات أمام أعين الجميع، ذلك أنه لحظة قيام امحمد اعبابو بإعطاء الأمر لأحد تلاميذه بإطلاق النار على الدكتور بنيعيش، كان هذا الأخير وقتها يتناقش مع المذبوح وهو ملتصق به.. فأصيبا معا برصاصات قاتلة).
وحيث أن القائد العام للعملية الانقلابية الجنرال المذبوح قد قتل منذ الساعة الأولى للانقلاب، اتجه اعبابو باحثا عن الكولونيل الشلواطي لتكليفه بقيادة الحركة الانقلابية من خلال إقناع باقي الجنرالات بالانضمام إليها.. وهو ما سيباشره فعلا لدى التحاقه بالقيادة العامة للجيش.
غير أن طريقة التراشق بالنيران في القيادة العامة، ما بين الجنرال البوهالي والمقدم اعبابو كانت على شاكلة تراشق سراق المواشي (الكاوبوي) على الطريقة الأمريكية..، حيث أدى ذلك إلى مصرعهما في الحال ثم استسلام حوالي مائتين من تلامذة المدرسة، ليلا بالقرب من الإذاعة، وما أعقبه بعد ذلك من إطلاق النار عليهم بعد تسليم أسلحتهم، مما سيؤدي إلى مقتل حوالي 113 تلميذا فورا.. كل ذلك، أدخل الحركة الانقلابية في عنق الزجاجة كما يقولون وأغرقها في الدماء التي لا مبرر لها، إذ تكد تنتصف ليلة هذا اليوم الأغبر في تاريخ المغرب المعاصر، حتى كان باقي الانقلابيين الأحياء يبحثون عن التخلص من أسلحتهم وملابسهم العسكرية، بحثا عن ملاذ آمن بعد كل الذي شاهدوه من مناظر فظيعة، وما ينتظرهم من مصيرمظلم.– في ضوء تجربتك السابقة، واحتكاكك المباشر بعدد من التجارب الانقلابية في المشرق العربي، كيف تنظر لأحداث 10 يوليوز 1971؟
+ في تقديري، ما حدث بالصخيرات ثم الرباط طوال يوم 10 يوليوز 1971 لا يمكن أن يرقى إلى مجرد مناورة عسكرية بسيطة من طرف أحد جيوش البلدان المتخلفة كجمهورية إفريقيا الوسطى أو النيجر على سبيل المثال.. أؤكد لكم أن ما حدث هنا لا يرقى لمجرد مناورة عسكرية بسيطة، نظرا لهمجيته، وبدائيته وتهوره وافتقاده إلى الحد الأدنى من التنظيم، بكلمة واحدة، هو عمل « رعاع » لا أقل ولا أكثر.
فكما هو معلوم، تميزت الفترة التاريخية من 1965 إلى 1975 بظهور عدد من الانقلابات العسكرية، سيما في أقطار أمريكا اللاتينية وإفريقيا، حيث الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية أكثر سوءا وتأزما.. كان ذلك هو الإطار العام لهذه الانقلابات.
لكن يجب التقرير هنا بأن بعض هذه الحركات الانقلابية كان ذا طابع تقدمي، باعتبار ما حصلت عليه من دعم جماهيري عريض آنذاك.. بينما كان بعضها الآخر – وهو الأغلب – ذا طابع (أوليغارشي) عسكري ضيق، لا يروم في الحقيقة سوى الاستيلاء على السلطة بحد ذاتها.. بمنافعها..وامتيازاتها.. ولم تكن السلطة عند (ثوارها) أداة محورية لمباشرة التحولات العامة التي كان يستدعيها بإلحاح تصحيح أوضاع هذه الأقطار.
فأن تلجأ حفنة من الأشخاص لا تتعدى أصابع اليد الواحدة إلى التآمر، في بلد كالمغرب، حيث النسيج السياسي والنقابي والتربوي أكثر متانة بالقياس مع كل الأقطار الإفريقية والعربية المجاورة، أن تلجأ هذه الحفنة إلى استخدام أكثر من (1400) جندي وضابط دون مصارحتهم مطلقا بطبيعة (المهمة) ولا أن يتم تأطيرهم جيدا لتنفيذها، ولا أن يضبطوا بينهم المهام تفاديا للالتباس والخلط وسوء النية.. إلخ.. أن يجري كل ذلك، بهذه الدرجة من التهور والشراسة والجهل والرعونة، لهو عمل في منتهى الحماقة والوحشية!
فحتى ساعة وصول القوات المهاجمة إلى بلدة (بوقنادل) كانت المهمة الرئيسية المحددة في أذهان الجميع هي المشاركة في مناورة بالذخيرة الحية في منطقة ابن سليمان، هذه المهمة التي كان من المفروض أن يقوم بها أحد أفضل ألوية القوات المسلحة، ولكن المقدم اعبابو (كما أكد لتلامذته وضباطه في الجمع العام التحضيري ليلة 9/07/ 1971) استطاع أن يقنع القيادة العليا للجيش بأن مدرسته تستطيع أن تقوم بذلك على نفس الدرجة من القوة والاقتدار والنجاح.. كما صرح بذلك وأكد.
وعندما توقفت القوات المهاجمة في بوقنادل لاستجماع القوى، وتحديد المهام على أيدي من أسماهم المقدم اعبابو بالقيادة الميدانية (المتقدمة)، تأكد في ما بعد بأن هؤلاء الضباط الذين أحضرهم إلى بوقنادل بلباس مدني، إنما أحضرهم لمعاينة ضيعة فلاحية يعتزم شراءها هناك! وأن يطلب نصيحتهم.. على أن يتجهوا بعد ذلك لحضور حفلات القصر الملكي بالصخيرات!!
خلال هذا اللقاء، سينقل المقدم اعبابو خطابه إلى السرعة القصوى في مخاطبة ضيوفه وضباط مجموعاته المسلحة، إذ لأول مرة سيستعمل عبارات جديدة ذات علاقة بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لم تكن لتجري على لسانه قبل ذلك على الاطلاق.لقد « تحايل » على الجميع، ليجمعهم هنا في بوقنادل وهو يخطب فيهم خطبة أشبه بخطبة طارق بن زياد، وبين أيديهم قوة نار هائلة مع خواء فكري فظيع وارتباك وفوضى قياسيين.
– ماذا قال اعبابو في بوقنادل؟
+ قال : (.. لقد جرى اختياركم من طرف القيادة العليا للجيش للمشاركة في مهمة خطيرة، وقد وقع عليكم الاختيار لأنكم بالفعل تستحقونه، إنكم تعلمون جميعا الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية لبلادكم.. يجب إنقاذ هذه البلاد.. لقد آن الوقت لذلك.. يتوجب علينا جميعا الهجوم على قصر الصخيرات هذا اليوم ما بين الساعة 13 و 14 .. وستشارك قوات عسكرية أخرى في تنفيذ هذه المهمة!! وبالتالي نحن لسنا لوحدنا!! ولن نكون كذلك… إن هناك عناصر متمردة تهدد سلامة صاحب الجلالة ويتوجب علينا القضاء عليها بدون تردد…).
ثم أمسك بقضيب خشبي ليرسم أمام الضباط المتحلقين حوله مخططا عاما للمعركة المقبلة، محددا بدقة بنايتين رئيسيتين داخل القصر، رسم بينهما خطوطا حربية معروفة لدى العسكريين، مؤكدا أن المعركة قد بدأت وعلى الجميع الالتحاق بوحداتهم ورفع أغطية الشاحنات وتلقيم الأسلحة بمختلف عياراتها والتحرك منذ تلك اللحظة على أساس أن القوات أصبحت ضمن وسط معاد يتوجب اتخاذ أقصى الاحتياطات تجاهه، وبالتالي فإن إطلاق النار ستصبح عملية تلقائية منذ تلك اللحظة، لا تحتاج إلى تذكير أو تجديد الأوامر..
أما بخصوص الضباط (بلباس مدني) الذين أحضرهم عبابو لبوقنادل، فقد فعل ذلك تبعا لتعليمات الجنرال المدبوح، حتى يشجع أكثر تلامذة أهرمومو وضباطهم، فقد كان هؤلاء (الضيوف) يمثلون مختلف قطاعات الجيش، وبالتالي فإن إحضارهم كان بمثابة عملية ذات مغزى كبير. وهؤلاء الضباط هم المقدم القادري والكوماندان المالطي والكوماندان المنور والكوماندان بريكي والكوماندان رياني (صهر المذبوح) والكوماندان حريشي والكوماندان ميلس.
ومما تقدم، أستطيع التأكيد لكم بأن ما حدث لا يخرج عن نطاق حركة (الرعاع) التي لا يجمعها جامع، غير الرباط الحديدي الذي ربى عليه المقدم امحمد عبابو تلامذته وضباطه على حد سواء، والذي وصل حد الطاعة العمياء، فتحول الأمر خلال ساعات قلائل إلى إعصار مدمر، فتك بأرواح أكثر من مائتين وخمسين شخصا وتسبب في جرح وإصابة المئات وإلحاق أفدح الأضرار بالممتلكات الخصوصية والعمومية.
فما كنت أظن أن الجنرال محمد المذبوح ستصل به السذاجة السياسية والتهور العسكري إلى هذا الحد، ومهما حصل فقد كان المسؤول الأول والأخير عن كل هذه المأساة، وكان من قبيل المستحيلات أن تمر هذه القوة الكبرى عبر تراب عدة أقاليم، بسلاحها الكامل وذخيرتها ووقودها وتغذيتها دون موافقته الشخصية، باعتباره رئيسا للديوان العسكري لصاحب الجلالة، وسيكتب له أن يكون من أول ضحايا هذا التهور لتبقى جثته ثلاثة أيام في عز الصيف بدون دفن قبل القيام بإحراقها، ثم ليحرم من مجرد قبر كباقي المسلمين.
– وماذا عن الموقف الليبي الرسمي من هذه الأحداث؟
+ لقد جاءت هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة لتؤكد طبيعة التوجه السياسي العام لنظام العقيد القدافي، والذي كثيرا ما أبلغ قادتنا في التنظيم السري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ انقلابه الشهير في فاتح سبتمبر 1969، بأنه لا يثق مطلقا في قدرة الحركة التقدمية المغربية على إسقاط النظام الملكي وإبداله بنظام جمهوري على الطريقة الناصرية، وكان ينصح قادتنا بالاعتماد على قوات الجيش النظامي المغربي إذا هم أرادوا الحصول على نتائج طيبة.
والغريب أن نظام العقيد القدافي حتى بعد أن صار يدعمنا، بتخصيص برنامج إذاعي دائم، كان عبد الرحمان اليوسفي يكتب افتتاحياته بانتظام، وحتى بعد أن فتح في وجوهنا معسكرات التدريب على السلاح وبعد أن أصبح يقدم لقادتنا الأموال والأسلحة، كان دائما ينصحهم بالتعاون مع الجيش المغربي في الداخل مهما كانت عقليته وتركيبته وميوله، إن هم أرادوا نتائج إيجابية!
فمنذ الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة لـ 10 يوليوز 1971 انطلقت الإذاعة الليبية في بث بلاغات التهنئة والتبريك، بل لقد أجرى العقيد القدافي – حسب ما نشرته وثائق الخارجية الأمريكية والبريطانية مؤخرا، وحسب ما ذكره الملك الحسن الثاني نفسه في كتابه (ذاكرة ملك)، أجرى القدافي اتصالا هاتفيا بالرئيس الجزائري هواري بومدين طالبا السماح لقواته الجوية والبرية باستعمال الأراضي والأجواء الجزائرية للمرور إلى المغرب لدعم الانقلابيين.. وهكذا أرسل ضابط المخابرات الليبية الرائد عوض علي حمزة، إلى الجزائر على جناح السرعة، لمتابعة تنسيق هذه العمليات، غير أن الرفض القاطع للهواري بومدين أفشل مسعى إرسال حوالي (12) ألف جندي ليبي إلى المغرب لدعم الانقلاب.ورغم إعلان فشل الانقلاب ظلت الإذاعة الليبية تواصل بث بلاغاتها الداعمة للانقلابين، بينما
المغرب الرسمي من جهته رد بتطويق مقر السفارة الليبية في الرباط ثم وضع كافة العاملين بها في الإقامة الإجبارية، واضطر في وقت لاحق إلى قطع كل الاتصالات الهاتفية عن السفارة.وهذا ما كشفته وثائق الخارجية البريطانية المنشورة حديثا، بعد مرور أمد التقادم القانوني ضمن الملف رقم (FCO 39 – 884)، والذي تضمن الكثير من الوثائق الدامغة في هذا الاتجاه.
وسيقترح الجنرال محمد أوفقير من موقعه الجديد كوزير للدفاع، بعد إخماد فتنة الصخيرات، على الملك الحسن الثاني في أكادير، فكرة القيام بإسقاط طائرة العقيد القدافي انتقاما من تورطه في دعم الانقلابيين لصيف 1971.. وسيتذكر الملك هذا الاقتراح باستغراب شديد.. مباشرة بعد تورط الجنرال أوفقير في محاولة إسقاط طائرته مساء يوم 16 غشت 1972!!؟ -
Nous sommes désolés du désagrément causé. Cette page n’existe plus. Nous vous proposons de jeter un oeil à nos dernières publications:
- Mali: L’ambassadeur du Maroc alerte sur le rôle de l’Algérie
- Le Maroc a espionné une réunion de l’ONU avec Idriss Déby
- Morocco spied on a meeting of Ban Ki-moon with Idriss Déby
- Des pétitionnaires payés par le Maroc pour plaider sa cause
- Maroc: Guerre souterraine entre Al Adl Oual Ihsane et la DGED
Histoire du hacker Chris Coleman
Un mystérieux hacker tente de déstabiliser le régime marocain
Un internaute qui se fait appeler Chris Coleman publie depuis des semaines des informations confidentielles sur son compte Twitter.
Un mystérieux hacker publie depuis trois mois quantité de documents visant à mettre à mal le régime marocain. Sur son compte Twitter, Chris Coleman, c’est son nom, diffuse des correspondances et mails piratés, des dossiers classés confidentiels, mais aussi des photos privées et des informations sur la vie intime de certains responsables du pays. Ce samedi aprés-midi, le compte Twitter @chris_coleman24 a encore publié une salve de documents.
Ces contenus auraient été obtenus en piratant les boîtes mail de personnalités politiques et médiatiques, comme celle de Salaheddine Mezouar, ministre marocain des affaires étrangères. Si certains documents ont été authentifiés, d’autres sont sujets à précaution.
Toutefois, certaines révélations semblent avoir du crédit. Car récemment, le journal espagnol El Mundo a repris l’un des tweets de Coleman, selon qui la France et le Maroc n’auraient plus de coopération concernant la lutte antiterroriste depuis la crise diplomatique entre les deux pays du printemps dernier. Ce qui fait dire au quotidien espagnol que les services antiterroristes espagnols joueraient désormais les intermédiaires entre Rabat et Paris.
Un hacker au service des Sahraouis
Mais qui se cache derrière ce personnage et quel but précis poursuit-il? Personne ne semble connaître son identité. L’une des causes les plus les plus chères à Chris Coleman concerne la défense des Sahraouis et l’autodétermination du Sahara, à laquelle il consacre la majeure partie de ses tweets.
Il s’agit là d’un dossier épineux puisque le Maroc propose un plan d’autonomie de la région tandis que le Front Polisario, un mouvement politique et armé du Sahara occidental soutenu par Alger, revendique l’indépendance du territoire depuis le départ des Espagnols en 1976.
Toutefois, le mystérieux hacker (ou le collectif derrière) pourrait bien chercher à brouiller les pistes quant à son identité. Le fait qu’il ait volontairement laissé des traces indiquant des origines algériennes interpelle. En effet, sur l’une des plateformes qui lui servent à diffuser ces documents, Chris Coleman s’est enregistré sous le nom de «Mousa E.», tout en se géolocalisant en Algérie. Impossible de savoir s’il s’agit là d’un indice ou d’une fausse piste.
Silence du côté des officiels
Mais les responsables politiques marocains ne sont pas les seuls visés, puisque Chris Coleman s’attaque aussi aux milieux franco-marocains. Selon lui, le gouvernement marocain aurait rémunéré quatre journalistes de grand médias français.
Le régime marocain n’a pas esquissé de réaction notable à cette affaire, préférant se réfugier dans un quasi silence. Ses relais privilégient toutefois la «piste polisario-algérienne».
Le Figaro, 3 janvier 2015
Chris Coleman, le « Wikileaks marocain » qui embarrasse le Makhzen
Depuis début octobre, des centaines de documents de la diplomatie marocaine sont publiés pêle-mêle sur Twitter par un mystérieux hacker, sous le pseudo @chris_coleman24. Corruption de journalistes étrangers par le régime marocain, coulisses de la politique chérifienne sur la question du Sahara Occidental : les informations dévoilées par ces câbles diplomatiques n’ont pas encore été vérifiées. Le régime marocain n’en a cependant pas démenti l’authenticité et reste si embarrassé par ces révélations qu’il n’a pas encore fait de déclaration publique… Retour en 4 questions sur cette affaire loin d’être close.
Quels sont les types de documents publiés par le hacker Chris Coleman?
Depuis le début du mois d’octobre, un hacker prénommé « Chris Coleman » sur les réseaux sociaux publient des documents embarrassants pour le régime marocain. Correspondances entre diplomates, mail personnels, dossiers confidentiels : ces documents concernent principalement le ministère marocain des Affaires étrangères et la mission marocaine à l’ONU, relève le journal Mediapart dans un article publié mardi. Le hacker aurait ainsi réussi à pirater les boîtes mail de personnalités politiques et médiatiques comme l’actuel ministre des Affaires étrangères, Salaheddine Mezouar ou sa ministre déléguée Mbarka Bouaida.
Que révèlent ces câbles diplomatiques ?
Ces documents sont au nombre d’une centaine et restent pour certains difficiles à authentifier. La plupart des informations révélées par ces câbles diplomatiques sont liées à la position du régime marocain sur le dossier du Sahara Occidental et montrent, ce qui n’a pas surpris les observateurs réguliers de cette question, que la diplomatie chérifienne est guidée par la question sahraouie.
Financement du lobby pro-marocain en France et au Etats-Unis, accointance des services secrets du Maroc avec le lobby juif, les informations livrées par « Chris Coleman » attaquent le royaume chérifien sur des points sensibles. Ces révélations ciblent ainsi des journalistes français, américains et même italiens qui auraient été achetés par les services de contre-espionnage marocains pour défendre les intérêts du Maroc dans le conflit sahraoui. Le dénommé « Chris Coleman » pointe aussi du doigt trois fonctionnaires de l’ONU qui auraient échangé des informations avec des diplomates marocains, notamment l’ex-ambassadeur à Genève, Omar Hilale, devenu en avril représentant permanent du Maroc aux Nations unies à New York.
Le hacker révèle surtout les dessous du renoncement des Etats-Unis à leur demande d’élargissement du mandat de la Minurso (la Mission des Nations Unies pour l’organisation d’un référendum au Sahara Occidental) aux droits humains auprès du Conseil de Sécurité de l’ONU. A ce sujet, le journaliste espagnol Ignacio Cembrero évoque, dans un article repris par le journal électronique Orient XXI, l’échange entre Barack Obama et le roi Mohamed VI, dans lequel on apprend que le Maroc s’engage à trois concessions en échange du recul de la Maison Blanche : l’arrêt du jugement des civils par des tribunaux militaires, la facilitation des visites au Sahara des fonctionnaires du Haut Commissariat aux droits de l’homme et la légalisation des associations sahraouies indépendantistes comme le Collectif sahraoui des défenseurs des droits de l’homme (Codesa) du militant Aminatou Haidar.
Que sait-on de l’identité du fameux « Chris Coleman » ?
Mais qui se cache derrière le mystérieux pseudonyme, mi-jazzman mi-footballeur, de « Chris Coleman » ?
Si un commentaire laissé sur Twitter semble éclairer ses motivations [« fragiliser le Maroc, notamment son appareil diplomatique »] et mettre sur une piste algérienne, le pure-player français Mediapart appelle à la prudence. Si une partie des documents semble authentique, l’anonymat de celui qui les a publiés et la méconnaissance de ses mobiles doivent nous mettre en garde, dit-il.
« La masse de documents mis en ligne rend improbable une falsification systématique. Mais face aux contestations et risques de manipulation, et tant que Chris Coleman se refusera à communiquer avec une ONG ou des journalistes, il serait risqué de considérer que tous ces documents sont authentiques. Seule une vérification au cas par cas, évidente pour certains et beaucoup plus complexe pour d’autres, permettra de faire le tri. » écrivent les journalistes de Mediapart.
Peut-on alors parler d’un « Wikileaks marocain » ? Plusieurs médias soulignent le manque de professionnalisme de ce hacker mystérieux. Ainsi Mediapart écrit que Chris Coleman « n’a rien d’un lanceur d’alerte » tel que Bradley Manning (aujourd’hui Chelsea) qui avait contacté Wikileaks et pris la responsabilité de la divulgation d’information tout en protégeant ses sources. Chris Coleman n’a pas non plus l’étoffe d’un Edward Snowden, cet ancien agent de la NSA qui insistait sur la séparation des rôles de lanceurs d’alerte de journalistes, ces derniers étant chargés de vérifier et de choisir les documents des lanceurs d’alerte qu’ils jugeaient d’intérêt public. « Chris Coleman et ses supporters ne s’embarrassent pas de ces considérations » selon Mediapart.
Quelles conséquences pour le Maroc ?
Le régime marocain n’a pas jugé utile de réagir publiquement à ces « fuites » qui durent depuis trois mois. Si « Chris Coleman » est dans toutes les conversations dans les couloirs des institutions marocaines, aucune explication ni déclaration publiques n’ont été faites par les autorités. L’opposition et la presse se sont elles aussi enfermées dans le silence, note le journaliste espagnol Ignacio Cembrero. Ce dernier analyse cette absence de débat sur un sujet clé, la sécurité informatique du régime et les conséquences que peuvent avoir ses fuites, par le manque d’assurance du Maroc sur la question du Sahara. « Le pouvoir exécutif marocain n’est pas assez sûr de lui : il se sent trop harcelé sur « son » Sahara pour en débattre sur la place publique. Les quelques revers diplomatiques qu’il a subis lui font oublier que les poids lourds de la communauté internationale, à commencer par les États-Unis, souhaitent que l’autonomie soit la solution accordée pour mettre un terme à un conflit qui dure depuis 39 ans » écrit Ignacio Cembrero.
Ces révélations ont-elles pour autant de réelles chances de déstabiliser le régime marocain ? Pour Pierre Haski, co-fondateur du site d’information Rue 89, ces fuites n’ont pas changé la donne de la politique intérieure marocaine. « Le principal résultat des révélations de « Chris Coleman », quelle que soit son identité, aura été d’affaiblir ce réseau d’influence marocain en Europe et aux Etats-Unis. A la fois en détruisant les contacts déjà établis, et en rendant sans doute plus prudents tous ceux qui, dans l’avenir, seront approchés, même de manière amicale, par des officiels ou para-officiels du royaume. » écrit ce fin observateur du Maghreb. « Loin d’un WikiLeaks marocain. » conclut-il.
Algérie Focus, 25 décembre 2014
-
كيف وظف القصر الإرهاب لإفشال حراك الريف؟..
خاص: بانوراما الرأي والتحليل / ياسين شرف —
محمد السادس على خطى الحسن الثاني..
هناك حملة إعلامية دولية ضد النظام المغربي برزت بشكل لافت بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة التي ضربت أوروبا، وهي تركز في مجملها تلميحا أو تصريحا على مسؤولية القصر عن هذه الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، بهدف الضغط على الحكومات الأوروبية لالتزام الصمت أمام ما يحدث من قمع وحشي وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في منطقة الريف.
هذه هي الخلاصة العامة التي تشير إليها التقارير الإعلامية بناءا على معطيات استقتها من المخابرات الأوروبية، والتي تفيد في محصلتها، أن العاهل المغربي محمد السادس لم يرث العرش عن والده الحسن الثاني فحسب، بل وورث عنه ثوابت سياساته المخزنية أيضا، مع بعض التعديلات من حيث الظاهر من باب التعمية والتضليل.
ملك الحشيش..
لأنه في الوقت الذي كان المغاربة يتوجون عاهلهم الجديد “ملكا للقلوب“، كانت المخابرات في الضفة الأخرى تصفه بـ“ملك الحشيش“، وتقول أن الحسن الثاني نجح في ابتزاز أوروبا عندما طالبته باستبدال زراعة الحشيش في منطقة الريف بمشاريع منتجة تعود على الساكنة بالخير العميم، لكن الديكتاتور المغربي وضع أوروبا أمام خيارين لا ثالث لهما “إما الحشيش أو الكوكايين“، لأن منع الناس من زراعة الحشيش سيحول منطقة الريف إلى كولومبيا بالنسبة لأوروبا وفق قوله..فخسرت أوروبا الرهان وأذعنت لتهديد الحسن الثاني. ومنذئذ و 80 %من المخدرات التي تروج في الأسواق الأوروبية مصدرها المغرب، لكن من يستفيد منها بالدرجة الأولى هو القصر بما يتراوح ما بين 13 و 15مليار دولار سنويا، هذا في ما لم يطرأ تحسن يذكر على أحوال ساكنة منطقة الريف، ولا زالت تعيش على المساعدات التي ترسلهاالدياسبورا بانتظام لعوائلها في الريف. كما وأن النظام يرفض تقنين هذه الزراعة لتستفيد منها خزينة الدولة بطريقة مشروعة، ويعتبر موضوع الحشيش من الأسباب الرئيسة التي أدت لحراك الريف بسبب الفقر والتهميش واليأس الذي تعيشه ساكنة المنطقة.
ويذكر المغاربة الفضيحة التي انفجرت في عهد المدعو عبد العزيز إيزو الذي كان يدير عمليات تهريب كبرى للمخدرات انطلاقا من طنجة عندما كان مديرا إقليميا للأمن بها، واستمراره في تنظيم عمليات التهريب على المستوى الوطني حين عينه الملك مديرا لأمن القصور الملكية بتزكية من الجنرال العنيكري، وفي هذا الصدد، تؤكد المخابرات الأوروبية أن القصر ضالع في تجارة المخدرات على الصعيد الولي، وأن الأمر يتعلق بعصابات منظمة تعمل تحت غطاء السلطات الأمنية والمخابراتية المغربية.
كما وأن الفضيحة التي برزت على السطح أواخر الشهر الماضي في باريس بمناسبة استدعاء القضاء الفرنسي لرئيس جهاز مكافحة المخدرات السابق ‘فرنسوا تياري‘ واتهامه بالتورط في تهريب المخدرات من المغرب إلى فرنسا من خلال جهازه وفي إطار عصابات منظمة، يمثل رأس جبل الجليد العائم ويؤكد تورط النظام المغربي في تهريب الحشيش على الصعيد الدولي. هذا في ما كان برلمانيون إسبان قد أشاروا قبل مدة إلى وجود نوع من التواطؤ بين عناصر من الأمن والمخابرات الإسبانية ونظيرتها المغربية لتسهيل تهريب المخدرات من المغرب إلى إسبانيا، لكن القضاء في هذا البلد لا يطال الرؤوس الكبيرة لحساسية الموضوع.
ملك الإرهاب..
تورط النظام المغربي في تفريخ وتجييش ودعم الإرهاب لم يعد خافيا على أحد، فعديدة هي التقارير التي تحدثت عن الموضوع مشيرة إلى أن الأمر بدأ مع حرب أفغانستان مرورا بحرب العراق وسورية وليبيا، ولا يزال مستمرا إلى الآن، حيث كان الإرهاب يوظف من قبل واشنطن و“إسرائيل” ومخابرات الحلف الأطلسي ومشيخات الخليج وعلى رأسها السعودية من أجل تحقيق أهداف جيوسياسية وجيوستراتيجية.
والنظام في عهد العاهل محمد السادس لم يتغير عن النظام في عهد والده، حيث استمر في استغلال التعاون الدولي مع قوى الهيمنة الغربية في “محاربة الإرهاب” ليستعمله من حين لآخر من أجل تحقيق أهدافه الخاصة كورقة لابتزاز أوروبا بمعية ورقة الهجرة السرية.
ولعل ما كشفه موقع “لي موتون روبيل” أو “الخراف المتمردة” منتصف شهر غشت الماضي استنادا لمعلومات مسربة من العميل السابق للمخابرات الأمريكية ‘إدوارد سنودن‘، من أن المغرب، وفي إطار استراتيجية ما يسمى بـ“عش الدبابير” والتي تقضي بتجميع الإرهابيين في 6 دول من بينها المغرب لتدريبها وإعادة إرسالها لبؤر الصراع، واستقبال الرباط لـ‘أبو بكر البغدادي‘ الذي تلقى تدريباً عسكريا من الموساد الإسرائيلي في الأردن، وتدريبا دينيا في المغرب شمل طرق التواصل ومخاطبة التكفيريين بدروس تطبيقية تمت على معتقلي أمير المؤمنين من الإسلاميين الذين يقبعون في السجون المغربية برعاية المخابرات الأمريكية والبريطانية و“الإسرائيلية“، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك تورط النظام في دعم الإرهاب لا في محاربته. وهو ما جعل الحكومات الغربية تطرح أكثر من سؤال حول قرار الملك العفو عنالإسلامويين الذين خضعوا لدروس “الخليفة” أبو بكر البغدادي بعد عمليات برشلونة مباشرة.
وتذكر صحيفة “الوقائع” (La Cronica) الإسبانية في عددها الصادر يوم الأحد الماضي، أن رعاية المغرب للإرهاب ليس بالأمر الجديد أو المفاجئ، فقد سبق للعاهل الراحل الحسن الثاني أن استخدم الدين كسلاح لـ “السيطرة المزدوجة“: السيطرة على المواطنين والسيطرة على أوروبا. وطرح الحسن الثاني على الطاولة عام 1994 موضوع الإرهاب صراحة، عندما أراد من الاتحاد الأوروبي أن يأذن له بدخول الطماطم المغربية إلى الأسواق الأوروبية بدون رسوم جمركية، هذا علما أن القصر هو المستفيد من تصدير المواد الفلاحية إلى أوروبا والتي لا خضع في المغرب للضرائب.. ففي اجتماع مع رئيس المفوضية الأوروبية، ‘جاك ديلور‘، أخبر الأخير الحسن الثاني بأن المعسكر الإسباني ومجموعات الضغط الإيطالية والفرنسية يعارضون ذلك. فرد السلطان قائلا: “حسنا، أنا أفهم هذه الصعوبات، ولكن إذا لم يتمكن المغرب من تصدير الطماطم فإنه سيضطر لتصدير الإهابيين “.
وتقول الصحيفة، هنا نرى اللعبة الضارة بين الملك الأب الذي يخير أوروبا بين تصدير الطماطم أو تصدير الإرهابيين، وبين ابنه العاهل الحالي الذي يخيرها بين الصمت “الودي” على ما يحدث في منطقة الريف وعموم المملكة من قمع واعتقالات وتعذيب وفساد ينخر كل مفاصل الدولة أو تصدير الإرهابيين. ومن وجهة نظر صحيفة “الوقائع“، هذه هي “المعادلة” التي تحكم العلاقة بين المغرب وأوروبا من زمن الحسن الثاني إلى زمن وريث عرشه وسياساته.
القصر ولعبة الدين و السياسة..
معضلة النظام المغربي تكمن في أنه لن يكون بمقدوره الاستمرار طويلا في لعبة الابتزاز هذه، فقد بدأت عديد الأصوات ترتفع في أوروبا وأمريكا لمراجعة العلاقة مع المملكة الإرهابية ووضع حد لابتزازها بسبب فسادها وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان في الصحراء والريف والداخل أيضا.
والنظام لا يستطيع الادعاء بعد اليوم أنه يعتمد إسلاما معتدلا، باعتبار أن الدولة المغربية دولة إسلامية، وأن الملك هو أمير المؤمنين، ورئيس المجلس العلمي، ويهيمن على الحقل الديني من خلال وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تفرض رقابة صارمة على المساجد وتروج لخطاب موحد تمجد فيه أمير المؤمنين وتشيد بمناقبه وتعتبر كل من يعارض سياساته عميل وانفصالي يسعى لإشعال الفتنة وسط شعب آمن.
ولعل الخطأ الذي ارتكبته أوروبا عموما وإسبانيا بشكل خاص، هو أنها سمحت للنظام المغربي بالهيمنة على المساجد من خلال توظيف وتدريب وتمويل الأئمة، بزعم أن المغرب يحرس على الأمن الروحي لرعاياه في المهجر، هذه الاستراتيجية سمحت للنظام بتفريخ الإرهاب في أوروبا والقول بعد ذلك أن لا علاقة له بما يحدث فيها من تفجيرات لأن من قاموا بها هو مواطنون أوروبيون فشلت أوروبا في إدماجهم، كما حدث في تفجيرات برشلونة الأخيرة التي خرج المخزن المغربي يعلن براءته منها والقول أن لا علم له بها، هذا في حين أن من أشرف عليها هو إمام مغربي أكدت المعلومات أنه قام بالتخطيط لها في المغرب.
وبالتالي، فالحقيقة هي بعكس ما يروجه الخطاب الرسمي، فمحمد السادس ليس ذاك الملك الحديث كما يحاول أن يوهم من خلال خطابه وتصرفاته، بل هو أبشع من والده، لأن في عهده تحديدا، وبرغم الإصلاحات الدينية التي يقول أنه أجراها، يشكل المغاربة جيشا ضخما من الإرهابيين الذين يقاتلون في العراق وسورية، وهؤلاء لم يسافروا إلى هناك بالصدفة. كما أن 70 % من العمليات الإرهابية التي ضربت أوروبا خلال الخمسة عشر سنة الماضية قام بها مغاربة.. فهل الأمر محض صدفة؟..
وتتساءل صحيفة “الوقائع” بناء على هذا المعطى الذي كانت قد أشارت إليه المخابرات الأوروبية، عن السر في أن الإرهاب المغربي لا يستهدف إلا دولا أوروبية كفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا وفنلندا ولا يضرب في المغرب (؟)..
وهنا تقول الصحيفة، إن الأمر لا يتعلق بفعالية أجهزة المخابرات في حماية الداخل المغربي من الإرهاب، بل على العكس، لأن تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية وفقا للبيانات التي قدمها المدير العام لمديرية الدراسات والتوثيق، ياسين المنصوري، وعلى وجه التحديد، من 2002إلى 2014، تم تفكيك 126 هيكلا جهاديا (41 منها تتعلق بسورية والعراق والساحل) وتم اعتقال 2667 من المتطرفين. وبالإضافة إلى ذلك، تعطلت 276 محاولة، منها 119 هجمة بالقنابل ضد أهداف متعددة، مثل المباني الرسمية والمواقع السياحية والتمثيل الدبلوماسي ومراكز العبادة المسيحية واليهودية، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول مسألة الفعالية المزعومة. وهو ما تشير إليه الصحيفة ضمنا من أن الأمر يتعلق بعمليات مدبرة لإعطاء الانطباع أن أجهزة المخابرات المغربية أكثر فعالية من نظيرتها الغربية في محاربة الإرهاب، وبالتالي ضرورة التعاون معها في هذا المجال.. هذه هي اللعبة.
وحول الهجومين على الأراضي المغربية – الدار البيضاء في عام 2003ومراكش في عام 2011 – قال وزير الداخلية السابق إدريس البصري، من باريس، إن تفجيرات 16 مايو / أيار 2003 والتي ضربت “كاسا دي إسبانا“، مطعم إيطالي، وفندق فرح، ومعبد إسرائيلي، ومقبرة يهودية قديمة، وتسببت في مقتل خمسة وأربعين شخصا، بينهم خمسة إسبان..قال الوزير السابق لمراسل قناة الجزيرة مباشرة بعد الأحداث: “إن الهجوم ليس من عمل جماعات إسلامية في الداخل أو أية جهة خارجية، بل عمل داخلي قام به النظام“.
وثمة حالة أخرى مشابهة هي الهجوم على مقهى أريانا في مراكش في28 نيسان / أبريل 2011. وعزت السلطات المغربية الهجوم إلى “حركة السلفيين الجهادية“، وهي عبارة عامة فضفاضة تشمل جماعات متطرفة مختلفة في المدار الأيديولوجي لتنظيم القاعدة. ومع ذلك، فإن نتائج التحقيق في مكافحة الإرهاب من قبل المخابرات الأوروبية لم تسلط الضوء على هذا التنظيم الهلامي لعدم توفر معلومات تؤكد وجوده.
لكن اللافت تقول الصحيفة، هو أن تفجيرات الدار البيضاء عام 2003ساعدت النظام على السيطرة على الإسلاميين بسبب الاعتقالات الواسعة التي قامت بها، وفي نفس الوقت كبح لسان وسائل الإعلام، ما أدى إلى انتكاسة على مستوى الحريات.. وخلال هذه المرحلة أصبح محمد السادس من بين أغنى الملوك في العالم (؟؟؟)..
ومن الواضح أن المغرب يستفيد من الهجمات على أرضه وكذلك في أوروبا. وتقول الصحيفة، إن الوزير السابق ادريس البصري أكد أن هدف تفجيرات ماي 2003 قد تحقق، سواء لجهة كبح الحريات والسيطرة على الإسلاميين (اعتال أكثر من 7 ألف شخص)، وفي نفس الوقت ربح الملك الوقت الكافي لينمي ثروته بعيدا عن أعين الرقابة، فأصبح سابع أغنى ملوك العالم، هذا فيما زادت معدلات الفقر والقمع للشعب المغربي بشكل مهول.
وتلاحظ الصحيفة، أن تفجيرات أركانا (مراكش) ساعدت النظام بشكل كبير على كبح جماح حراك 20 فبراير الذي كان يرفع شعار محاربة الاستبداد والفساد.
المركز الوطني للاستخبارات الإسبانية (CNI)، وفي تقرير سري مقدم شهر مايو 2011 من قبل مديرها العام ‘فيليكس سانز رولدان‘ إلى وزراء الداخلية والخارجية والدفاع في مجلس أوروبا، أكد أن المغرب حقق“استراتيجية من حجم كبير” في إسبانيا، صممها وطورها النظام العلوي، وهدفها هو توسيع نفوذه وزيادة سيطرته على ما أسماه التقرير بـ“المستعمرات المغربية” باستخدام الدين كسلاح.
وفي التقرير المتعلق بتمويل الإسلام في إسبانيا، يقدم المعهد الوطني للإحصاء مثالا آخر على استخدام الإسلام لأغراض سياسية. ففي تشرين الثاني / نوفمبر 2008، أشار إلى أن “وزارة الشؤون الإسلامية المغربية عقدت اجتماعا جامعا في مراكش حضره عدد كبير من الأئمة ورؤساء الطوائف الإسلامية في إسبانيا“.. وخلال هذا الاجتماع الضخم، وعد الأئمة“بتمويل جمعياتهم ومساجدهم مقابل التمسك بارتباطهم بإمارة المؤمنين ومفاهيمها الخاصة للإسلام. والسؤال الذي طرحته المخابرات الإسبانية في حينه هو: ما علاقة مدير المخابرات الخارجية ياسين المنصوري بالدين ليؤطر مؤتمرا لأئمة المساجد في إسبانيا؟..
إن اللعبة تكمن في استعمال المخابرات المغربية لورقة الإسلام الجهادي لابتزاز أوروبا عموما وإسبانيا على وجه الخصوص، وقد نجح النظام بالفعل في الضغط على أوروبا كي تتخلى عن دعم الصحراويين الذي يطالبون باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، والضغط أيضا لعدم دعم حراك الريف الذي يرعب النظام مخافة أن يتحول إلى حركة تمرد، والتزام الصمت “الودي” أمام فساد النظام وما يقوم به من انهاكات خطيرة في حق شعبه.
إن الدين تحول في عهد إمارة المؤمنين إلى سلاح يحمي الفساد ويشرعن الظلم والاستبداد.. والمشكلة هي أن من يدعم الإرهاب ويستخدمه كسلاح ضد شعبه وضد شعوب أوروبا يقول أن لا علاقة للإسلامه “المعتدل” بالإرهاب، وأن لا علاقة للمغرب بالإرهاب..
فمن يصدق؟..
-
فضائح خالات الملك
الملف المنشور في العدد 191 بتاريخ 27 نونبر 2008
تربعت على سطح الأحداث مؤخرا عدة تجاوزات واعتداءات « غبية »أثارت حفيظة الرأي العام الوطني، لارتباط أبطالها بشخصيات تنتمي إلى محيط القصر الملكي، كان أبرزها إطلاق « حسن اليعقوبي »، زوج الأميرة لالة عائشة، عمة العاهل المغربي الملك محمد السادس، النار على شرطي المرور « طارق محب » في الشارع العام، حيث تعالت موجة الاستنكارات منددة بالتعاطي السلبي للسلطات المعنية، الأمنية والقضائية مع الحادث، وكذا بعدم قيام الشرطة القضائية والنيابة العامة بواجبهما في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بالاستماع إلى المتهم، رغم خطورة الاعتداء واستعمال السلاح فيه. وقد كثر الجدل حول ظروف وملابسات هذه القضية نظرا لارتباطها بنفوذ « عمة الملك »، لدرجة وقفت أمامها جميع الأجهزة الرسمية القضائية والإدارية، عاجزة عن القيام بواجبها الوطني في إقرار الحق والانتصار له، الأمر الذي فتح قوسين عريضين حول تدخل هذه الأجهزة لحماية الموطنين العاديين من حماقات ذوي المراكز الحساسة في هرم الدولة والمقربين من القصر.
على نفس الوتيرة من الرعب والخوف وعلى وقع النار والحديد تعيش منطقة الأطلس المتوسط، يوميا حالات مماثلة من الاعتداءات الوحشية، مع فارق بسيط جدا ويتحدد في كون النازلة الأولى ارتبطت بزوج « عمة الملك »، فيما ارتبطت الأخريات بعروس الأطلس مدينة خنيفرة بزوج « خالة الملك « ، إضافة إلى مشاهد أخرى لا تقل وحشية عن سابقاتها ارتبطت شخصيا بـ »خالات الملك » أمينة وحفصة أمحزون أخوات » لالة لطيفة حمو » أرملة الراحل الحسن الثاني ووالدة الأميرات، لالة مريم، لالة أسماء، لالة حسناء، وأم الملك محمد السادس والأمير مولاي رشيد).
وتنحدر » لالة لطيفة » وأخواتها من منطقة زايان الأمازيغية بوسط المملكة المغربية، وهن بنات أحد كبار شيوخ قبيلة زايان، والمعروف أن لطيفة أخت أمينة وحفصة ولدت باسم « فاطمة حمو » لكنها دُعيت لطيفة (تجنبا للخلط مع الزوجة الأولى للراحل الحسن الثاني وهي » لالة فاطمة بنت القائد أمهروق »).ومعلوم أن « عائلة لالة لطيفة »، معروفة بـ »عائلة أمحزون » التي يتمركز أفرادها بمنطقة الأطلس المتوسط، وتحديدا بعروس الأطلس مدينة « خنيفرة ».
« المشعل » انتقلت إلى عين المكان، تأسيسا على خيط تواصل مسترسل ظل مفتوحا باستمرار مع جملة من ضحايا « عائلة أمحزون »، حيث ربطت اتصالا مباشرا بالضحايا المتضررين من بطش أفراد من هذه العائلة ووقفت على حجم الضرر بالصوت والصورة.هذه الأحداث قد يبدو للبعض بسيطة في ظاهرها، قياسا مع الحجم الحقيقي للخروقات التي اقترفتها وتقترفها عناصر من هذه العائلة، لكنها تحفر عميقا في الجوهر لارتباط جزء مهم فيها بالكرامة والشرف، كأن يتجرأ أصهار الحسن الثاني وأقرباء محمد السادس من أمه، على سلب الزوجات من أزواجهن تحت تهديد السلاح ـ حسب تصريح لرئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بخنيفرة ـ إضافة إلى مشاهد أخرى لخروقات أكثر إثارة، لم ننشرها ضمن هذا الغلاف احتراما منا لرغبة ضحايا ما زال الخوف يسري في عروقهم مجرى الدم، وأحداث مماثلة تحمل أشكالا متعددة للوحشية، لم ننشرها هي الأخرى لعدم توفر الإثباتات الكافية، علما أنها على مجرى ألسنة الشارع الخنيفري.
إثر نزاعها حول الترامي على ملك الغير
وكيل الملك يعتقل مواطنا خوفا من تهديدات « حفصة أمحزون » بقتله أمام مركز الدرك
كثيرة هي سلسلة التجاوزات والفضائح التي تتصل خيوط دائرتها بأفراد عائلة « أمحزون »، والأشخاص الذين يدورون في فلكهم، حيث لا حديث يجري بأركان زوايا وفضاءات « عروس الأطلس » خنيفرة، دون أن يكون لفرد من هذه العائلة دور البطولة فيه، فيما تتوزع باقي الأدوار، الثانوية منها خصوصا، على شلة من الأتباع والمتملقين، ممن يحلقون تحت أجنحة هذه العائلة، علما أن أبطال « أمحزون » يتوفرون على مواهب خارقة في حبك خيوط الجريمة والتأسيس لها بناء على قوة النفوذ و ممارسة السلطان، والقدرة على اللعب فوق أسلاك القانون، والعزف أيضا على كل الحبال خارج المساءلة الجنائية، ونظرا لتعدد وتنوع مواهبهم تجدهم « يبدعون » بأساليب متنوعة في ميادين شتى.
ففي مجالات الرعي سجل بعضهم أرقاما قياسية في التسلل تحت ظلمة الليل لسرقة » الدواجن والأغنام »، ومنهم من حقق حضورا متميزا وقويا في نفس الميدان ، حيث مكنته مواهبه الجريئة من السطو على « قطعان الماشية » من تحت سقوف منازل أصحابها، على الطريقة الهوليودية في تصوير « أفلام الويستيرن » رعاة البقر.
وفي مجالات النصب والاحتيال سجلت عناصر أخرى من نفس العائلة، تقدما ملموسا في الرفع من عدد ضحاياها، كما أبدعت أيضا في نفخ المبالغ المالية المرتبطة بعمليات نصبها على المواطنين البسطاء، محققة بذلك شهرة « شوهه »واسعة، تسللت رواياتها ولاكتها ألسن المواطنين على امتداد ربوع المملكة. خاصة أن نشاطها في النصب شمل ميادين حساسة، بدءا من وزارة الداخلية بمختلف أجهزتها الأمنية، وفي مقدمتها الإدارة العامة للأمن الوطني، وصولا إلى مؤسسة الجيش وأسلاك البحرية الملكية.وفي مجالات الفلاحة تفننت شخصيات من العائلة ذاتها، في السطو على الأراضي وسلبها من أصحابها بشتى الطرق ومختلف الوسائل، تحت طائلة التهديد باللجوء إلى القضاء، وكذا برمي الضحايا في أقبية السجون بالقوة، وضدا على فصول القانون المغربي، كما هو الحال بالنسبة للفلاح حسن النوري (62 سنة)، الذي حاولت خالة الملك « حفصة أمحزون » استغلال قربها من القصر، للترامي على أرضه المسماة « تاغالفت » بطرق ملتوية وحقيرة للغاية، ولما دافع الفلاح عن أرضه، طاردته « حفصة » بسيارتها « رباعية الدفع »، فيما يشبه المطاردات البوليسية، في مشهد واضح من مشاهد الترعيب، وشكل من أشكال الترهيب حاولت من خلالهما « أمحزون »، تخويف ضحيتها وإجباره على التخلي عن أرضه المحاذية لأرضها.
بعد تدخل عناصر من الدرك الملكي بمركز »مريرت »، تم اعتقال الضحية ووضعه تحت الحراسة النظرية من طرف النيابة العامة، بناء على تهديد صريح من خالة الملك « حفصة أمحزون » لرجال الدرك، بأنها ستعمد إلى قتل « حسن النوري »، إذا ما تم إخلاء سبيله من قبل الضابطة القضائية، وتأكيدا لذلك نسوغ « فقرة » من محضر الدرك الملكي بمركز « مريرت » بخنيفرة، تحت رقم 234 (إن المشتكية » حفصة أمحزون » اعتصمت أمام باب مركزنا مطالبة باعتقال المشتكى به « حسن النوري »، وفي حالة خروجه سوف تقوم بقتله، وأمام هذا الوضع اتصلنا من جديد بالأستاذ خالد لشهب نائب وكيل الملك لدى مركزية مريرت فأصدر إلينا تعليماته بإبقاء المشتكى به بالمركز لتفادي أي مكروه)، مما يؤكد بكل وضوح أن قوة النفوذ وهيمنته قد تُجبر بعض المترتبين في سلك القضاء على اتخاذ قرارات خارج القانون، إرضاء لأمزجة هؤلاء « النافذين » في هرم المملكة، ولنا في « حفصة » نموذج حي يمكن القياس عليه في العديد من الحالات ذهب ضحيتها مواطنون بسطاء، لا لشيء سوى لأنهم دافعوا عن حقوقهم المشروعة أو رفضوا الخنوع للرغبات المجنونة لبعض « الواصلين ».
هكذا تم اعتقال المواطن « النوري » بمخفر مركز الدرك الملكي بـ »مريرت »، مدة يومين تحت الحراسة النظرية، طبقا للمادة 80 من قانون المسطرة الجنائية، علما أن أمر الاعتقال جاء بناء على رغبة « حفصة أمحزون » وليس تنفيذا للقانون من قبل حراس العدالة وجنود سليمان القائمين على حماية حقوق المواطنين.تناسلت خيوط هذه القضية وتداعياتها لما ضبط « حسن النوري » ذات يوم أحد أتباع « حفصة أمحزون »، متسللا ناحية « زريبة الماشية » وقد شرع في رسم معالم جديدة لشق طريق بها، بهدف تغيير ملامح حدودها، وهو الأمر الذي تدخل بموجبه « النوري » لمنعه من مواصلة فعلته في توسيع حدود مُشغلته « حفصة » على حساب أرضه، حيث أمسك بتلابيبه وأخرجه بعيدا عن حدود ملكيته، منبها إياه بعدم تكرار نفس الفعل.
إلا أن « الرباع » المدفوع من قبل « خالة الملك »، والمدعو »موحى بوسعيدي »، ورغبة منه في التصعيد لغرض في نفس مُشغلته، تقدم إلى مصالح الدرك الملكي بـ مريرت » بضواحي خنيفرة، بشكاية ضد « حسن » يتهمه فيها بـ » الضرب والجرح ».بناء على المعطيات السابقة تحركت شهية « حفصة » لحماية خادمها « بوسعيدي » من جهة، وطمعا في السطو على أرض المعني بالأمر من زاوية أخرى، وكذلك كان.
عمدت « خالة الملك » ـ حسب شهود عيان ـ إلى مضايقة ضحيتها « النوري » وهو بالمناسبة من مواليد مُستهل عام 1946، وذلك بافتعالها زوبعة من المشاكل لا أساس لها من الصحة، بهدف الترهيب والترعيب ليس إلا. فما كان من أمرها إلا أن تقدمت لوكيل الملك بابتدائية خنيفرة، بشكاية تتهم فيها حسن النوري بـ »الاعتداء الشنيع عليها بالضرب والجرح المُبرح، وتوجيه كلام فاحش يمس كرامة زوجها، والترامي على أملاك الغير بدون أي موجب شرعي ».مباشرة بعد ذلك استمرت في مطاردة « النوري » على طريقتها العنترية، وحسب تصريح لهذا الأخير مُثبت في محضر الضابطة القضائية رقم 237 بسرية الدرك الملكي بخنيفرة (بخصوص الترامي على ملك الغير، فكما سبق لي وأن صرحت فإن البقعة الأرضية موضوع النزاع فهي في ملكي والمشتكية « حفصة أمحزون » أرادت الترامي عليها، حيث رفعت ضدي شكاية لدى المحكمة الابتدائية بخنيفرة، ولم يتوقف الحد عند ذلك بل لاحقتني يومه 28/01/2007 حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء بسيارتها من مدينة خنيفرة إلى مدينة « مريرت »، وتحديدا بالقرب من محطة البنزين إفريقيا، حيث كانت دورية تابعة للدرك الملكي واقفة بعين المكان، فطلبت مني التوقف قصد التوجه إلى المكتب بالمركز كونها رفعت شكاية ضدي، لأفاجأ بـ »حفصة » وهي تتوجه نحوي، ودون سابق إنذار قامت بفتح باب سيارتي بقوة، مما دفعني إلى إغلاقه تفاديا لأية مواجهة، خاصة وأنها كانت في حالة قصوى من الهيجان، وقد تبادلنا السب والشتم، وعندما كنت أغلق باب سيارتي، من المحتمل أن يكون الباب قد أمسك بأصبعها، علما أنني لم أعتد عليها ولم أقُم بضربها كما تدعي. ومن المُحتمل أن الجرح الذي على أصبعها، ناتج عن إغلاق باب سيارتي عندما حاولت هي الاعتداء علي.)
الغريب في فصول هذه القضية أن « حفصة » قدمت شكايتها أمام العدالة، دون أن تترك لهذه الأخيرة فرصة القيام بواجبها في ضبط المشتكى بهم إذا ما رأت ضرورة لذلك، إنما شرعت شخصيا في مباشرة عملية إلقاء القبض على خصومها، ومن ثم انطلقت بسيارتها « رباعية الدفع » تلاحق « النوري »، والأغرب من ذلك أن هذا الفعل مُدون في أولى فقرات محضر سرية الدرك الملكي بخنيفرة، ونسُوقُها كما ورد ت حرفيا (بينما كنا نتواجد بملتقى الطريق الوطنية رقم 8 والإقليمية 7304، لاحظنا المشتكية « حفصة أمحزون » تلاحق المشتكى به « حسن النوري » على متن سيارتها، حيث كان هو الآخر على متن سيارته من نوع « ستروين برلينكو » فقمنا بإيقافهما، حيث طلبنا من المشتكى به الإدلاء بهويته للتأكد من صحتها، فوقع آنذاك خصام بينهما تبادلا من خلاله السب والشتم، ولما وصل الأمر إلى الاشتباك بالأيدي اضطررنا إلى التدخل، وطلبنا منهما مرافقتنا إلى مكتب مركزنا، وذلك تفاديا لأي مكروه، وعند وصولنا إلى المكتب على الساعة السادسة مساء فتحنا تحقيقا في الموضوع حيث استمعنا إلى » النوري حسن ».)
وبعد بحث دقيق في تفاصيل كل الجوانب المرتبطة بالشكاية التي رفعتها « حفصة » ضد « النوري »، تم استدعاء الشخوص الذين تعاقبوا على ملكية الأرض المتنازع حولها، وهم على التوالي (نوري عباس البائع الأول للأرض، الداودي مولاي هاشم المشتري الأول، عبد الرحمان البوعزاوي المشتري الثاني، حيث تم الاستماع إلى إفاداتهم في الموضوع، وبعد ذلك تم الاستماع أيضا للشهود من أصحاب الضيعات المجاورة للطرفين، وصولا إلى المعاينة الميدانية، حيث تأكد حسب المحضر الرسمي للدرك الملكي أن ( عند وصولنا إلى البقعة الأرضية موضوع النزاع حيث وجدنا الحدود في مكانها الأصلي، لم تتعرض للإتلاف ما عدا جزء من الجهة الجنوبية يقدر بمترين طولا، وعرضا بمتر واحد، في حين أن الحدود التي تطالب بها المشتكية فهي غير موجودة.)مما حذا بمحكمة خنيفرة إلى الاقتناع بافتراءات خالة الملك على جارها الفلاح، طمعا في الإستحواذ على بقعته الأرضية، واكتفت العدالة بمتابعة « النوري » في النقط المرتبطة بالضرب والجرح المبرح، والسب والقذف).
بعد نجاحه في الإيقاع بالعديد من الضحايا في فخهابن خالة الملك محمد السادس يتاجر في مناصب شغل وهمية
في مستهل سنة 2006، تنكر أحد رجال التعليم بمنطقة خنيفرة، المدعو »والخباز علي »، في جلباب « وسيط » من العيار الثقيل في الأعمال الاجتماعية، مُتجولا بين الناس يُروج للقدرات الهائلة التي يملكها صهره « جاهد » أحد أبناء « حفصة أمحزون » خالة الملك محمد السادس، في توفير مناصب شغل بمختلف الإدارات العمومية، بحكم انحداره من عائلة عريقة تستمد قوتها من علاقتها بالعائلة الملكية العلوية الشريفة، ملمحا إلى النفوذ الواسع الذي تتمتع به هذه العائلة داخل المملكة المغربية، وكان « الوسيط » يروج لنفوذ وسلطان « عائلة أمحزون » لأغراض دنيئة في نفسه.
بالنظر إلى الحجم الصغير لمدينة خنيفرة « عروس الأطلس المتوسط »، تدحرجت الإشاعة على ألسنة الناس بسرعة خاطفة وذابت بينهم كالملح في الماء، وأصبحت بحكم تدني مستوى الوعي بالمنطقة أشبه ما تكون بالروايات التي يتناقلها الركبان، فذاع صيت القدرات الخارقة لـ » جاهد » ابن خالة الملك، ومؤهلاته العملاقة في توظيف العاطلين وإنقاذهم من براثن البطالة ودروب الفقر والتهميش.
هذه الصورة الوردية التي روج لها « الوسيط » صهر ابن خالة الملك، أسالت لُعاب الكثير من أبناء المدينة والضواحي ودفعت بهم إلى البحث عن الخيوط المؤدية إلى عرين هذا « الفارس » الأبيض الذي سيحول جحيمهم إلى فردوس، وبطالتهم إلى وظائف محترمة تمنع عنهم شر العطالة وقصر اليد، كما سيحول قلة حيلتهم إلى قوة تمكنهم من مواجهة قساوة الحياة، وهكذا تناسلت الطلبات وتنوعت مطامع الراغبين في الاستفادة من مؤهلات هذا »الفارس »، مما سهل مأمورية « الوسيط » في تحين الفرص السمينة، وعرضها على الرأس المدبرة لتنظر في شأنها وتحدد القيمة المالية لأتعابها.هكذا كانت البداية، ومن ثم عجت سماء الوسيط « علي » بالضحايا، ممن يرغبون في الحصول على مناصب شغل محترمة وغيرها من الخدمات المختلفة والمتعددة، فما كان من أمره ـ حسب مصادر مطلعة ـ إلا أن أضحى يُوهم المواطنين أو بالأحرى الضحايا، بالعلاقة المباشرة لصهره « جاهد » بالقصر الملكي، ويده الطويلة داخل أجهزة الأمن، ونفوذه القوي في الإدارة العامة للأمن الوطني، وكذا بالبحرية الملكية.
ومن أبرز حالات النصب التي عرفتها مدينة خنيفرة في هذا المنحى، على يد هذا الوسيط وصهره ابن « حفصة أمحزون »، اللذين لازالا يتحركان بحرية مطلقة بالمدينة والضواحي:
1)السيد « بوستى عبد الكبير » نصب عليه في مبلغ « أربعون ألف درهم » (40.000)، مقابل نجاح ابنه بوستى عبد الله (حاصل على شهادة الباكالوريا) في مباراة مفتشي الشرطة.
2)السيد البكباش موحى وإبراهيم نصب عليه في مبلغ « ثمانون ألف درهم » (80.000) مقابل نجاح كل من ابنيه البكباش عبد الغاني و محمد (حاصلين على الإجازة)، في مباراة « ضباط شرطة ».
3)السيد سلاك امحمد اتفقت معه « فاطمة » زوجة « والخبار علي »، بعد مفاوضات مارطونية على مبلغ « أربعون ألف درهم » (40.000)، مقابل نجاح أخيه سلاك بناصر (غير حاصل على شهادة الباكالوريا) في مباراة « مفتشي الشرطة »، كما تم الاتفاق أيضا على مبلغ خمسة آلاف درهم (5000)، مقابل استخلاص « شهادة الباكالوريا » لفائدته نظرا لضرورتها ضمن شروط اجتيازالمباراة.4)السيد « آوجوج محمد » نصب عليه في مبلغ « ثمانية وثلاثون » ألف درهم (38.000) مقابل نجاح أخيه « آوجوج علي » (حاصل على شهادة الباكالوريا)، في مباراة ضباط الصف الخاصة بالبحرية الملكية.
5)السيد « المنصوري علي » سلب منه مبلغ « أربعون ألف درهم » (40.000) مقابل نجاح ابنه « المنصوري عزيز » (غير حاصل على شهادة الباكالوريا)، في مباراة « مفتشي الشرطة »، كما تم الاتفاق على مبلغ « خمسة آلاف درهم » (5.000) مقابل استخلاص شهادة الباكالوريا لفائدته.وارتباطا بالموضوع نُدرج ضمن هذه الورقة شهادة حية لـ « عبد الغاني البكباش »، أحد الضحايا الذين طالتهم آلة النصب باسم « ابن حفصة » خالة ملك البلاد، والتي ما تزال مسلطة سيفها على رقاب ساكنة مدينة خنيفرة وضواحيها، تحصد الضحايا على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الدراسية ومراكزهم الاجتماعية، خاصة وأن أبواب العدالة توصد في وجه كل من سقط صريع مصيدة « عائلة أمحزون ».
البكاش أحد ضحايا ابن خالة الملك
سلبنا أكثر من 30 مليون وأوهمنا بولوج أسلاك الشرطة دون اجتياز المباراة
فوجئنا مطلع عام 2006 بأحد الوسطاء المحترفين في عمليات النصب والاحتيال، يتسلل بين المواطنين بمدينة خنيفرة، في عمليات بحث دؤوب عن ضحايا جُدد يضيف أسماءَهم إلى أجندته المملوءة عن آخرها بالضحايا، ممن وقعوا في شراك نصبه وسيناريوهاته المفبركة. ويتعلق الأمر بالمدعو (والخباز علي)، المنتمي إلى « أسرة التعليم »، وهو بالمناسبة صهر المسمى « جاهد »، هذا الأخير تربطه آصرة قرابة بملك البلاد محمد السادس، وبالقصر الملكي على اعتبار أن أم الملك (لطيفة أمحزون) هي خالته. وهي الصفة التي دللت العقبات أمامه في الإيقاع بضحاياه عن طريق إقناعهم بأن سلطة نفوذه وسلطانه، بحكم قربه من البلاط الملكي، تصنع المعجزات وتُحول المستحيل إلى ممكن في مملكة محمد السادس.
في إطار نفس المأمورية تمكن المدعو « علي » من إقناعنا نحن خمسة من شباب منطقة خنيفرة، بالتدخل من أجل تمكيننا من وظائف بسلاليم الشرطة والبحرية الملكية، ولما تطور الأمر بيننا وتكثفت اللقاءات بالوسيط للتوافق حول المبالغ المالية التي سندفعها مقابل الخدمة إياها، حدد لنا الوسيط « علي » موعدا مع الرأس المدبرة للعملية برمتها وهو « جاهد » ابن خالة الملك، من أجل الشروع في تنفيذ الوعود التي ما فتئ يمهد لها صهره (والخباز علي). فعلا التقينا بجاهد الذي أكد لنا من جانبه أن له يدا طويلة جدا في مصالح الشرطة والبحرية الملكية وفي كل الإدارات داخل المملكة المغربية. مشيرا في الوقت ذاته أن بإمكانه إدماجنا في سلك الشرطة برتبة « ضابط »، بالنسبة لي ولأخي بحكم أننا حاصلون على « شهادة الإجازة »، دون المشاركة في المباراة الرسمية المخصصة لولوج أسلاك البوليس بالمملكة، وذلك مقابل مبلغ مالي حدده « جاهد » في (80.000) درهم بالنسبة لنا نحن الاثنين، وكان قد وعد في نفس اللقاء ضحية أخرى لم تكن تتوفر على « شهادة الباكلوريا » بإمكانية الحصول على هذه الشهادة مقابل إضافة 5000 درهم لاستخلاص ذات الشهادة، إضافة إلى 40.000 درهم المتفق عليها مسبقا ليصبح المبلغ 45.000 درهم. وكذلك الأمر بالنسبة لضحية أخرى كانت متواجدة معنا حيث وعده « جاهد » بإدماجه في أسلاك الشرطة المغربية برتبة « مفتش شرطة » مقابل 45.000 درهم. وآخر وعد بإدراجه في سلك البحرية الملكية مقابل 40.000 درهم.
وبعد انتهاء اللقاء حدد لنا « جاهد » موعدا آخر لتسليم المبالغ المتفق عليها، وبناء على المعطيات المتوفرة لدينا حول قرب « جاهد » من محيط القصر الملكي، وسلطانه الواسع النفوذ بمنطقة خنيفرة، لم نفكر ولو للحظة أننا سنتعرض لعملية نصب، كما لم تراودنا أيضا أية شكوك في أمره، الشيء الذي دفعنا إلى الوثوق بكلامه، وتصديق وعوده خاصة وأن رياح البطالة والعطالة قد أخذت منا مأخذها، فما كان من أمرنا إلا أن سلمناه المبالغ المذكورة، بالمقابل أمدّنا خمسة أظرفة تحتوي على استدعاءات، كل حسب الجهة التي وُعد بالتدرج بين أسلاكها، على أساس أن نتوجه جميعنا مباشرة إلى « المعهد الملكي للشرطة »، حيث سيكون نقطة تلاقينا مع « ابن خالة الملك »، حسب الخطة التي رسمها لنا هو شخصيا بإتقان، أو بالأحرى الشرك الذي نصبه لنا عن سبق إصرار وترصد.
توجهنا يوم 27/09/2006 جميعا إلى « المعهد الملكي للشرطة » على أمل أن يلتحق بنا « جاهد » حسب الاتفاق، لإتمام مهمته وترجمة أقواله إلى أفعال، بإلحاقنا مباشرة بصفوف الشرطة، إضافة إلى أنه وعدنا بالحضور إلى عين المكان صحبة أحد « الكولونيلات »، للأسف لم يأت لا « ابن حفصة أمحزون » ولا « الكولونيل »، فوقفنا النهار بطوله لا نلوي على شيء.
ومع ذلك حاولنا من موقعنا مرارا ربط الاتصال به عبر هاتفه المحمول، إلا أن العلبة الصوتية كانت تنوب عنه في الإجابة على اتصالاتنا التي فاقت العشرة، نفس الأمر بالنسبة لهاتف (والخباز علي).
انتقلنا مباشرة إلى منطقة « أكلموس » فلم نجد أي مخاطب هناك، حيث هرعنا على التوّ في اتجاه الوسيط (والخباز علي)، إلا أن هذا الأخير تبرأ نهائيا من « جاهد »، ملمحا إلى كونه هو الآخر قد نُصب عليه مثلنا تماما، ساعتها تأكد لنا جليا أننا تعرضنا نحن الخمسة لعملية نصب كبيرة في واضحة النهار حصد خلالها مبلغ 30 مليون سنتيم دفعة واحدة.لحظتها انطلق العداد العكسي لسيناريو محبوك حوله منفذوه ببراعتهم في تمثيل أدق تفاصيله إلى حقيقة مرة نتذوق علقمها بالعرض البطيء، حيث تحولنا من أصحاب حق منصوب عليهم إلى أناس ضعاف يبحثون عن وسيط أو عن أية وسيلة يسترجعون بها أموالهم من « جاهد »، وهي عملية تطلبت منا جهدا كبيرا طرقنا خلاله عدة أبواب من أجل تحقيقها، إلا أننا للأسف لم نوفق في الوصول إلى منفذ أو مخرج يمكننا من استرجاع أقساطنا المالية.
لما تأكد لنا بالواضح أن جميع الأبواب قد سدت في وجوهنا، وكذا المنافذ المؤدية إلى السبل والمساعي الحبية لطي الموضوع بالتي هي أحسن، توجهنا بشكايتنا إلى القضاء للفصل فيها طبقا للقوانين المعمول بها في المملكة، حيث وضعنا الشكاية لدى وكيل الملك بابتدائية خنيفرة، وكان أملنا في العدالة كبير جدا. للأسف، منذ ذلك الحين والملف يتأرجح بين رفوف النيابة العامة التي أجرت بحثا في الموضوع عن طريق الضابطة القضائية ومصالح الدرك الملكي بالمنطقة، وبعد أخد ورد تم تنقيل الملف إلى يد السيد الوكيل العام لجلالة الملك بمكناس، وخلال تتبعنا لخيوط انتقاله إلى مكناس حيث الوكيل العام واستفسارنا عن مآل شكوانا القضائية، أسر إلينا بعض كبار المسؤولين هناك بأن المدعو » جاهد » له نفوذ كبير وقوي جدا سواء في المحكمة أو لدى جهات عليا بالبلاد.وكذلك كان، فهاهو اليوم يصول ويجول في خنيفرة دون أن تتحرك الآلة القضائية ولا مصالح الأمن لإلقاء القبض عليه. وملفنا مازال مجمدا في رفوف « دار الحق » إلى يومنا هذا، علما أننا قدمناه أواخر سنة 2006.
الغريب في الأمر أن مصالح الدرك الملكي لم تقم باستجوابه حتى، مما يؤكد أنه ليس فوق القانون وحسب ، بل فوق رقاب المواطنين أيضا، حيث اكتفى الدرك فقط باستدعاء الوسيط (والخباز علي)، مع العلم أننا قدمنا الشكاية في حق »جاهد » والوسيط معا. وعلى الرغم من أن هذا الأخير أقر في محضر الاستماع إليه من قبل مصالح الدرك الملكي بخنيفرة، أن النصاب الحقيقي الذي تسلم المبالغ المالية هو « جاهد »، وتصريحات أخرى قوية تستوجب اعتقال « ابن خالة الملك »في الحال، إلا أن شيئا من هذا لم يحصل. حيث مازال الوضع على ما هو عليه في انتظار عدالة السماء.الأكيد أن ضحايا هذا « النصاب » كُثر، لكن قصور آلية العدالة في القبض عليه، يقف مانعا أمام تحريك دعاوى أخرى ضده من قبل أغلب هؤلاء الضحايا ممن سُلبت أموالهم بطرق مختلفة وأساليب حقيرة.. والحقيقة التي يجب الاعتراف بها بمنطقة خنيفرة، أن درجات الخوف التي تسري بين ضلوع غالبية هؤلاء المتضررين تمنعهم من مواجهة عائلة أمحزون ».
محمد بنحلو / فلاح بسيط بمنطقة خنيفرة لـ « المشعل »
زوج « خالة الملك » رئيس عصابة تهدد أملاك المواطنين وأرزاقهم بخنيفرة
يروي « محمد بنحلو » الفلاح البسيط بمنطقة آيت موسى آيت لحسن أوسعيد، بجماعة موحى وحمو الزياني بخنيفرة، تفاصيل مثيرة لحكاية اختلطت فيها عناصر استغلال النفوذ، ونماذج من اللعب خارج طوق القانون والتحدي السافر لدار العدالة، للإستحواذ على ممتلكات المواطنين البسطاء وزرع الرعب في منطقة بأكملها. حيث يسرد « بنحلو » مشاهد أحداث واقعية، تبدو قياسا مع الشعارات المرفوعة في بلادنا حول التحولات الديمقراطية وما شابه، أقرب ما تكون إلى الغريبة، حول سرقة شملت قطيعا من ماشيته تم السطو عليها من منزله تحت جناح الظلام، في أغرب عملية سطو شهدتها المنطقة كان بطلها ـ حسب رواية بنحلوـ زوج » أمينة أمحزون » خالة الملك.ورغم ضبط الدرك الملكي لعناصر الجريمة داخل ضيعة زوج « خالة الملك »، بحضور قائد المنطقة،ورغم مراسلة المتضرر لوزير العدل، عامل صاحب الجلالة على خنيفرة، القائد الممتاز بدائرة أحواز خنيفرة، الوزير الأول عباس الفاسي، وكيل الملك بابتدائية خنيفرة، الوكيل العام للملك باستئنافية مكناس و ديوان المظالم »، إضافة إلى رسالة مفصلة وجهت إلى جلالة الملك محمد السادس، لكنه لازال ينتظر الذي قد يأتي أو لا يأتي لإنصافه.
كيف تمت سرقة الماشية من الإسطبل دون أن تنتبهوا لذلك؟الحقيقة أنني استيقظت ذات صباح، وتحديدا يوم الخميس 07/08/2008، على صياح الأبناء وهم يصرخون باختفاء « قطيع النعاج » من الإسطبل، فأخبرني أحد الأولاد بأن « النعاج » قد سرقت عن آخرها، وكان عددها 23 رأسا، إضافة إلى خروف و 3 عنزات. وكانت أغلب النعاج « حبلى ». مباشرة بعد علمنا وتأكدنا من اختفاء القطيع انتشرنا في المنطقة في عملية بحث دقيقة وموسعة لمعرفة الوجهة التي آل إليها « قطيع النعاج »، وبعد مدة دامت قرابة الساعتين رجعنا إلى نقطة الصفر لا نلوي على شيء، باستثناء أحد أبنائي الذي عثر أثناء عودته على جثة « جدي » مذبوحا،وهو مُسجى على قارعة الطريق، فهرعنا جميعا إلى مكان الواقعة،فتأكد لنا أن الغنم لم تحمل على متن شاحنة أو أية وسيلة نقل أخرى. اهتدينا بحكم خبرتنا في الرعي ومعرفتنا الواسعة بالطرق التي تُسرق بها الماشية، إلى تقفي أثر أقدام القطيع، وكذلك كان، حتى وقفنا على ضفاف نهر أم الربيع.
وماذا بعد، هل عُدتُم أدراجكم؟بالعكس، تقفينا الأثر فوق جسر صغير، عبر الطريق المؤدية إلى منطقة « كهف النسور » و »أكلموس »، وبما أن سني لم يعد يسمح لي بالمشي طويلا، أمرت الأولاد بمواصلة البحث بسرعة حتى لا يبتعد اللصوص عن المنطقة، وهو ما تم بالفعل إلى أن وصلوا إلى إسطبل بـ « ضيعة » خالة الملك « أمينة أمحزون »، الذي يديره زوجها « محمد السرويتي »، وبعد أن التحقت بهم إلى عين المكان، وجدنا الأثر قد انتهى هناك، مما يعني أن « قطيع النعاج » يتواجد داخل « عرسة » أمينة أمحزون، ومع ذلك لم نجرؤ على اتهام الناس دون دليل، فأمرت أبنائي بمراقبة المكان جيدا، دون إثارة الانتباه، بينما قصدت مركز الدرك الملكي وأخبرتهم بجميع تفاصيل عملية السرقة التي تعرضت لها « نعاجي » بآيت موسى لحسن أو سعيد بجماعة موحى وحمو الزياني بخنيفرة، وكذا عن مراحل عملية البحث التي قمنا بها في الموضوع، مؤكدا لهم شكي في كون « النعاج » تتواجد بإسطبل « أمينة أمحزون »، وبناء عليه انتقلت صحبتي عناصر من الدرك الملكي إلى عين المكان، وتحسسنا، جميع الأماكن عن بُعد علّنا نقف على دليل إثبات يؤكد وجود غنمي بالداخل، للأسف لم نسمع ولو شيئا يؤكد ذلك، فغادر رجال الدرك المكان، بينما بقي الأبناء يحرسون المكان علهم يعثرون على ما يؤكد تواجد القطيع بالداخل، واستمروا على هذا الحال لمدة 3 أيام، حيث كانت المفاجأة الكبرى، أن رأى الأبناء أحد الكلاب وهو يجر جثة الخروف الصغير ضمن القطيع المسروق من داخل إسطبل »أمينة أمحزون »، ولما تعرفوا عليه اتصلوا بالدرك لمعاينة الواقعة في مكانها، وكذلك كان، ومع ذلك لم تتجرأ عناصر الدرك على اقتحام المكان، لكن الروائح الكريهة التي ملأت المكان جراء تعفن الجثث أجبر السلطات المحلية وعناصر الدرك الملكي على اقتحام المكان، حيث وجدنا القطيع « منحورا » عن آخره، حيث تم شق الصدر بواسطة آلة حادة، 23 نعجة أغلبهن « حبلى » تم الفتك بهن بطريقة وحشية ودسهن وسط أكوام التبن، مخافة تسلل أصواتهن خارج أسوار الإسطبل، وانفضاح أمرهم، لكن الروائح النتنة نتيجة تعفن الجثث كانت أقوى من الصياح والضجيج والثُّغاء.
كيف كانت ردة فعل السلطات المحلية والدرك؟حرر كل منهما تقريرا بمعرفته، ضبطا من خلاله عملية تواجد القطيع المسروق داخل إسطبل « أمينة أمحزون »، مسفوك الدماء بطريقة وحشية لدرجة أن بعض « النعاج » انفجرت من بطونها « الخراف التي كانت حبلى » بها، في مشهد مقزز للغاية، يؤكد أن اللصوص أرادوا إخفاء سرقتهم الخسيسة بواسطة اقترافهم لجريمة أكبر منها، ذهبت ضحيتها أعداد من الخراف والنعاج. وقد قامت السلطات والدرك بتصوير هذا المشهد المريب، وبعد ذلك تم إخراج القطيع من الإسطبل إلى الساحة المجاورة، حيث تم حرق الجثث درءا لانتشار الروائح الكريهة.
وتجدر الإشارة إلى أني كنت أصف لرجال الدرك العلامات الخاصة بكل نعجة للتأكيد بأن القطيع المقتول هو قطيعي حتى لا يتم تزوير الأمور في المستقبل.ماهي الإجراءات العملية التي قام بها مركز الدرك الملكي بخنيفرة؟
للأسف، لم تتخذ أية إجراءات عملية لإقرار الحق رغم ثبوت الأشياء ووضوح الأدلة ضد « محمد السرويتي » زوج خالة الملك، حيث ضبطت المسروقات في إسطبله وبعلمه أو ربما تم قتل القطيع بأمر منه، ومع ذلك لم تتحرك الآلة القانونية التي تحكم البلاد، لمساءلته واعتقاله جراء الأفعال المسنوبة إليه. مما يؤكد بكل المقاييس أن الرجل يعيش في المملكة بعيدا عن المساءلة، وخارج سلطة القانون وسلطان القضاء، مما يحفزه على « الإبداع » في أشكال السطو والعدوان والاحتقار والاستغلال وحتى التعذيب.ألم تتصل بك « أمينة أمحزون » أو أي فرد من عائلتها لإقناعك بالتراجع عن شكايتكم ؟
أجل، اتصلت بي « أمينة أمحزون » شخصيا، وكان ذلك أمام مقر الجمعية المغربية لمساندة المرضى المصابين بالقصور الكلوي بمركز تصفية الدم بخنيفرة، حيث وجدتها في حالة صحية جد متدهورة، فسألتني إذا ما كان زوجها السرويتي هو من قام بسرقة القطيع، فأعلمتها بأنه الفاعل الحقيقي ومدبر عملية السرقة منذ بدايتها، بل إنه رئيس عصابة تهدد أملاك المواطنين بالمنطقة، وكان هذا الحوار في حضور « السرويتي » وعلى مسامعه، فحاولت هذه الأخيرة الدفاع عنه، مُشيرة إلى أن الناس تتهمه بأشياء لا أساس لها من الصحة، مُبدية استعدادها للتفاوض معي حول تعويض القيمة المالية للقطيع، وهو الأمر الذي قبلتُ به، شريطة أن يكون التعويض مناسبا لحجم الضرر، مقابل أن أتنازل عن الشكاية المرفوعة لوكيل الملك وينتهي الأمر. فوافقت « أمحزون » على هذا الاقتراح ووعدتني بإتمام الإجراءات فيما بعد،وحددت موعدا في نفس ا ليوم على الساعة السادسة مساءا بمقهى « فندق النجاح »، لكنها لم تلتزم بالحضور حسب الاتفاق، وبعد مدة جاءتني إلى سوق المدينة، وأكدت لي صدق نيتها في تعويضي وإنهاء المشكل، فاتفقنا مرة أخرى على التنسيق مع أخ السرويتي » جمال »، وكذلك كان، حيث التقيت هذا الأخير وحددنا موعدا آخر بنفس الفندق للفصل نهائيا في الموضوع، إلا أنه للأسف لم يلتزم، مما يعني أني سلكت جميع السبل والمساعي الحميدة لفك النزاع خارج قاعات المحاكم ومخافر الدرك الملكي، للأسف وجدت هؤلاء يجتهدون لتمطيط الوقت ليس إلا.ألم تشتك هؤلاء إلى عامل صاحب الجلالة على إقليم خنيفرة؟
نعم، لقد لجأت إلى السيد العامل واستقبلني في مكتبه، وقلت له حرفيا (أنت ممثل صاحب الجلالة بالمنطقة وأنا من الفلاحين الصغار بالمنطقة، تم الاعتداء على قطيع غنمي وقتلها بعد سرقتها من قبل « السرويتي محمد » زوج « أمينة أمحزون » خالة الملك)، فأخبرني العامل بأنه على علم بكل تفاصيل الملف، حيث وجدته على بينة بكل صغيرة وكبيرة في الموضوع، بل إنه اتصل بالسرويتي هاتفيا في حديث دام أكثر من نصف ساعة، وحدد معه موعدا على مسمعي، الشيء الذي دفعني إلى إخباره بنيتي في تنظيم مسيرة احتجاجية أمام باب العمالة تنديدا بالمؤامرات الخسيسة التي تحاك ضد المواطنين من قبل « عائلة أمحزون » وأتباعها، فطلب مني العامل تأجيل أمر تنظيم هذه المسيرة إلى غاية طي الملف نهائيا، ثم غادرت العمالة إلى يومنا هذا، ولم يتصل بي عامل الإقليم ولو على سبيل المزاح حتى!كيف كانت ردة فعل وكيل جلالة الملك، لما توجهتم له بالشكاية؟
دخلت على وكيل الملك بابتدائية خنيفرة، لأقدم شكاية بخصوص ما حصل لي مع « محمد السرويتي »، فسألني الوكيل ضد من أقدم الشكاية، فقلت له ضد « عائلة أمحزون » فدقق معي في السؤال، حول من في عائلة أمحزون؟ فقلت له ضد « أمنية أمحزون » خالة الملك (خالة سيدنا الله ينصرو)، فوضع الوكيل رأسه بين يديه متأففا، ثم طلب مني التوجه إلى الدرك الملكي وتحديدا عند (لاجودان البقالي)، بعد أن تسلم مني الشكاية، فلما قصدت هذا الأخير طلب مني فتح محضر جديد بخصوص النازلة إياها، وكذلك كان، حيث فتحنا ملفا جديدا، ومع ذلك لا حياة لمن تنادي وكأننا نصارع جبلا من الحديد والإسمنت المسلم.للأسف لم نتوصل مند 11 غشت 2008 تاريخ وضع شكاية لدى الوكيل إلى يومنا هذا بأي خبر عن الموضوع، مما أجبرنا على اللجوء إلى جهات أخرى، كمراسلة وزير العدل، عامل صاحب الجلالة على خنيفرة، القائد الممتاز بدائرة أحواز خنيفرة، الوزير الأول عباس الفاسي، الوكيل العام للملك باستئنافية مكناس، ديوان المظالم، ثم رسالة مفصلة إلى الديوان الملكي لجلالة الملك محمد السادس. إلا أني لم أتوصل بأي جواب ماعدا « ديوان المظالم » الذي مكنني من رسالة موجهة لوكيل الملك، والتي تم بموجبها تحريك الشكاية الموضوعة بالمحكمة، كما تم على إثرها تحرير أمر باعتقال « محمد السرويتي »، لكن عملية تنفيذ الأمر من طرف السلطة التنفيذية بالمدينة والتي يمثلها عامل صاحب الجلالة،ظل معلقا ولم تنفذ أمر النيابة العامة باعتقال زوج خالة الملك، ومساءلته من أجل المنسوب إليه.
جمال بنحلو ابن صاحب القطيع المسروق يصرح لـ »المشعل »
عصابة زوج « خالة الملك » قتلت 23 نعجة بعد سرقتها ودست جثثها وسط أكوام التبن.يسرد « جمال بنحلو » ابن الضحية الذي تم السطو على « قطيع شياهه » وقتلها بوحشية، أدق التفاصيل لخيوط الجريمة البشعة التي كان بطلها الرئيسي زوج « خالة الملك »، حيث تسللت عصابة هذا الأخير إلى جوف مسكن الضحية، في مشهد أقرب إلى سيناريوهات الأفلام الهوليودية، التي تؤرشف لأشرطة عن الحياة البرية لـ »رعاة البقر »، وهم يتسللون تحت جناح الليل لسرقة « الماشية » من ضيعات أصحابها. لكن « جمال » يروي قصة مثيرة عاشها في واقعه اليومي، يؤرخ من خلالها لنماذج من الحياة المغربية التي تخللتها وتتخللها الكثير من النقط والفواصل، وخليط من علامات الاستفهام والتعجب، وسيل من علامات قف وإشارات المنع، مؤكدا بذلك مضمون الشائعة الرائجة عن المغرب » مادمت في المغرب فلا تستغرب ».
تلمستُ ومجموعة من إخوتي أثر وقع أقدام قطيع « النعاج »، إلى أن انقطع وقعه أمام إسطبل بضيعة « أمنية أمحزون »، وهو الأمر الذي قوى شكنا في تواجد قطيع الغنم داخل الضيعة إياها، ورغم ذلك ركزنا على تعميق التأكد أكثر من وقع الأثر، حتى لا يختلط علينا الأمر بأثر أقدام قطيع آخر، مما دفعنا إلى التوجه بالسؤال للجيران للوقوف معهم على الحقيقة، لكنهم أكدوا لنا بأن ليس هناك أي قطيع للغنم مرّ من ذات الطريق، فقط هي بقرة وعجل يعبرانها يوميا، وهي الشهادة التي بددت الشكوك التي حلقت فوق رؤوسنا، وأكدت لنا من زاوية أخرى تواجد قطيعنا داخل الضيعة، لكن الذي ظل ينقصنا هو تأكيد ذلك بالدليل والحجة. ولا يفوتني التذكير في هذه اللحظة بالذات أني لما وقفت بمحاذاة الضيعة، فاجأني أحد « الرباعة » ويدعى « أوسعيد »، دون أن أسأله عن القطيع المسروق، إذ بادر إلى تحذيري من اتهامه بـ »سرقة » أي نوع من الماشية، وهو الأمر الذي حرك الوساوس في رأسي من جديد، خاصة حول مصدر علمه ببحثي عن القطيع، علما أني لم أنبس بأية كلمة في الموضوع.. ومع ذلك لم أُبد له أي نوع من أنواع الشك والارتياب في أمره، وتأكيدا لذلك طلبت منه مد يد العون لنا في البحث عن قطيعنا المسروق، ولتضليلنا عمد « الرباع » إلى توجيهنا نحو وجهة معاكسة، على اعتبار أنه لاحظ بها وقع أثر لقطيع غنم ربما قد نهتدي من خلاله إلى الوجهة الحقيقية التي آلت إليها « النعاج »، ورغم يقيني من كذبه جاريته فيما يقول وأرسلت إخوتي في الاتجاه الذي أشار إليه، بينما وقفت في مكاني أرقبهم، فجأة رمقت ستة شبان انسلوا من قلب ضيعة » أمحزون » إلى الجهة الأخرى، وهم يركضون بسرعة جنونية كما لو كانوا يسابقون الريح، لاحظت أيضا من موقعي « أوسعيد » وهو يتحدث عبر الهاتف في حالة تؤكد عن بُعد أنه في موقف لا يُحسد عليه، بعدها ركب سيارته وانطلق بسرعة البرق، حيث ظهر من خلال حركاته وكأنه ينفذ أمرا عاجلا توصل به عبر الهاتف، ومنذ تلك اللحظة لم يظهر له أثر إلى الآن.
واصلنا حراسة المكان خلال ثلاثة أيام بلياليها، ترصدنا فيها جميع الحركات والسكنات وأحصينا كل الأنفاس التي تحوم حول الضيعة، والأمل يحذونا في التوصل إلى دليل مادي يؤكد صحة وجود قطيعنا « المسروق »داخل الإسطبل، لعلمنا أنه طالما لم يظهر أي دليل مادي على تواجد الغنم داخل الضيعة، لن نتمكن من القيام بأية مبادرة لولوج المكان.
الذي جرى داخل الضيعة أن اللصوص لما شعروا بالخطر، وعلموا بوجودنا وتطويقنا للضيعة، عمدوا إلى قتل « النعاج » وليس « ذبحها »، درءا منهم لأية حركة قد تثير الضجيج وتفضح المستور، وبعد ذلك دسوا الجثث وسط أكوام التبن، اعتقادا منهم بأن خطة القتل ستجعلهم ينسلون من عملية السرقة كـ « الشعرة من العجين »، لكن بعد مرور ثلاثة أيام تعفنت جثث « النعاج »، وفاحت روائحها الكريهة على طول مئات الأمتار بالمناطق المجاورة، هكذا تسللت إلى أنوفنا فاضحة « المستور » مباشرة بعد تسربها خارج أسوار الضيعة.
ونحن نتشاور حول الطريقة التي تمكننا من التأكد أكثر، كون الرائحة إياها، منبعثة من جثث « نعاجنا »، لفت انتباهنا كلب وهو يجر خروفا بين أكوام التبن داخل الضيعة، وبحكم معرفتنا للخروف تأكدنا أن الروائح المنبعثة من جوف الضيعة هي للقطيع الذي نبحث عنه، فقمنا على وجه السرعة بإخبار رجال الدرك الملكي، وقائد المنطقة بالأمر فحضروا إلى عين المكان، ومع ذلك لم يتجرؤوا على اقتحامه، لكن قوة الروائح الكريهة أجبرتهم على ذلك، والبقية سردها لكم والدي.
-
Maroc : Agiter l’épouvantail du terrorisme et du narcotrafic pour justifier l’occupation du Sahara Occidental
S’il y a un moyen de mesurer la température et l’état de santé du Makhzen, c’est bien sa campagne de propagande, pour ne pas dire campagne d’intoxication. Pour cela, il dispose d’un relais considérable grâce à la presse assujettie qui reprend allègrement le discours officiel et de le maintenir visible sur la toile pendant plusieurs jours.Depuis hier, les caisses de résonance du Makhzen parle de la découverte d’une tentative de construction d’un aéroport dans la région de Boujdour pour accueillir les cargaisons de cocaïne.Acculées dans la question du Sahara Occidental et effrayé par la dernière déclaration de John Bolton sur la MINURSO, les autorités du Maroc tentent de convaincre la communauté internationale que l’indépendance de ce territoire pourrait être accompagnée du risque de conversion en foyer du trafic de cocaïne.Avec cette annonce de la MAP, Rabat répète le scénario d’Amgala. Si à Boujdour, le Maroc a agi l’épouvantail de la drogue, à Amgala c’était plutôt celui du terrorisme. Le strtagème d’Amgala n’a pas marché. Celui de Boujdour, le Makhzen peut toujours rever, puisque c’est gratuit.Au même temps, Rabat menace d’acheter des armes sophistiquées de la Russie et il ouvre le feu avec l’autre arme à sa main : la migration en baissant la garde des côtes.Se sentant menacé, le Maroc est en train d’utiliser toutes ses cartes dans l’espoir de garder le contrôle du territoire sahraoui si riche en phosphates, un produit dont l’avenir s’avère de plus en plus alléchant. -
Révélations : Comment le Maroc fait pression sur l’Union européenne afin de revendiquer le Sahara occidental
Traduction d’un article publié par le magazine en ligne EUObserver le 22/11/2018.Les locaux bruxellois du cabinet de lobby Hill + Knowlton Strategies abritent une fondation internationale utilisée comme officine par l’État marocain. La fondation y dispose d’un espace de quelques mètres carrés.La Fondation EuroMedA, a été inaugurée cet été et est une idée originale de l’eurodéputé socialiste français Gilles Pargneaux. Son objectif est de créer un forum de discussion sur les moyens de combler les écarts grandissants entre l’Afrique et l’Union européenne sur des questions telles que les migrations et le changement climatique.« C’était une proposition personnelle de ma part – et cela n’a rien à voir avec le Maroc », a déclaré Pargneaux au magazine EU Observer le mardi 20 novembre, ajoutant que la fondation n’était aucunement liée à son travail de député européen.Mais en réalité, cette fondation s’intègre dans une stratégie plus large visant à influencer un vote stratégique du Parlement européen visant à étendre au territoire du Sahara Occidental l’accord de libéralisation entre le Maroc et l’Union européenne.La négociatrice en chef du Parlement concernant cet accord commercial, l’eurodéputée libérale française Patricia Lalonde, fait également partie du conseil d’administration d’EuroMedA avec d’autres anciens ministres marocains et un haut responsable du ministère marocain de l’Agriculture.Et jeudi, Salaheddine Mezouar, l’ex-ministre marocain de l’Industrie et des Affaires étrangères, qui dirige désormais un lobby basé à Casablanca défendant et représentant les intérêts des entreprises marocaines, était nommé vice-président d’EuroMedA.La fondation n’est pas inscrite dans le registre des lobbyis de l’UE. La semaine dernière, M. Pargneaux et deux autres eurodéputés d’EuroMedA ont déposé ensemble un amendement au projet d’accord commercial de Lalonde, proposant un mécanisme de contrôle pour le traçage des exportations agricoles du Sahara occidental vers l’Europe.L’accord commercial est controversé car il s’étend au Sahara occidental, une région à peu près de la taille du Royaume-Uni. Il a été envahi en 1975 par le Maroc, déclenchant un conflit brutal avec les Sahraoui locaux. En 1991, un fragile accord de cessez-le-feu mettait un terme au conflit armé.Bien que les Nations Unies ne reconnaissent pas la souveraineté du Maroc sur le Sahara occidental, l’Union européenne a conclu des accords commerciaux avec Rabat afin d’exploiter les ressources de la région. Or en 2016, la Cour de justice de l’UE a déclaré que l’accord de commerce UE-Maroc portant sur les produits agricoles ne pouvait pas s’appliquer au Sahara Occidental.Un an plus tard, l’accord de pêche UE-Maroc était également jugé illégal. Pargneaux admet que le Sahara occidental n’appartient pas au Maroc et le décrit comme un « no man’s land n’appartenant à personne » Dans le même temps, il félicite le Maroc d’avoir investi pour développer la région.La Commission européenne a depuis relancé un nouvel accord commercial dans le secteur agricole, connu sous le nom d’Accord d’association UE-Maroc, qui part du principe qu’elle doit d’abord obtenir le consentement des Sahraouis. Il doit maintenant obtenir l’approbation du Parlement européen, qui doit se prononcer à ce sujet au mois de janvier.Le Maroc a intérêt à ce que cet accord d’association soit signé car il ouvre la voie à un accord beaucoup plus important et plus lucratif concernant la pêche.Le peupleLa diversité des membres de la Fondation EuroMedA, compte tenu des sensibilités politiques sur le Sahara occidental, démontre que le Maroc entend exercer une influence directe sur le processus décisionnel au niveau européen.Salaheddine Mezouar est vice-président d’EuroMedA. Il s’agit de l’ex-ministre des Affaires étrangères du Maroc. Il était également ministre des finances du pays, ainsi que ministre du Commerce et de l’Industrie. Jusqu’en 2016, il dirigeait un parti politique fondé par le beau-frère du roi Hassan II.Il dirige aujourd’hui la CGEM, un groupe de pression basé à Casablanca qui représente des milliers d’entreprises marocaines. Sa mission prioritaire « est de défendre à l’étranger les intérêts économiques des entreprises marocaines ».L’un des fondateurs d’EuroMedA est l’ancien ministre marocain de la Santé, Mohamed Cheikh Biadillah. Biadillah a été élu secrétaire général du PAM, un parti politique marocain surnommé le «parti du palais» dû ai fait que le PAM suit fidèlement la ligne monarchique de Rabat dans la région du Sahara occidental.Dans sa jeunesse, Biadillah faisait également partie d’un mouvement étudiant marocain qui a contribué à lancer le Front Polisario, le bras politique du peuple sahraoui en exil, dont beaucoup se sont réfugiés en Algérie, pays voisin. Son propre frère conserve un rôle influent au sein du Polisario.Mais aujourd’hui, Biadillah souhaite le démantèlement du régime sahraoui en exil, dont le siège de gouvernement autoproclamé se situe dans les camps de réfugiés dispersés dans le désert algérien. Un autre membre fondateur d’EuroMedA est Alain Berger, directeur principal de Hill + Knowlton Strategies.Il a confié à the EU Observer que la fondation sous-louait des bureaux dans le cadre d’un contrat « dans des conditions de libre concurrence » conclu avec le cabinet de conseil – à une courte distance de marche du Parlement européen. En 2016, le Maroc a versé à Hill + Knowltonentre 200 000 et 300 000 € de frais de lobby. À l’époque, c’était l’un de leurs plus gros clients à Bruxelles. Aujourd’hui, Berger est le secrétaire général d’EuroMedA.Pargneaux a par le passé fait équipe avec Berger sur d’autres questions telles que l’environnement, indiquant à EUobserver que leurs liens familiaux avec le Maroc étaient l’une des raisons qui les avaient rapprochés. « Nous n’avons toujours pas de compte bancaire, nous n’avons donc pas encore de budget [pour la fondation] », a déclaré Pargneaux, ajoutant qu’il espérait pouvoir financer un jour des ONG travaillant avec des migrants en Espagne, en Italie, au sud de la Tunisie ainsi que des projets d’intégration au Maroc.La société marocaine de l’industrie chimique et minière à 5 milliards d’eurosEuroMedA collabore également avec un think tank créé par le groupe OCP, un monopole de 5 milliards d’euros dans le secteur de la chimie et de l’extraction minière appartenant à l’État marocain. La société minière a elle-même déjà fait l’objet de controverses dans le cadre de ses activités de lobbying à Washington DC – s’est désormais installée au Parlement européen.À travers sa fondation, Pargneaux a invité à deux reprises le think tank OCP, l’OCP Policy Center, à mener une discussion au Parlement européen, soulignant l’importance stratégique de maintenir les relations de l’UE avec le Maroc. Ces relations incluent le rôle du Maroc dans les énergies renouvelables, la lutte contre les migrations, la répression des cellules terroristes et la déradicalisation.Ces arguments influencent les décideurs politiques de l’Union européenne qui leur prêtent une oreile attentive. Cela contribue à rendre le sort du Sahraoui vivant au Sahara occidental d’autant plus insignifiant. Le numéro d’équilibriste a été présenté plus tôt cette année par Lalonde, qui siège au puissant comité du parlement sur le commerce international.« Nous avons beaucoup d’intérêts communs, en particulier en ce qui concerne l’immigration et la sécurité ainsi que la radicalisation et le terrorisme« , a-t-elle déclaré, à la suite d’une question sur l’importance des relations Maroc-UE. « Nous devons prouver sur le terrain que le peuple du Sahara occidental bénéficient de l’accord commercial« , a-t-elle ajouté.Étant donné qu’elle est l’eurodéputée chargée de suivre l’accord commercial, ses déclarations façonneront la position générale du Parlement européen. L’accord vise à réduire les droits de douane sur des produits comme les tomates et les huiles de poisson exportés du territoire litigieux.Cependant, le fait que Lalonde soit membre du conseil d’administration d’EuroMedA remet en cause sa neutralité en tant que rapporteur sur un dossier aussi épineux. La Roumaine Romana-Nicole Manescu, eurodéputée de centre-droit, et la libérale belge Frédérique Ries, sont également membres de la fondation EuroMedA.La Cour et le consentementL’UE et le Maroc exploitaient les eaux poissonneuses et les réserves de phosphate du territoire occupé depuis des décennies jusqu’à ce que la Cour de justice de l’UE juge l’accord de commerce illégal. Le Sahara occidental est divisé par un mur de défense de 2 700 km, érigé par l’armée marocaine. Certains Sahraouis vivent dans la zone sous contrôle marocain, tandis que d’autres vivent dans des camps de réfugiés dans le désert algérien.L’arrêt de la Cour a compliqué les négociations commerciales car il signifie que la Commission européenne doit d’abord obtenir le consentement du peuple sahraoui avant de parvenir à un accord avec Rabat. Dans ce cadre, la Commission affirme avoir consulté quelque 112 organisations au Maroc. « Parmi ces organisations [112] figurait notre propre organisation alors que n’avions pas pris part à la consultation« , a déclaré Sara Eyckmans de Western Sahara Resource Watch, une ONG basée au Royaume-Uni.Eyckmans a déclaré que la Commission n’avait en réalité consulté que 18 groupes, parmi lesquels figurait la plus grande société minière du Maroc, le groupe OCP. Lalonde avait elle-même conduit un petit groupe de députés européens au Maroc pour mener un exercice similaire en septembre. Les choses se sont gâtées quand des activistes sahraouis ont été brutalisés par la police marocaine pour avoir parlé à l’un des eurodéputés, la Finlandaise du parti Vert, Heidi Hautala.« Tout cela s’est passé pendant que la délégation du Parlement savourait une nourriture somptueuse des autorités locales installées au Maroc« , a écrit Hautala dans un article d’opinion sur the EU Observer. Complexifiant un peu plus le dossier, les services juridiques du Parlement européen ont mis en doute le fait que le consentement des Sahraouis avait effectivement été obtenu.Par ailleurs, les négociations commerciales entre la Commission et le Maroc se limitent à la partie du Sahara occidental sous contrôle marocain et excluent donc un tiers du territoire. Cela signifie que si l’accord commercial devait être conclu, les tarifs préférentiels ne s’appliqueraient pas aux zones du Sahara occidental non contrôlées par le Maroc.« Ce serait comme si l’UE négociait un accord commercial avec la Nouvelle-Zélande pour l’Australie et l’appliquait uniquement à la Tasmanie », selon Western Sahara Resource Watch.Amendements hostilesPendant ce temps, les quatre commissions du Parlement européen travaillant sur le rapport de décembre sous également mis sous pression par le Maroc. Le mois dernier, l’ambassadeur du Maroc en Autriche, Lotfi Bouchaara, a lancé un avertissement aux députés européens siégeant au sein de la commission Agriculture du Parlement.Les députés devaient donner leurs recommandations qui alimenteraient le vote sur l’accord commercial. Dans une lettre, vue par EUobserver, Bouchaara a décrit des dizaines d’amendements, déposés par tous les groupes politiques, comme « hostiles » et motivés par des considérations politiques.Il a averti que les relations entre l’UE et le Maroc risquaient de s’effriter, suggérant que la lutte de Rabat contre le terrorisme, les flux migratoires et les questions de sécurité au profit de l’UE était désormais en danger. La menace de Bouchaara a peut-être payé. La semaine dernière, la commission a voté en faveur de l’extension de l’accord commercial, malgré la question du Sahara occidental.Cela soulève des questions quant au rôle du Parlement européen chargé de défendre les droits fondamentaux des minorités dans le monde. L’eurodéputé écologiste autrichien Thomas Waitz, membre de la commission de l’agriculture, a déclaré qu’il semblait de plus en plus probable que le rapport final de décembre serait en faveur du Maroc.Il a déclaré qu’accepter de permettre aux agriculteurs marocains installés sur le territoire disputé de vendre leurs produits en Europe permettrait de préparer le terrain pour des accords beaucoup plus importants et plus lucratifs dans le secteur de la pêche.« Les chalutiers et les entreprises françaises et espagnoles ont tout intérêt à obtenir ces droits de pêche. Des accords sont déjà en cours entre le Maroc et des entreprises françaises et espagnoles pour le chalutage dans ces fonds marins« , a-t-il déclaré.Cela signifie que le Maroc pourrait à nouveau recevoir chaque année des millions d’euros des fonds européens en échange de l’autorisation pour les chalutiers européens de pêcher au large de côtes qui ne lui appartiennent pas. -
« الدعارة في المغرب »…
لعل الهجوم المسعور الذي طال مؤخرا فيلم »الزين اللي فيك » الذي يتناول بكل مصداقية و تجرد آفة الدعارة في المغرب, كفيل بأن يوضح لنا مدى نفاق و شيزوفرينية هذا الشعب « التائه », بين الاسلام و قيمه و أخلاقه المزعومة من جهة, و بين مرتبة ثاني دولة في ممارسة الدعارة على المستوى العالمي من جهة أخرى…
فبمجرد خروج بضع مقاطع من الفيلم المثير للجدل,تعالت أصوات المنافقين الذين مازالوا يقتاتون على ثقافة »الحشومة »و دس الرؤوس في الرمال,والاختباء وراء الخندق الأخير الذي بقي لهم ألا و هو الاسلام الذي تعرض على يد أمثالهم لبهدلة لم يسبقهم اليها أحد من العالمين,الاسلام الذي يشرعنون به الاستبداد و الفساد و اغتصاب حق المواطن و نهب قوته و تسليع المرأة و »التاقواديت »بكل أشكالها.
في نظري فذلك الفيلم لا يجسد فقط واقعا اجتماعيا معاشا في هذا البلد السعيد, بل سياسة عليا عند حكام هذا البلد و على رأسهم القواد محمد السادس, و أحد أعمدة و ركائز الاقتصاد في المملكة الشريفة, اضافة طبعا الى انتاج المخدرات و تصديرها,و لغة الاحصائيات واضحة في هذا المجال,حيث صار المغرب ثاني دولة في الدعارة على الصعيد العالمي..فأين يختبئ النابحون أمام هذه الحقيقة؟أين اسلامكم و قيمكم بل أين كرامتكم و انسانيتكم قبل كل شيء يا شعب المنافقين و القوادين؟
و لماذا يخرس الجميع عندما يتعلق الأمر بالمجرمين و المسؤولين الحقيقيين عن هذا الواقع, و أولهم معبودهم القواد الهمام,محمد السادس,راعي الدعارة و البيدوفيليا في المغرب هو و حاشيته من أجراء الاستعمار؟و الذي يستقدم أمراء الخليج و أثريائهم لاغتصاب بناتكم القاصرات في قصوره و اقاماته و فنادقه تحت حماية السلطات,و يتلقى أتعابه على شكل هبات و مساعدات يضع قسما منها في حساباته السرية,و الباقي يصرف عليكم؟به تأكلون خبزكم و به تبنى مساجدكم التي تسجدون فيها خمس مرات في اليوم و يتلقى أئمتكم و فقهاؤكم رواتبهم السمينة كل شهر؟
من المعلوم أن الدعارة بوصفها « أقدم مهنة في التاريخ », موجودة في كل مكان و زمان, لكن الاشكال في المغرب يتعدى كونها مجرد ظاهرة فئوية تقتصر على أقلية اجتماعية محددة, بل يصل الى حد جعلها نمط حياة و مصدرا للدخل القار عند الكثير من فئات هذا الشعب المغبون بأغنيائه و فقرائه,و أيضا سياسة اقتصادية عليا في هذا البلد الذي جعل منه المخزن الحقير و على رأسه »أمير المؤمنين »القواد محمد السادس ماخورا كبيرا تشد له الرحال من كل أصقاع الأرض و من كل فج عميق,مما جعل المغاربة يخجلون من الكشف عن جنسيتهم في بلدان أخرى لأن شبهة الدعارة صارت لصيقة بالمغربي و محصورة به..
و لا يفوتنا الحديث هنا عن نوع آخر من الدعارة غير الذي يعرفه الجميع, ألا و هو الدعارة الراقية التي تمارسها علية القوم في المغرب, ليس طلبا للمال, بل حفاظا على المصالح الاقتصادية و السياسية الكبرى التي تجمع العصابة المخزنية بكل مكوناتها مع شركائها في الخارج من أمراء الخليج, و أثرياء اليهود في فرنسا و أمريكا, الذين يصنعون القرار العالمي عن طريق لوبيات الضغط, و هذه الدعارة تمارسها كل مكونات العصابة الحاكمة في المغرب, من كبار الضباط و الجنرالات و الأمنيين و الاداريين,مرورا بالعائلات المخزنية المعروفة التي تسيطر على اقتصاد البلد, و وصولا الى قمة الهرم أي العائلة الحاكمة…كل هؤلاء يدفعون ببناتهم و نسائهم لممارسة الدعارة مع الأطراف السالفة الذكر تعزيزا للنفوذ, و طلبا للحماية و التغطية الدوليتين.
ختاما يبقى أن نشير الى أن الشعب المغربي أيضا يتحمل جانبا مهما من المسؤولية في هذه المأساة التي وصل اليها حال البلاد,فبكل صراحة و دون تحامل,فالشعب المغربي يعتبر من أرخص الشعوب و أحقرها,شعب يسهل تسليعه و استعباده و المتاجرة في أرضه و عرضه من طرف حكامه دون أي مقاومة تذكر,لا بل زيادة على كل هذا يصفقون و يركعون لهم و يقدسونهم و يبيعونهم شرفهم و شرف نسائهم و أولادهم, و لعل العفو الملكي عن مغتصب الأطفال و ردود الفعل الهزيلة التي تلته خير دليل على هذا الكلام, فالكل شاهد كيف ذهب آباء الضحايا للركوع و تقبيل الأيادي, و قبضوا ثمن كرامة و شرف أطفالهم بالدرهم…
و لنا في الشعب الجزائري الذي لا يبعد كثيرا عنا لا جغرافيا و لا ثقافيا خير مثال..
لماذا لا يقصد خنازير الخليج الجارة الجزائر لاشباع نزواتهم و تفريغ كبتهم؟و لماذا لا يركع الجزائريون لحكامهم؟أجيبوا عن هذا السؤال المزدوج يا معشر القوادين,يا شعب العبيد و العاهرات..
-
الحسن الثاني والشعوذة
هناك جانب من شخصية الراحل الحسن الثاني استعصى فهمه على الغربيين، وهو المرتبط بتشبثه ببعض المعتقدات المطبوعة بالشعوذة.
كانت حياة الملك الراحل الحسن الثاني اليومية رفقة المقربين منه والمحيطين به وحاشيته وحريمه لا تخلو من ممارسات وتصرفات تطبعها الشعوذة بحدة. وبعيدا عن صورة الملك الماسك بزمام الأمور بيد من حديد والملك العصري المتشبع بالثقافة الغربية عموما، والفرنكفونية على وجه الخصوص، تتراءى بعض معالم الحسن الثاني الإنسان المهتم أحيانا بما يرتبط بالسحر والشعوذة وبعض الاعتقادات الخرافية.لقد أفادنا التاريخ أن السلطة كانت دوما تستعين بالخرافة والشعوذة والسحر بموازاة مع استعمال القوة والمكر السياسي والتخطيط لدوام التمسك بزمام الحكم.
ورغم أن الراحل الحسن الثاني كان عقلانيا و »كارتيزيا » في تعامله مع الغرب وتعاطيه مع قضايا العصر والاقتصاد، فإنه في أكثر من تصرف، وعلى فترات متباعدة، أبدى أنه لا يقتصر على الاعتراف بسلطة العقل فقط، بل ثبت أكثر من مرة، أنه لجأ إلى سلطان الشعوذة والسحر، سيما بخصوص الأمور التي يعجز العقل والدهاء والتخطيط عن رسم معالم مستقبلها.وهناك روايات كثيرة حفظتها الذاكرة الجماعية، وردت على أكثر من لسان ممن عاشوا داخل القصر أو كانوا مقربين من الملك ومطلعين على ما يجري ويدور خلف أسوار البلاط.
وقد احتار الكثير من الغربيين، خصوصا الفرنسيون منهم في تصنيف شخصية الملك الراحل الحسن الثاني بالشخصية المزدوجة إلى حد الانفصام، إذ بدا لهم أنه يفوق أي مغربي في تجسيد العصرنة والحداثة، إذ لم يكن يظهر أحد بالمغرب عصريا أكثر منه، كان يتكلم فرنسية راقية لا يتكلمها الكثير من الفرنسيين أنفسهم، كما كان مستوعبا لثقافة عصره ومعارفه، لكنه في نفس الوقت كان يبدو أحيانا محافظا أكثر من أعتى المحافظين، ومتشبثا بالتقاليد والأعراف الغارقة في القدم، التي لا يستسيغها العقل، من قبيل الإيمان بجملة من الخرافات والاعتداد بالشعوذة أو اللجوء إلى السحر.أكثر من جهة أكدت اهتمام الملك الراحل الحسن الثاني بعوالم السحر والشعوذة الغامضة وبحثه وتنقيبه عن الفقهاء والعرافين والمنجمين والمشعوذين، الذين كان بعضهم يجتهدون في عرض خدماتهم ومهاراتهم على البلاط ورجال السلطة وأكبر المسؤولين.
إن رجال السياسة والاقتصاد والمسؤولين الكبار، يلجأون إلى خدمات السحرة في اللحظات التي يشتد فيها التنافس والصراع أو يبرز خلالها غضب الحاكم. علما أن السحر والشعوذة، ليست ظاهرة مقتصرة على المغرب والقيمين عليه، وإنما هي ظاهرة عالمية، فحتى أقوى الحكام والزعماء، عبر التاريخ، لجأوا إليه، فنابليون وهتلر على سبيل المثال لا الحصر، ذاع صيتهما في مجال الاستنجاد بالسحر والشعوذة، كما أن العين المرسومة على الدولار الأمريكي كان الغرض الأصلي منها هو درء حسد الحساد في بلد يعتبر برغماتيا وعقلانيا أكثر من غيره.
الملوك العلويون لا يعبرون واد ماسة
من المعتقدات الغريبة التي حرص الملك الراحل الحسن الثاني على احترامها عدم عبور واد ماسة، إذ ساد أن عبوره قد يكون سببا في إلحاق ضرر ما بالملك أو أحد أفراد العائلة الملكية.
حسب هذا الاعتقاد لو قام ملك علوي بعبور هذا النهر، في أي وقت من السنة، من شأن هذا الفعل أن يؤدي إلى تحريك آلية الشرور التي يمكن أن تلحق بالملك أو أسرته أو محيطه المقرب بأضرار، خلال ما تبقى من السنة التي خالف فيها الملك هذا العرف.
ومن المعلوم أن الملك الراحل الحسن الثاني لم يسبق أن عرف عنه أنه عبر واد ماسة، وفي زياراته لجنوب المغرب، حينما كان يصل الموكب الملكي إلى قنطرة واد ماسة الكائنة بالطريق الرابطة بين آيت ملول وتزنيت، يغادر الملك موكبه ليمتطي طائرة مروحية تتجه صوب البحر ومبتعدة مسافة كبيرة عن مصب النهر ثم تعود إلى اليابسة لتحط بالضفة الأخرى لواد ماسة وذلك تلافيا لعبوره، سواء كان الملك آتيا من الشمال في اتجاه الجنوب أو العكس.« التبارود »
في بداية عهد الملك الراحل الحسن الثاني ساد اعتقاد يفيد أن جسده محمي بقوة خارقة تمنع عنه الضرر ولو باستعمال السلاح، أبيض كان أو ناريا، وذلك بفعل ما ينعت بـ « التبارود ».
و »التبارود » سحر مكون من أحجبة وخليط خاص، وصفته سرية، ملك سرها القليل جدا من الفقهاء وتوارثوها فيما بينهم حرصا على عدم تداولها.
ويخضع تهييئها لمجموعة من الطقوس لا يعلم مكوناتها ومقاديرها وطريقة إعدادها إلا بعض الخاصة من الفقهاء، وينعتها الكثيرون من العلماء بنوع من أنواع السحر الأسود، علمه بحوزة أدهى السحرة.
وقد شاع في بعض الأوساط الخاصة أن « خلطة التبارود » تهيأ في إحدى ليالي شهر رمضان وفي لحظة معينة لا يعلمها إلا الراسخون في « علم الدمياطي » و »فنون » السحر الأسود. وقد قيل، من يستفيد من هذه الوصفة لا يصيبه أذى أي سلاح أبيض أو ناري (سيف، خنجر، ساطور، رصاص، قاذفة…).وحسب العالمين بأمور السحر الأسود، إن جدوى « التبارود » ليست مرتبطة فقط بالخلطة المذكورة ووصفتها وظروف وطقوس وتوقيت إعدادها، وإنما تستوجب كذلك أحجبة وتمائم يتم إعدادها من طرف جهابدة السحر الأسود، يحملها معه المستفيد من الخلطة والمدهون بها. في حين رأى البعض الآخر، أن « التبارود » مجرد إشاعة تم بثها بين الرعية لتكريس قدسية السلطان وتقديمه كخليفة الله في أرضه، يحظى برعايته وحمايته وحفظه، وبالتالي لا داعي للتفكير في محاولة إلحاق أي أذى به أو المساس بشخصه، لأنه محصن إلاهيا روحا وبـ « التبارود » جسدا.
إلى حدود انقلابي 1971 (الصخيرات) و1972 (الهجوم على الطائرة الملكية) كان المواطن البسيط يرى في الملك شخصية فوق البشر، إلا أن هذه الصورة تغيرت بفعل ما تسرب من أحداث ونوازل كان قصر الصخيرات يوم 10 يوليوز 1971 مسرحها، إذ أقر بعض الحاضرين أنهم عاينوا الملك الراحل الحسن الثاني رافعا يديه تحت التهديد وفواهة رشاش مصوبة نحوه من طرف جندي بسيط قبل أن يتعرف عليه ليمكنه من الإفلات من الذين كانوا يبحثون عنه لتصفيته.آنذاك فهم العديد من المغاربة البسطاء ما كان لا يخطر على بالهم من قبل، وعلم أنه يمكن اقتحام القصور الملكية وتهديد الملك، وأن هذا الأخير ليس عن منأى الأخطار المحدقة بكل بشر، سواء كان ملكا أم مجرد مواطن بسيط.
علما أن البلاط اعتمد على ثقافة شرعية تقليدية، روج لها آنذاك، تمزج بين الدين والتاريخ وتجعل الملك كائنا مقدسا، وعلى هذه النظرة تأسست كل حركات المغاربة وسكناتهم.« البركة » والجن في خدمة الحسن الثاني
من المعتقدات التي راجت بين مغاربة الخمسينات والستينات والسبعينات، أن الملك الراحل الحسن الثاني يتوفر على نوع خاص من « البركة » تحفظه من كل سوء، وتأكد هذا الاعتقاد بعد نجاته من محاولة انقلاب الصخيرات والهجوم على الطائرة الملكية.
ارتبط هذا الاعتقاد باعتقاد آخر راج ببعض الأوساط الشعبية، مفاده أن بعض الجن كانوا في خدمة الملك الراحل الحسن الثاني، وشاع حينئذ أنه (الملك) تمكن من التحكم فيهم بفضل فطاحلة الفقهاء السوسيين المتبحرين في « الدمياطي » وتسخير الجن وبعض السحرة اليهود. وفي فترة معينة من عهد الملك الراحل ارتبط هذا الاعتقاد بالخاتم الذي يملكه والذي وصف بخاتم الحكمة.
وقد أكد أكثر من مصدر مطلع أن بعض الفقهاء كانوا يزورون القصر في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وهم نفس الفقهاء الذين كان يقصدهم علية القوم من مسؤولين ووزراء وموظفين سامين، وكان قلة من هؤلاء الفقهاء من المقربين للبلاط، وكانت لهم حظوة خاصة سيما وأن الملك يستأنس برأيهم ونصائحهم.المسيرة الخضراء والشعوذة
قبل إعطاء انطلاقة المسيرة الخضراء في نونبر 1975، طلب الملك الراحل الحسن الثاني إحضار الفقيه الحاج محمد الحبيب إلى القصر الملكي من مقر إقامته بزاوية سيدي الزوين بضواحي مراكش، غير أن الفقيه لم يرضخ للرغبة الملكية ورفض الامتثال للأمر الملكي بدعوى أنه يفقد بركته إن هو غادر سيدي الزوين، لذلك طلب أن يأتي الملك إليه إن رغب في الاستفادة من بركته، مع التأكيد أن عليه أن يزوره دون بهرجة ولا بروتوكول.
وعلى غير عادته، قبل الملك الأمر بروح رياضية وشد الرحيل إليه دون بهرجة. وحسب أكثر من مصدر، اختلى الراحل الحسن الثاني بالفقيه الحبيب، رأسا لرأس، ولم يحضر لقائهما أحد، وخرج الملك يمسك سبحة قيل إنها تحمل بركة الفقيه، وهي ذات السبحة التي لم يفارقها الحسن الثاني إلى أن لقي ربه.وحسب ما تسرب عن لقاء الملك الراحل بالفقيه الحاج محمد الحبيب، أن هذا الأخير قال له: « ستربح قضية الصحراء لكنها ستتسبب لك في عدة متاعب »، وحسب أهل الدين، فقد كذب الحبيب حتى ولو صادف بعضا من الصواب فيما تنبأ به.
ليست هذه المرة الوحيدة التي زار فيها الملك الراحل الحسن الثاني الفقيه الحبيب بسيدي الزوين، إذ قصده مرة أخرى قبل لقاء الرئيس الجزائري الشادلي بن جديد بحضور ملك السعودية، فهد ابن عبد العزيز، سنة 1983 بالحدود المغربية الجزائرية في أوج حرب الصحراء قبل أن يتمكن الجيش من بناء الجدار العازل.لقد فوجئ الجميع لسفر الملك الراحل إلى مراكش قبيل توجهه إلى وجدة لمقابلة الرئيس الجزائري، وذلك للاختلاء بالفقيه الحاج محمد الحبيب بإحدى قاعات زاوية سيدي الزوين، ولم يتسرب أي خبر عن هذا اللقاء.
يقول مصطفى الغضبان، الباحث في الروحانيات، إن الحاج محمد الحبيب، المتوفى منذ سنوات، يعتبر من الشيوخ الأجلاء في المغرب، وقد ذاع صيته شرقا وغربا، لما زاره الملك الراحل الحسن الثاني لأول مرة حيث طلب منه الدعاء له لأنه رجل صالح، ومما جاء في بعض الروايات أنه قال للملك إن عليه بتلاوة الفاتحة بأعداد معينة بعد كل صلاة، حتى يستكمل العدد المحدد، إلا أن البعض ظنوا أن الرجل قد منح الملك الراحل شيئا يتحرز به أو يمكنه من القيام بخوارق، وادعوا أن السبحة التي كانت دائما بيده قد أعطاه إياها الفقيه.
والحاج محمد الحبيب – حسب مصطفى الغضبان – عالم وتقي، يدعو للناس بالخير وقد تخرج على يديه شيوخ كبار، وقبل وفاته قصده الكثير من الشخصيات المرموقة طمعا في أشياء أخرى، من قبيل أن يكون معهم خادم من الجن يلبي طلباتهم.يعتبر الكثيرون أن مدرسة سيدي الزوين، التابعة للضريح الذي يحمل نفس الاسم (يقع الضريح ضواحي مدينة مراكش)، من بين المدارس التي يزخر بها الموروث الديني والحضاري بالمغرب، اعتبارا للدور الريادي الذي لعبته في نشر العلم والمعرفة مند تأسيسها من طرف الشيخ محمد الزيداني بن علي الزيراري النخلي العمري الملقب ب »الزوين »، في عهد السلطان الحسن الأول .
حظي الضريح بعناية فائقة من طرف جميع ملوك الدولة العلوية، ابتداء من السلطان مولاي الحسن الأول، الذي تأسست في عهده المدرسة، كما نالت عناية خاصة من طرف الحسن الثاني، التي زارها يوم 22 ماي 1991.
يقول بعض المطلعين على أسرار الضريح أن الملك الراحل أمر خلال هذه الزيارة بأن يتلى القرآن الكريم في المدرسة طيلة الأربع والعشرين ساعة بدون انقطاع، لكن الحسن الثاني وحده من يملك الجواب عن سر هذا القرار.أما أغلب المترددين على مدرسة سيدي الزوين من الطلبة فينحدرون من سوس، وأكثر من ذلك يضيف مصدر مطلع، فقد تخرج منها عدد كبير من حفظة القرآن الكريم، إلى جانب فقهاء سوسيين، بينهم من احترف مهنة كتابة التمائم والدجل.
مصادفة العيد الديني ليوم الجمعة
ظل القصر الملكي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني يتشاءم من تزامن أي عيد ديني (سيما عيد الفطر) مع يوم الجمعة، إذ ساد اعتقاد مفاده، كلما صادف عيد الفطر وعيد الأضحى يوم الجمعة (عيد المؤمنين) يعتبر ذلك علامة على أن البلاط أو العائلة الملكية سيصاب بمكروه ما، من قبيل وفاة أحد أفراده مثلا أو أن يلحقه ضرر ما.
وفي هذا الصدد تناسلت بعض الإشاعات والحكايات، منها أن المراقبين للهلال كانوا أحيانا يأخذون بعين الاعتبار هذا الاعتقاد ويحرصون على عدم السقوط في شركه، وبذلك يجتهدون اجتهادا لتجنب تكليفهم برؤية الهلال حين يكون من المتوقع مصادفته ليوم الجمعة مع حلول عيد ديني.وقد حدث أن شاعت بعض الانتقادات في إحدى السنوات بخصوص تلاعب بعض المتلاعبين في الإقرار برؤية هلال عيد الفطر.
أماكن مسحورة
تناسلت، في عهد الحسن الثاني، حكايات وأساطير بخصوص بعض الأماكن والبنايات، سيما القصور والمساجد والأضرحة، فقيل إن بعض القصور مسكونة من طرف الجن وأخرى مغضوب عليها، وبعض الأركان والقاعات داخل بعض القصور الملكية يتطلب تنظيفها يوميا بماء الورد وتعطيرها بالمسك الحر وإلا تبعثر أثاثها بفعل قوة خفية، كما قيل إن هناك أماكن لا يلجها أحد غير الملك، وإذا دخلها غيره مسه مكروه لأن حراسها ليسوا من الإنس.
وقد تكون نقطة الانطلاق في نسج مثل هذه الحكايات، حسب أحد علماء النفس، الهالة التي تعطى لتلك البنايات أو أحداث وقعت بها يتم فصلها عن سياقها وإطارها العام.
وفي هذا الصدد، على سبيل المثال لا الحصر، هناك بعض الحكايات المنسوجة بخصوص مسجد وصومعة الكتبية التي تطلبت خلط أكثر من 900 كيلو غرام من المسك الحر مع مواد البناء لتظل رائحتها الزكية فواحة، وكان هذا منطلقا للكثير من الأساطير، وكذلك الأمر بالنسبة لجامع المنصور بمراكش الذي نعت بمسجد « التفاحات الذهبية » نظرا لأن مصابيحه الأصلية صنعت من الحلي الذهبية لزوجة يعقوب المنصور.أما بخصوص قصر أكادير، كانت الانطلاقة لنسج إشاعات بخصوصه قد تزامنت مع بعض الأحداث عندما كان ورشا في طور التشييد، ومنها نازلة غرق بعض العمال في مسبحه وحوادث شغل أخرى غريبة أودت بحياة بعض العاملين في النقش.
الاستنجاد بالفقهاء لإبعاد خطر محدق
في غضون سنة 1988 اتجه فريق من الفقهاء والمقرئين و »المداحين » إلى شاطئ مدينة الجديدة واعتكفوا هناك صباح مساء يتلون القرآن الكريم ويقرأون الأذكار ويتضرعون إلى الله بالدعوات، طالبين اللطف والنجاة من كرب عظيم محدق بالبلاد والعباد لحظتئذ.
آنذاك كانت الرياح وأمواج المحيط الأطلسي تتلاعب بآلاف الأطنان من النفط العائمة والتي كانت قد تدفقت من حاملة البترول الإيرانية « خراج » التي غرقت في عرض المحيط الأطلسي وهي في طريقها إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية، مسببة إحدى أكبر الكوارث البيئية البحرية في التاريخ.
في البداية كان النفط العائم يسير في اتجاه الشواطئ المغربية، وبدأت وقتئذ المساعدات الأجنبية تتقاطر على الرباط، وخصصت المملكة السعودية 50 مليون دولار (500 مليون درهم) لدعم المغرب في مواجهته لهذه الكارثة المحدقة التي ولدت الهلع العظيمم في نفوس القيمين على الأمور، سيما وأن بلادنا لم يسبق لها أن واجهت مثل هذه الكارثة ولا تتوفر على أي خبرة أو استعداد لمثل هذه الأمور.
لكن بعد أيام قليلة غير النفط العائم اتجاهه وبدأ يبتعد عن مياهنا الإقليمية، آنذاك تناسلت عدة إشاعات مفادها أن بلادنا نجت من الكارثة المحققة بفعل السحر أو الجن الذي يتحكم فيه بعض الفقهاء السوسيين، في حين قال أحد المثقفين المرموقين المحسوبين على اليسار، وقتئذ، « إن ما وقع بشاطئ مدينة الجديدة من تجميع الفقهاء وجمهرتهم والضجة المرافقة والصخب الذي أحيط بهذا الحادث، كان من صنع دهاء الملك الحسن الثاني حينما علم، عن طريق الأرصاد الجوية، أن رياحا قوية ستهب بالمنطقة في اتجاه يبعد النفط العائم عن المياه الإقليمية المغربية، فاستبق الأحداث وأمر على وجه السرعة بجمع الفقهاء بشواطئ مدينة الجديدة لترسيخ « بركته » في عقول المغاربة، علما أن الكثير منهم يقرون أن قوى خارقة تحفظ الحسن الثاني وتقف بجانبه.
وقد تكرر نفس السيناريو، حسب أحد المصادر، في سنة ابتلي خلالها المغرب بجفاف حاد، وأمر الملك الراحل بإقامة صلاة الاستسقاء في مختلف أنحاء المملكة وعلى نطاق واسع لطلب الغيث، آنذاك كانت مصالح الأرصاد الجوية قد رصدت قدوم سحب كثيفة في اتجاه المغرب.
الشعوذة والأسطورة والسلطة
كاد المؤرخون أن يجمعوا على أن الشعوذة والأسطورة والإشاعة تعتبر إحدى أسلحة الصراع من أجل السلطة بمعناها العام، وبالأحرى السلطة السياسية.
وفي هذا الصدد يعتبر المؤرخ مصطفى بوعزيز أن الإشاعة أو الأسطورة أو الحكايات المتناسلة بفعل الشعوذة، تعتبر سلاحا لكونها جزء من العلاقات الاجتماعية،، وكل علاقة اجتماعية هي شكل من أشكال علاقات السلطة، ومن هذا الجانب، تعد نوعا من أنواع أسلحة الصراع من أجل الحصول على السلطة أو استمرار التمسك بها. وذلك فضلا عن كونها أداة من أدوات التواصل الذي يشكل عنصرا من عناصر خلق وتكريس الجانب الكاريزمي للماسك بزمام السلطة، وبالتالي سبيل من سبل تدعيم النفوذ أو سلطة أو وسيلة لتحطيمها وتشويهها.فالملك يعيش واقعا سوسيولوجيا وثقافيا وظرفيات معينة وقد يصادف عهد ملك تناسل حكايات منطلقها شعوذة ومجرد اختلاق، وقد تكون لصالحه أو ضده، إذ ليس من الضروري أن يكون المنطلق من السلطان لخدمة السلطان، فقد يكون من خارج دائرة البلاط بنية الإساءة، وقد يكون المنطلق من الدوائر المقربة من الملك لتحقيق هدف ما.
وانطلاقا من علاقة الملك الراحل الحسن الثاني ببعض الفقهاء وتعاطيه لبعض الممارسات المرتبطة بالفكر الغيبي والشعوذة تناسلت حكايات وإشاعات، تفاوت التعاطي معها حسب المتلقي، والكثير من تلك الحكايات ساهمت في تقوية هيبة الملك، غير أنه منذ أواخر سبعينات القرن الماضي تغيرت صورة المؤسسة الملكية، سيما بعد الانقلابين واحتداد الحركات الاجتماعية.
وقد عرف عن الملك الراحل الحسن الثاني ولعه بكتاب « الأمير » لماكيافيل الذي يعطي نصائح تتمحور حول تمكين الحاكم من أساليب تمنحه النفوذ على رعيته، ومن ضمن النصائح الواردة في هذا المؤلف العزيز على الملك الراحل، حسب أكثر من مصدر مطلع، نصائح التوهيم ونصائح الاستدراج، وفي هذا المضمار يقر المؤرخ مصطفى بوعزيز أنه ثبت في مراحل ما قبل الحداثة، أن كانت الإشاعة والحكايات المنسوجة استنادا إلى الشعوذة أداة من أدوات إدارة وتدبير الشأن العام
-
الملك الحسن الثاني عاش مخدوعا
لم يسلم مشوار الملك الراحل الحسن الثاني، من خدع وعمليات نصب واحتيال.. قد يبدو الأمر غريبا اعتبارا لسيطرة وسيادة صورة الملك الماسك بزمام الأمور بيد من حديد على امتداد 38 سنة من الحكم المطلق.
القليلون من المغاربة يعرفون أنه خلف مظهر الملك الداهية، المتحكم في الشادة والفادة، شخصية تعرضت هي الأخرى للنصب والاحتيال والخدعة، كما قد يقع لأي إنسان.لقد أجمع المحللون من كل أطراف العالم، أن الملك الراحل الحسن الثاني ذو شخصية مركبة حد التعقيد ومزدوجة حد التناقض، حيث لم يكن قول أو أمر فوق قوله وأمره، وأن صفة العناد صاحبته دوما، وتصاعد اقتناعه عبر مر السنين، بموهبته ودهائه السياسيين الخارقين وإعجابه بعبقريته النادرة في ترويض السلطة، هذا في جو لم يعوّده المحيطون به على الإدلاء بالحقيقة واعتماد الصراحة إلا نادرا جدا، علما أن عهده ظل مطبوعا، في غالبيته، بهاجس حماية نفسه وملكه من الدسائس التي لم تتوقف أكثر من جهة عن نسج خيوطها في الخفاء.
رآه الصحفي الفرنسي « إنياس دال » ملكا قويا، ذكيا جدا وفطنا، لدرجة لا يمكن أن يتصور المرء إمكانية خداعه أو النصب عليه، ولم يكن يخدعه تملق ووضاعة المحيطين به رغم استحسانه مختلف تلاوين الخضوع ومظاهره البارزة. كيف لشخصية ظلت مثار جدل كبير، ولرجل ذكي وداهية وذو سلطة مطلقة، مثل الملك الراحل الحسن الثاني، أن يكون ضحية خدعة أو نصب أو احتيال أكثر من مرة؟
خدعة الكنيسة « العلمولوجية »
بدأت الحكاية منذ سنة 1967، عندما قررت الكنيسة العلمولوجية، إحداث بحرية تابعة لها، والتي أطلقت عليها اسم « سي أورك » والقيام برحلة بحرية على متن بواخر كانت أهمها تدعى « أبولو » على طول الشواطئ الأطلسية والمتوسطية المغربية، تحت رئاسة « رون هوبارد » مؤسس هذه الكنيسة، ودامت هذه الرحلة بين مختلف الموانئ المغربية، من أكادير إلى طنجة شهورا، حدث ذلك بين 1969 و1971.
تعتبر « العلمولوجية » (أو « السيونتولوجيا »)، طائفة غريبة من الفرنسيسكان، اهتمت بالمغرب منذ فجر سبعينات القرن الماضي، وكادت أن تخدع الملك الراحل الحسن الثاني بمحاولة ضلوعها في قلب نظامه.
وهذا ما كشفت عنه مجموعة من الوثائق السرية الصادرة عن أجهزة المخابرات بأوروبا وأمريكا، منذ سعى « هوبارد » إلى إيواء كنيسة « العلمولوجية » بإحدى البلدان المتوسطية، وتمنى أن يكون ذلك البلد هو المغرب. آنذاك كان الملك الراحل الحسن الثاني يعيش فترة قلقة جدا اعتبارا للأوضاع التي كانت تعيشها البلاد بُعيد انقلاب الصخيرات (1971) وقبله، الشيء الذي قاد رئيس الكنيسة « هوبارد » إلى التفكير في « تخريجة شيطانية »، مفادها أن تعمل كنيسته على كشف خونة النظام وأعدائه لنيل رضا الراحل الحسن الثاني، سيما أولئك الذين كانوا يكنون له العداء من المحسوبين ضمن أقرب المقربين إليه.سعيا وراء تحقيق هذه الغاية، استقر « هوبارد » وبعض معاونيه بإحدى العمارات على مقربة من مدينة طنجة، في الطريق المؤدية إلى المطار، تحت مظلة إحداث شركة للنقل الدولي. علق « هوبارد » على واجهة المبنى لافتة تحمل العبارات التالية : « OPERTION AND TRANSPORT CORPORATION, LTD »، (OTC) بوصفها شركة بانامية تنشط في مجال النقل البحري، حدث ذلك في نهاية خريف 1972.
حاولت الكنيسة « العلمولوجية » اختراق الإدارة المغربية، تحت مظلة هذه الشركة، عبر استغلال علاقة صداقة ربطت بين أحد معاوني « هوبارد » وباشا مدينة آسفي آنذاك، واستخدامها وسيلة لنيل شرف مقابلة الملك الراحل الحسن الثاني.
كلف رئيس الكنيسة كل من « ريكلي » و »ليز كابلهاوس » بهذه المهمة، ولبلوغ هذا الهدف وضع رهن إشارتهما غلافا ماليا ضخما.تمكن هذا الثنائي من اختراق الإدارة المغربية بعد أن فازت شركة (OTC) بصفقة تكوين موظفي البريد، غير أن المشروع فشل بعد شهر، بفعل الرعب الذي تملك الموظفين المتمرنين اعتبارا لنظام التكوين وصرامة قواعده، إذ فضل أغلبهم التخلي خوفا من أن يصنفوا ضمن الذين يكنون العداء للنظام أو الملك، خاصة وأن الكنيسة « السيونتولوجيا » استخدمت آليات لتقدير نسبة الولاء أو العداء للنظام السياسي.
آنذاك كانت « ليز كابلهاوس » قد تعرفت على المدعوة « بديعة » التي قدمتها لرئيس الكنيسة، « هوبارد »، كإحدى المقربات من العائلة الملكية.
بواسطة « بديعة » تعرف « هوبارد » على الكولونيل عبد القادر العلام، الذي أُبهر بنتائج آلة « الاليكتروميتر » المستخدمة من طرف أعضاء الكنيسة لتحليل شخصية مريديها.
بعد التقاء الكولونيل، اقترح عليه « هوبارد » إخضاع أطر القوات المسلحة لـ « الاليكتروميتر » لتحديد درجة ولائهم وصدقيتهم في الخدمة. اقتنع الكولونيل العلام بالفكرة، ووعد رئيس الكنيسة بعرضها على الجنرال أوفقير. هذا ما كان، حيث أعدت جلسة ساهرة استدعي إليها « أموس جيسوب » و »ليز كابلهاوس » (معاونا هوبارد)، وحضر محمد أوفقير رفقة إحدى موظفات القنصلية المغربية بنيويورك. خلال هذه السهرة تمكن بعض أعضاء الكنيسة « العلمولوجية »، بواسطة أحد مرافقي الجنرال محمد أوفقير، من الاطلاع على أن هذا الأخير عاد مؤخرا من زيارة سرية لمركز تدريب تابع للمخابرات المركزية الأمريكية بـ « بورت هولبير » لمقابلة بعض قادة « سي. إي . يا » دون علم الملك الراحل الحسن الثاني.بعد هذه السهرة تلقت « ليز كابلهاوس » وبعض أعضاء الكنيسة « العلمولوجية » دعوات لحضور استعراض بهلواني جوي بالقاعدة الأمريكية بالقنيطرة، وذلك قصد تمكينهما من التقاء بعض الجنرالات والحديث معهم، علما أن بعض هؤلاء سبق أن اتهموا بالمشاركة في انقلاب الصخيرات خلال يوليوز 1971.
بعد فشل الانقلاب تجدد اللقاء بين القيمين على الكنيسة والجنرال محمد أوفقير واقترحوا عليه استخدام آلة « الاليكتروميتر » لكشف الخونة في صفوف ضباط الجيش.
حينئذ، كانت شركة (OTC)، قد تمكنت من الفوز بصفقة تدريب عناصر « الكاب 1 » على كشف العناصر المشاغبة، غير أن هذا المشروع فشل بفعل الصراع بين عناصر هذا الجهاز الذين تخوفوا كثيرا من الخضوع لآلة « الاليكتروميتر »، سيما وأن شبح انقلاب الصخيرات كان ما يزال مخيما على الظرف والشكوك مازالت في أوجها. رغم ذلك استمر القيمون على الكنيسة، محاولين التقرب من الملك، لكن غياب الجنرال محمد أوفقير بعد مهاجمة الطائرة الملكية خصوصا، حال دون ذلك، إذ تلقى « هوبارد » أمرا من البلاط بإقفال مقر شركته ومغادرة المغرب فورا.بدأ أمر الكنيسة « العلمولوجية » يفتضح بانتحار أحد أعضائها، عندما أطلقت إحداهما على نفسها رصاصة من مسدس بعد أن أوصدت باب غرفتها بالباخرة التي رست بميناء آسفي، وقد تم طي ملف النازلة بسرعة دون بحث ولا تقصٍّ، بحجة أن المتوفية كانت من المدمنات على المخدرات وفي جعبتها أكثر من محاولة انتحار، وقد شكلت هذه الحادثة بداية نهاية الكنيسة.
وفي غضون سنة 1996 كشف أحد تقارير المخابرات المركزية الأمريكية أن « سي . إي .يا » أبرمت عقودا مع بعض أعضاء الكنيسة « العلمولوجية » لتكليفهم، فيما بين 1971 و 1972، بربط علاقات سرية مع الانقلابيين المغاربة، كما كشفت تلك التقارير أيضا أن عملاء المخابرات الأمريكية، العاملين تحت غطاء الكنيسة قد نجحوا في نسج علاقات وطيدة ببعض الانقلابيين، كما أشرفوا على تحويل مليوني دولار من بنك سويسري إلى المغرب لتمويلهم.
إن « السيونتولوجيا » أو « العلمولوجية » حركة دينية تستند إلى تعاليم الكاتب الأمريكي « رون هوبارد » (1911 -1986) الذي أسس كنيسة في سنة 1951، ضمت ما يناهز 8 ملايين عضو في أكثر من 70 بلدا.
تسعى فلسفلة ـ أو بالأحرى إيديولوجية ـ هذه الحركة الدينية إلى تخليص المرء من تجارب الماضي المؤلمة، وتنقيته من شوائبها ليكون عضوا مخلصا للجماعة التي يعيش ضمنها.
تستعمل هذه الكنيسة جهاز « الاليكتروميتر » لتوجيه الأفراد نحو خير الجماعة والمجتمع. عموما تشكل « السينوتولوجيا » مجموعة من التعاليم الدينية والمعتقدات مستندة إلى فلسفة علمانية أعاد صياغتها « رون هوبارد » لإبداع فلسفة « دينية تطبيقية »، حيث يتلخص فكر الكنيسة « العلمولوجية » في مكننة الإنسان والعلاقات الإنسانية على جميع المستويات بدءا من الفرد وانتهاءا بالدول، ذلك لأنها تعتبر أن الخاصيات الإنسانية متغيرة وغير قابلة للحسابات أو التنبؤ، مما يؤدي إلى أخطاء فادحة عند اتخاذ القرارات.من أجل ذلك سعت هذه الكنيسة ـ عبر إيديولوجيتها ـ إلى تفريغ الإنسان من خصائصه الإنسانية، والتي ترى فيها مواطن ضعفه، التي تعرقل مساره نحو الرقي إلى درجة من الإتقان على غرار عمل « الماكينات »، مستخدمة مجموعة من القواعد والتمارين تستهدف محو الإرادة الشخصية وتطويع الفرد لخدمة المؤسسة كضرب من ضروب الهندسة الاجتماعية، منها واجب الطاعة العمياء لمن يحتل المرتبة الأعلى دون الحق في انتقاده!
اعتبر الكثير من المحللين أن الفكر « العلمولوجي »، هو امتداد للتيار الذي أراد إخضاع علم الاجتماع وعلم النفس لمقاييس العلوم الهندسية، وقد رأت جملة من الدول الغربية أن الكنيسة « العلمولوجية » تشكل خطرا لأن من شانها الدفاع على قيام نظام ديكتاتوري، وهذا ما أدى إلى محاربتها، حتى أضحت مجرد طائفة دينية سرية غير قانونية في الدول الغربية بعد أن افتضح أمرها.خدعة طائرة « بوينغ 727 »
لم يسلم مشوار الملك الراحل الحسن الثاني، من خدع وعمليات نصب واحتيال.. قد يبدو الأمر غريبا اعتبارا لسيطرة وسيادة صورة الملك الماسك بزمام الأمور بيد من حديد على امتداد 38 سنة من الحكم المطلق.
القليلون من المغاربة يعرفون أنه خلف مظهر الملك الداهية، المتحكم في الشادة والفادة، شخصية تعرضت هي الأخرى للنصب والاحتيال والخدعة، كما قد يقع لأي إنسان.
لقد أجمع المحللون من كل أطراف العالم، أن الملك الراحل الحسن الثاني ذو شخصية مركبة حد التعقيد ومزدوجة حد التناقض، حيث لم يكن قول أو أمر فوق قوله وأمره، وأن صفة العناد صاحبته دوما، وتصاعد اقتناعه عبر مر السنين، بموهبته ودهائه السياسيين الخارقين وإعجابه بعبقريته النادرة في ترويض السلطة، هذا في جو لم يعوّده المحيطون به على الإدلاء بالحقيقة واعتماد الصراحة إلا نادرا جدا، علما أن عهده ظل مطبوعا، في غالبيته، بهاجس حماية نفسه وملكه من الدسائس التي لم تتوقف أكثر من جهة عن نسج خيوطها في الخفاء.رآه الصحفي الفرنسي « إنياس دال » ملكا قويا، ذكيا جدا وفطنا، لدرجة لا يمكن أن يتصور المرء إمكانية خداعه أو النصب عليه، ولم يكن يخدعه تملق ووضاعة المحيطين به رغم استحسانه مختلف تلاوين الخضوع ومظاهره البارزة. كيف لشخصية ظلت مثار جدل كبير، ولرجل ذكي وداهية وذو سلطة مطلقة، مثل الملك الراحل الحسن الثاني، أن يكون ضحية خدعة أو نصب أو احتيال أكثر من مرة؟
خدعة الكنيسة « العلمولوجية »
بدأت الحكاية منذ سنة 1967، عندما قررت الكنيسة العلمولوجية، إحداث بحرية تابعة لها، والتي أطلقت عليها اسم « سي أورك » والقيام برحلة بحرية على متن بواخر كانت أهمها تدعى « أبولو » على طول الشواطئ الأطلسية والمتوسطية المغربية، تحت رئاسة « رون هوبارد » مؤسس هذه الكنيسة، ودامت هذه الرحلة بين مختلف الموانئ المغربية، من أكادير إلى طنجة شهورا، حدث ذلك بين 1969 و1971.
تعتبر « العلمولوجية » (أو « السيونتولوجيا »)، طائفة غريبة من الفرنسيسكان، اهتمت بالمغرب منذ فجر سبعينات القرن الماضي، وكادت أن تخدع الملك الراحل الحسن الثاني بمحاولة ضلوعها في قلب نظامه.
وهذا ما كشفت عنه مجموعة من الوثائق السرية الصادرة عن أجهزة المخابرات بأوروبا وأمريكا، منذ سعى « هوبارد » إلى إيواء كنيسة « العلمولوجية » بإحدى البلدان المتوسطية، وتمنى أن يكون ذلك البلد هو المغرب. آنذاك كان الملك الراحل الحسن الثاني يعيش فترة قلقة جدا اعتبارا للأوضاع التي كانت تعيشها البلاد بُعيد انقلاب الصخيرات (1971) وقبله، الشيء الذي قاد رئيس الكنيسة « هوبارد » إلى التفكير في « تخريجة شيطانية »، مفادها أن تعمل كنيسته على كشف خونة النظام وأعدائه لنيل رضا الراحل الحسن الثاني، سيما أولئك الذين كانوا يكنون له العداء من المحسوبين ضمن أقرب المقربين إليه.سعيا وراء تحقيق هذه الغاية، استقر « هوبارد » وبعض معاونيه بإحدى العمارات على مقربة من مدينة طنجة، في الطريق المؤدية إلى المطار، تحت مظلة إحداث شركة للنقل الدولي. علق « هوبارد » على واجهة المبنى لافتة تحمل العبارات التالية : « OPERTION AND TRANSPORT CORPORATION, LTD »، (OTC) بوصفها شركة بانامية تنشط في مجال النقل البحري، حدث ذلك في نهاية خريف 1972.
حاولت الكنيسة « العلمولوجية » اختراق الإدارة المغربية، تحت مظلة هذه الشركة، عبر استغلال علاقة صداقة ربطت بين أحد معاوني « هوبارد » وباشا مدينة آسفي آنذاك، واستخدامها وسيلة لنيل شرف مقابلة الملك الراحل الحسن الثاني.
كلف رئيس الكنيسة كل من « ريكلي » و »ليز كابلهاوس » بهذه المهمة، ولبلوغ هذا الهدف وضع رهن إشارتهما غلافا ماليا ضخما.تمكن هذا الثنائي من اختراق الإدارة المغربية بعد أن فازت شركة (OTC) بصفقة تكوين موظفي البريد، غير أن المشروع فشل بعد شهر، بفعل الرعب الذي تملك الموظفين المتمرنين اعتبارا لنظام التكوين وصرامة قواعده، إذ فضل أغلبهم التخلي خوفا من أن يصنفوا ضمن الذين يكنون العداء للنظام أو الملك، خاصة وأن الكنيسة « السيونتولوجيا » استخدمت آليات لتقدير نسبة الولاء أو العداء للنظام السياسي.
آنذاك كانت « ليز كابلهاوس » قد تعرفت على المدعوة « بديعة » التي قدمتها لرئيس الكنيسة، « هوبارد »، كإحدى المقربات من العائلة الملكية.
بواسطة « بديعة » تعرف « هوبارد » على الكولونيل عبد القادر العلام، الذي أُبهر بنتائج آلة « الاليكتروميتر » المستخدمة من طرف أعضاء الكنيسة لتحليل شخصية مريديها.بعد التقاء الكولونيل، اقترح عليه « هوبارد » إخضاع أطر القوات المسلحة لـ « الاليكتروميتر » لتحديد درجة ولائهم وصدقيتهم في الخدمة. اقتنع الكولونيل العلام بالفكرة، ووعد رئيس الكنيسة بعرضها على الجنرال أوفقير. هذا ما كان، حيث أعدت جلسة ساهرة استدعي إليها « أموس جيسوب » و »ليز كابلهاوس » (معاونا هوبارد)، وحضر محمد أوفقير رفقة إحدى موظفات القنصلية المغربية بنيويورك. خلال هذه السهرة تمكن بعض أعضاء الكنيسة « العلمولوجية »، بواسطة أحد مرافقي الجنرال محمد أوفقير، من الاطلاع على أن هذا الأخير عاد مؤخرا من زيارة سرية لمركز تدريب تابع للمخابرات المركزية الأمريكية بـ « بورت هولبير » لمقابلة بعض قادة « سي. إي . يا » دون علم الملك الراحل الحسن الثاني.
بعد هذه السهرة تلقت « ليز كابلهاوس » وبعض أعضاء الكنيسة « العلمولوجية » دعوات لحضور استعراض بهلواني جوي بالقاعدة الأمريكية بالقنيطرة، وذلك قصد تمكينهما من التقاء بعض الجنرالات والحديث معهم، علما أن بعض هؤلاء سبق أن اتهموا بالمشاركة في انقلاب الصخيرات خلال يوليوز 1971.
بعد فشل الانقلاب تجدد اللقاء بين القيمين على الكنيسة والجنرال محمد أوفقير واقترحوا عليه استخدام آلة « الاليكتروميتر » لكشف الخونة في صفوف ضباط الجيش.
حينئذ، كانت شركة (OTC)، قد تمكنت من الفوز بصفقة تدريب عناصر « الكاب 1 » على كشف العناصر المشاغبة، غير أن هذا المشروع فشل بفعل الصراع بين عناصر هذا الجهاز الذين تخوفوا كثيرا من الخضوع لآلة « الاليكتروميتر »، سيما وأن شبح انقلاب الصخيرات كان ما يزال مخيما على الظرف والشكوك مازالت في أوجها. رغم ذلك استمر القيمون على الكنيسة، محاولين التقرب من الملك، لكن غياب الجنرال محمد أوفقير بعد مهاجمة الطائرة الملكية خصوصا، حال دون ذلك، إذ تلقى « هوبارد » أمرا من البلاط بإقفال مقر شركته ومغادرة المغرب فورا.بدأ أمر الكنيسة « العلمولوجية » يفتضح بانتحار أحد أعضائها، عندما أطلقت إحداهما على نفسها رصاصة من مسدس بعد أن أوصدت باب غرفتها بالباخرة التي رست بميناء آسفي، وقد تم طي ملف النازلة بسرعة دون بحث ولا تقصٍّ، بحجة أن المتوفية كانت من المدمنات على المخدرات وفي جعبتها أكثر من محاولة انتحار، وقد شكلت هذه الحادثة بداية نهاية الكنيسة.
وفي غضون سنة 1996 كشف أحد تقارير المخابرات المركزية الأمريكية أن « سي . إي .يا » أبرمت عقودا مع بعض أعضاء الكنيسة « العلمولوجية » لتكليفهم، فيما بين 1971 و 1972، بربط علاقات سرية مع الانقلابيين المغاربة، كما كشفت تلك التقارير أيضا أن عملاء المخابرات الأمريكية، العاملين تحت غطاء الكنيسة قد نجحوا في نسج علاقات وطيدة ببعض الانقلابيين، كما أشرفوا على تحويل مليوني دولار من بنك سويسري إلى المغرب لتمويلهم.
إن « السيونتولوجيا » أو « العلمولوجية » حركة دينية تستند إلى تعاليم الكاتب الأمريكي « رون هوبارد » (1911 -1986) الذي أسس كنيسة في سنة 1951، ضمت ما يناهز 8 ملايين عضو في أكثر من 70 بلدا.
تسعى فلسفلة ـ أو بالأحرى إيديولوجية ـ هذه الحركة الدينية إلى تخليص المرء من تجارب الماضي المؤلمة، وتنقيته من شوائبها ليكون عضوا مخلصا للجماعة التي يعيش ضمنها.
تستعمل هذه الكنيسة جهاز « الاليكتروميتر » لتوجيه الأفراد نحو خير الجماعة والمجتمع. عموما تشكل « السينوتولوجيا » مجموعة من التعاليم الدينية والمعتقدات مستندة إلى فلسفة علمانية أعاد صياغتها « رون هوبارد » لإبداع فلسفة « دينية تطبيقية »، حيث يتلخص فكر الكنيسة « العلمولوجية » في مكننة الإنسان والعلاقات الإنسانية على جميع المستويات بدءا من الفرد وانتهاءا بالدول، ذلك لأنها تعتبر أن الخاصيات الإنسانية متغيرة وغير قابلة للحسابات أو التنبؤ، مما يؤدي إلى أخطاء فادحة عند اتخاذ القرارات.من أجل ذلك سعت هذه الكنيسة ـ عبر إيديولوجيتها ـ إلى تفريغ الإنسان من خصائصه الإنسانية، والتي ترى فيها مواطن ضعفه، التي تعرقل مساره نحو الرقي إلى درجة من الإتقان على غرار عمل « الماكينات »، مستخدمة مجموعة من القواعد والتمارين تستهدف محو الإرادة الشخصية وتطويع الفرد لخدمة المؤسسة كضرب من ضروب الهندسة الاجتماعية، منها واجب الطاعة العمياء لمن يحتل المرتبة الأعلى دون الحق في انتقاده!
اعتبر الكثير من المحللين أن الفكر « العلمولوجي »، هو امتداد للتيار الذي أراد إخضاع علم الاجتماع وعلم النفس لمقاييس العلوم الهندسية، وقد رأت جملة من الدول الغربية أن الكنيسة « العلمولوجية » تشكل خطرا لأن من شانها الدفاع على قيام نظام ديكتاتوري، وهذا ما أدى إلى محاربتها، حتى أضحت مجرد طائفة دينية سرية غير قانونية في الدول الغربية بعد أن افتضح أمرها.خدعة طائرة « بوينغ 727 »
في منتصف سبعينات القرن الماضي، بعد نجاح المسيرة الخضراء، كلف الملك الراحل الحسن الثاني، وزيره الأول وصهره أحمد عصمان، بمعية أحمد العسكي، باقتناء طائرة من نوع « بوينغ 727 » آخر موديل، لجعلها طائرته الخاصة تعويضا عن الطائرة « بوينغ 727 » التي تعرضت للقصف سنة 1972، في الانقلاب العسكري الثاني، الفاشل.
ففي غشت 1972، كان الراحل الحسن الثاني، قد توجه إلى فرنسا لقضاء بضعة أسابيع في قصر « بيتز » على بعد ستين كيلومتر من باريس، الذي كان في ملكيته. وفي طريق عودته على متن طائرة « بوينغ 727″، فوجئ ربانها، العقيد القباج وهو على مشارف أجواء جبل طارق بسرب من طائرات « إف5 » تطارد الطائرة الملكية، وبينما الربان يحاول، دون جدوى الاتصال ببرج المراقبة، كانت إحدى طائرات « إف5″، قد شرعت في قصف مكثف للطائرة الملكية بين تطوان ومولاي بوسلهام، مما أسفر عن مقتل شخصين، ولم يكن أمام العقيد القباج سوى الحفاظ على توازن الطائرة كي تهبط في الأخير بأعجوبة بمطار الرباط سلا. نزل الملك متسترا من الطائرة المعطوبة التي قبع بداخلها في انتظار سيارة نقلته إلى جهة معينة بالرباط، حيث التحق به شقيقه الأمير الراحل مولاي عبد الله، رفقة الجنرال عبد الحفيظ العلوي والعقيد أحمد الدليمي آنذاك. وبعد تهدئة الأجواء واعتقال المتهمين، تم عرض طائرة « بوينغ 727″، بعد أسابيع، في متحف لمعدات طائرة « بوينغ »، إذ ذهل الخبراء والتقنيون الذين لم يصدقوا أن تكون الطائرة نجحت في مواصلة التحليق ثم الهبوط، سالمة تحت وابل من الرصاص والقصف المكثف.
بعد الامتنان بالربان العقيد القباج، أعجب الملك الراحل الحسن الثاني بهذه الطائرة، فأمر باقتناء طائرة أخرى « بوينغ 727″، مجهزة بطريقة أفضل وبأحدث المعدات الالكترونية والوقائية، مع إعادة تصميمها من الداخل لتكون جاهزة للاستعمال خصيصا لرحلاته، تضمن كافة أجواء الراحة الكاملة (مقاعد من الجلد الفاخر، مقابض أحزمة الأمان مصممة بشكل فريد، لوحات لكبار الرسامين تغطي بعض أركانها..).
في هذه الفترة (منتصف السبعينات) كان الملوك ورؤساء الدول وكبار أثرياء العالم، يفضلون طائرات « بوينغ » عن غيرها لاستخدامها كطائرات خاصة.أبرمت الصفقة، لكن تبين أن الطائرة لم تكن جديدة وإنما سبق استعمالها، حيث أعيد طلاؤها وتغيير أثاثها وديكورها، وتقديمها في الأخير للملك على أنها جديدة ومبتكرة!
وحسب مصدرنا، اتصلت جهات أجنبية مقربة من مصانع « بوينغ » الأمريكية، إضافة إلى جهة أخرى تابعة للوكالة الوطنية للأبحاث (NASA)، بشخصية مقربة من الملك الراحل الحسن الثاني وبشخصيات تعمل في سفارة المغرب بواشنطن وأخرى بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، لكشف حقيقة الطائرة الملكية الجديدة، التي أبرم صفقتها أحمد العسكي باعتباره وزير الأشغال العمومية وقتئذ.
كشفت كل هذه الجهات أن الطائرة المقتناة بدت كأنها جديدة وبالسعر المحدد من طرف الشركة، غير أنها طائرة مستعملة أعيد ترميمها. وأكد مصدرنا رغم أن صفقة الطائرة الملكية المغشوشة سارت على كل الألسنة وشغلت الرأي العام، ومع ذلك تم طمس ملفها بل وإقباره. مقابل ذلك سطع نجم الشخصين الذين ارتبط اسمهما بالصفقة، أحمد عصمان وأحمد العسكي: ترأس الأول حزب التجمع الوطني للأحرار، بعد خلقه على طريقة « الكوكوت مينوت » للفوز بغالبية المقاعد في انتخابات بداية الثمانيات، في حين انتخب أحمد العسكي، تحت لواء نفس الحزب، بالعاصمة الاقتصادية، الدار البيضاء، وقد سبق لهذا الأخير، أن ترأس ودادية مهندسي القناطر والطرق، بين 1962 و 1963، كما عين وزيرا للفلاحة فيما بين 11 غشت 1970 و 23 أبريل 1971، وكان في منتصف السبعينات أحد التقنوقراطيين البارزين، بعد تخرجه من إحدى أكبر المدارس التقنية الفرنسية، مدرسة القناطر والطرق، وفور تخرجه ورجوعه إلى أرض الوطن، تحمل مسؤولية تسيير ميناء الدار البيضاء، (بين 1963 و 1965)، وقد توفي وهو يبلغ 74 سنة، في 28 نونبر 2004.ومن المعلوم أنه توجد شركات ووسائط أوروبية وأمريكية تنشط في بيع الطائرات المستعملة من مختلف الأنواع والموديلات، وأن أسعارها تختلف حسب الموديل والحجم والنوع وعدد المحركات، وسعر طائرة « بوينغ 727 » موديل 1977 يناهز 12 مليون دولار (ما يقارب 120 مليون درهم).
نازلة كديرة صديق الملك
من النوازل التي تفوح منها رائحة الخدعة توهيم أحمد رضا كديرة قبل مرضه، الملك الراحل الحسن الثاني، بضمان استقراره في المغرب، دون نية مغادرته، في حين أن هذا الأخير كان بصدد تهريب كل ثرواته إلى الديار الفرنسية!
انكشف الأمر عندما علم الملك أن صديقه ومستشاره السابق، طريح الفراش، فعزم على زيارته. وفي طريقه إلى إقامة أحمد رضا كديرة، لاحظ الراحل الحسن الثاني أن سائقه الخاص يقوده خارج العاصمة الرباط، معتقدا أن صديقه يقطن بالقصر الذي شيده على أرض منحها إياه، تقع بالقرب من إقامات الأمراء والأميرات بالرباط وليس خارجها.
استفسر سائقه، فأكد له أن تلك الأرض لم تعد في ملكية أحمد رضا كديرة، لأن هذا الأخير باعها قديما للمعطي بوعبيد!زاد امتعاض الملك الراحل الحسن الثاني عندما عاين إقامة صديقه ببيت متواضع بتمارة لا يتوفر سوى على أثاث قليل جدا، وجده مستلقيا على سرير إلى جانبه كرسيان في غرفة متواضعة خاوية على عروشها، وقيل له، بعد سيل من الأسئلة، إن استقرار أحمد رضا كديرة بذلك البيت المتواضع مؤقت، في انتظار رحيله إلى الديار الفرنسية للإقامة هناك، بعد أن باع كل أملاكه وصفى كل مصالحه بالمغرب، وهرَّب أمواله إلى الخارج. لم يستسغ الملك الراحل الحسن الثاني أن يقدم أقرب أصدقائه على تهريب كل ممتلكاته إلى فرنسا للاستقرار بها دون إخباره بالأمر، هو الذي كان يثق به ويشاركه جميع أسراره، علما أن الظرف تزامن مع فكرة الملك عن خطر السكتة القلبية للمغرب آنذاك.
الصحفي « الحر » لا يكشف عن مصدره؟!
فصول هذه القصة تعود إلى مطلع السبعينات، وتحديدا عام 1972، حيث استقبل الراحل الحسن الثاني وقتها زعماء الكتلة الوطنية (عبد الله ابراهيم، المحجوب بن الصديق، عبد الرحيم بوعبيد وعلال الفاسي)، حيث دخل معهم في مفاوضات سرية انتهت بأدائهم القسم على المصحف الكريم، بعدم إفشاء ما راج بينهم أثناء المقابلة إياها.
في اليوم الموالي استدعى عبد القادر الصحراوي (وزير الإعلام ساعتها) الصحفي مصطفى العلوي فأخبره بأن الملك الحسن الثاني سيرسل له مبعوثا ملكيا خاصا، وكذلك كان، حيث فاجأه عبد الوهاب بن منصور مؤرخ المملكة رفقة أربعة (مخازنية)، ليعلمه بأن الملك الحسن الثاني كان سيستقبله شخصيا لولا إصابته بنزلة زكام حالت دون ذلك، وأنه جاء مبعوثا بالنيابة عنه. طلب منه بن منصور، باسم الملك أن يشرح له سر الخبر الذي نشره في صحيفته حول المقابلة التي أقسم فيها هؤلاء الزعماء على المصحف بألا يُسربوا الخبر خارج أسوار القصر، وأن يقدم له بيانات حول المصدر الذي أسر له بالخبر، أو بالأحرى الشخص الذي أفشى سر الملك. وكان الملك الراحل قد أرسل مع عبد الوهاب بن منصور ظرفا مفتوحا، سلمه إياه أحد « المخازنية » ليكتب فيه اسم هذا المصدر، ثم ناوله لـ « مخزني » آخر حفاظا على السرية التامة، للعملية التي دارت أطوارها في منزل وزير الإعلام. فعلا كتب مصطفى العلوي على ورقة أخرجها من الظرف (يا سيدي إنك قابلتني في مراكش بتاريخ كذا، وقلت لي إن الصحافي الحر لا يكشف عن مصدره) ثم سلمها بعد ذلك لـ »المخزني » بعد أن وضعها في الظرف.
بعد ذلك تدخل البوليس وطرد صحافيا من أصول جزائرية كان يشتغل لحساب وكالة « يونايتد بريس »، على اعتبار أنه الشخص الذي كان وراء توصل مصطفى العلوي بالخبر إياه.
اغتيال مشروع ملك « كاريان سانطرال »مشروع بلوره الراحل محمد الخامس، وحرص الراحل الحسن الثاني على أن ينجزه على أرض الواقع، إلا أن شلة عبد العزيز العفورة، المسنودة من طرف إدريس البصري وصهره، نصبت على الملك وحولت المشروع عن مرماه الأصلي. تعثر هذا الأخير أكثر من مرة وتبددت أمواله في منتصف الطريق. إنه مشروع الحسن الثاني العقاري الرامي إلى إيواء سكان « كاريان سنطرال » بالدار البيضاء، الذي اغتالته الطغمة « البصروية »، في مهده. ولا زال ضحايا نصبها واحتيالها محرومين من السكن اللائق الذي وعدهم به الملك الراحل محمد الخامس، الملقب من طرف الاستعمار بـ « سلطان الكاريان »، وحرص بعده، ابنه الراحل الحسن الثاني على تحقيقه، وفاء لرغبة والده.
بدأت حكاية هذا المشروع في السنوات الأولى من الاستقلال، حيث أصدر الراحل محمد الخامس بنفسه تعليمات واضحة ترمي إلى بناء مساكن لائقة لكل قاطني « الكاريان » الكائن بالحي المحمدي ـ عين السبع. ومنذ اعتلائه عرش البلاد سنة 1961، تابع الملك الراحل الحسن الثاني هذا « الحلم الملكي »، حيث جدد تعليمات والده وكلف إدريس البصري، وزيره في الداخلية، في بداية الثمانيات بإنجازه.
ضم هذا المشروع تشييد 10 آلاف مسكن على مساحة 44 هكتارا، وبدأت الأشغال، لكن سرعان ما توقفت بفعل تبديد وتحويل واختلاس أجزاء هامة من الأموال العمومية المرصودة له.
ففي التسعينات أعطيت انطلاقة ثانية لمشروع تشييد 10 آلاف مسكن اقتصادي لفائدة سكان « الكاريان »، وتم الاتفاق مع شركة « كوجيبا »، من أجل انجازه، وبعد انطلاق الأشغال انكشف أمر النصب والاحتيال، حيث تم اعتماد خدعة، مفادها إنجاز 6 آلاف مسكن اقتصادي (عوض 10 آلاف) و 4 آلاف شقة غير مرصودة لقاطني « الكاريان » خلاف ما أقرت به رغبة الملكين؟! تم تحديد ثمن 6 آلاف مسكن اقتصادي في 100 ألف درهم، في حين تحدد ثمن 4 آلاف شقة المتبقية في 200 ألف درهم، بعد حرمان قاطني « الكاريان » منها. هكذا تم التخطيط للخدعة، ورغم ذلك لم يتم انجاز ـ حتى ـ ما تم تسطيره نصبا واحتيالا!
وفي نهاية المطاف، لم يتمكن النصابون سوى من تشييد 2121 مسكن من أصل 10 آلاف، ولم تتحقق رغبة الملكين، محمد الخامس والحسن الثاني، بفعل احتيال وفساد « طغمة البصري »، ولا زال عدد كبير من قاطني « الكاريان » يعانون لحد الآن، مات الأجداد والآباء وبقي الأولاد، والأحفاد محرومين من حق أقر به الملكان منذ منتصف الخمسينات!يهود نصبوا على المغرب والمغاربة؟!
أشار أكثر من مصدر أن شكوكا كثيرة ظلت تحوم حول « دافيد عمار » بخصوص النصب على البلاط ومجموعة من الموظفين السامين، بشأن مبالغ مالية « طيطانيكية »، تكلف بتوظيفها أو تهريبها للخارج، وبذلك تسبب هروبه من المغرب، في نهاية 1971، في ضياع مبالغ مالية هائلة من أموال الملك الراحل الحسن الثاني ومجموعة من الوزراء والضباط السامين وكبار رجال الأعمال المغاربة الذين كانوا يثقون به، لتهريب أجزاء مهمة من ثرواتهم إلى الخارج أو توظيفها هناك.
لم يكن دافيد عمار شخصا غريبا عن البلاط ومجال الأعمال، فحول مائدته كانت تعقد الصفقات المريبة!آنذاك، في فجر سبعينات القرن الماضي، كان دافيد أول محتكر للحبوب ببلادنا وأول مستورد لها. وسّع نشاطه السياسي بعد الاستقلال، حيث أسس جمعية الوفاق التي ضمت حينئذ جميع رجال الأعمال، اليهود المغاربة.
وبعد أن بدأت عملية تهريب اليهود المغاربة إلى الكيان الصهيوني، وحدوث كارثة الباخرة « بسيس » التي غرقت في عرض البحر، إذ لقي عشرات اليهود العجزة والأطفال حتفهم، توقف نشاط هذه الجمعية فحول دافيد اهتمامه، حيث لجأ إلى النخبة السياسية الموالية للبلاط فقوَّى صدقاته بالأعضاء المؤسسين لجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (الفديك) وبالمقربين من الملك، ضمنهم صهره أحمد عصمان. وبفضل هذه العلاقات تمكن دافيد من الفوز بمقعد بمجلس المستشارين، ففتح مكتبا للمعاملات التجارية بباريس كغطاء للقيام بتهريب الأموال وتوظيفها بالخارج لفائدة البلاط وكبار الأثرياء مقابل عملات ضخمة. ورغم ذلك اعتمد حيلا للسطو على كميات كبيرة منها، مما ساعده على توسيع نشاطه وبناء شبكة مهمة من العلاقات اخترقت دواليب الدولة حتى أضحى عدد كبير من الموظفين السامين والشخصيات الوازنة بالمغرب في خدمته!.
حينما ورد اسمه بلائحة المتهمين في محاكمة الوزراء سنة 1971 (التي أحدثت من أجلها محكمة العدل الخاصة)، لم يصادف أدنى صعوبة في مغادرة المغرب بكل اطمئنان. ففي غضون شهر نونبر من سنة 1971 أشاع المشيعون في العاصمة، الرباط، أن دافيد عمار تمكن من مغادرة البلاد، رغم صدور أمر اعتقاله، وذلك برغبة من جميع أصدقائه وشركائه، وحتى ضحاياه، كي لا يفضح أمرهم. آنذاك كانت النيابة العامة لدى محكمة العدل الخاصة قد وجهت إليه تهمة منح رشوة لأحد الوزراء السابقين المعتقلين، قدرها سبعون مليون فرنك دفعة واحة!فور طلوع اسمه في لائحة المتابعين فر دافيد، تم ذلك يوم صدور الأمر باعتقاله، حيث أخبرته جهة وازنة بالأمر، فتوجه إلى مطار « طيط مليل » المدني وامتطى طائرة مدنية صغيرة في ملكية أحد أصدقائه، بعد أن طلب رخصة التوجه إلى مطار فاس. لكن عندما حلقت طائرته فوق العاصمة العلمية حولت مسارها إلى الناظور ثم المضيق لتحط بمطار « مالقا » الإسبانية بدعوى حدوث عطب طارئ.
كان كل من « باروك دهان » و »سوسان » و »مانتو » وهم يهود مغاربة، قد اختفى أثرهم بعد هروب (دافيد). في البداية توجهوا إلى كندا، ثم استقروا بالكيان الصهيوني (إسرائيل) بعد أن خلفوا وراءهم عددا لا يستهان به من الأغبياء، الذين أصبحوا أثرياء بفضل مواقعهم ونفوذهم، وضعوا فيهم ثقتهم وكلفوهم بأموالهم التي طارت بمغادرتهم البلاد.ومن اليهود المغاربة الذين نصبوا على المغرب والمغاربة، الإخوان « أوحنا »، « بول » و »هنري »، خريجا المعاهد العليا بفرنسا.
اضطلع الأول بمسؤولية إبرام شراكة مع المجموعة الإيطالية « إي. ني » (ENI) لإحداث أول مجموعة مغربية لتكرير النفط « لاسامير »، إذ كان قائما على صفقات اقتناء البترول الخام من الخارج، وموازاة مع ذلك ائتمنه البلاط والقيمون على أمورنا أموال عمومية طائلة ففر بجزء كبير منها، لكن الدوائر العليا تسترت عليه إلى حين تمكينه من حط الرحال بالكيان الصهيوني، حيث أنشأ هناك مختبرا للأبحاث في مجال البترول والبيئة بتل أبيب.
أما الثاني، « هنري أوحنا »، فقد تمكن من ولوج سلك الإدارة العمومية، إذ قام بتسيير مجموعة من الدواوين الوزارية، منها الفلاحة والتجارة والمالية، إذ تألق في مشواره حتى تمكن من الاستحواذ على منصب ممثل المكتب الشريف للتصدير بالديار الأوروبية، وتزامنت مرحلته مع اختفاء مبالغ مالية هائلة من عوائد المكتب دون أن يظهر لها أثر، إضافة إلى أموال أخرى كان يقوم بتهريبها لفائدة شخصيات وازنة في البلاد، مستغلا منصبه. كما كان « هنري » هذا أول من روج، منذ 1968، لبيع المصانع الجاهزة (CLEF EN MAINS) بالمغرب الذي غادره مباشرة بعد انقلاب يوليوز 1971 متوجها إلى إسرائيل.وقد عمل الإخوان أوحنا (« هنري » و »بول »)، « روبير أسراف »، « مانتو » وشريكه « باروخ دهان » و »سويسا »، وهؤلاء جميعهم يهود مغاربة، على استثمار الأموال المهربة من المغرب (أموالهم والأموال المحصل عليها بالنصب والاحتيال) بالكيان الصهيوني.
وقد كشفت محاكمة الوزارة سنة 1971 أن « باروخ دهان » وشركاءه تلاعبوا بأموال صندوق الإيداع والتدبير بتواطؤ مع القيمين عليه، وأغلب هذه الأموال عرفت طريقها إلى إسرائيل.ترشيح مشبوهين لنيل أوسمة ملكية
لقد تعرض الملك الراحل الحسن الثاني أكثر من مرّة لخدع بخصوص التقارير المرتبطة بالمرشحين لنيل أوسمة ملكية.
كما دأب بعض المقربين من الملك على ترشيح أشخاص للأوسمة رغم تورطهم البيّن في ترويج المخدرات والاغتناء السريع عن طريقها. ضمن هؤلاء رشيد التمسماني الذي تمكّن من رئاسة الفريق التطواني لكرة القدم والوصول إلى الجامعة الملكية سنة 1995، ومنها فُتحت له أبواب البلاط ليوشحه الملك الراحل الحسن الثاني بوسام ملكي.
لم يخبر إدريس البصري الملك بحقيقة التمسماني، رغم علمه بأنه أحد كبار « بارونات » المخدرات بالشمال، ورغم إدراج اسمه في لائحة الحملة التطهيرية التي أعدها للتخفيف من الحرج الذي أحدثه تقرير المرصد الجيو استراتيجي للمخدرات بالنسبة للمغرب وملكه أيضا.« نصابة » حاولوا تسميم علاقة الحسن الثاني بأخيه
لم يكن الأمير الراحل مولاي عبد الله، أخ الملك الراحل الحسن الثاني، ضحية مؤامرات من ذيول الخيانة، مستهدفا من طرف تدبير مخابراتي فقط، وإنما كان كذلك ضحية لأكثر من حالة نصب واحتيال، الكثير منها استهدفت تأليب أخيه الملك عليه، وتسميم علاقتهما. ولم يكن الراحل الحسن الثاني على علم بالعديد من جوانب هذه المؤامرات، كما أن أخاه الأمير الراحل مولاي عبد الله اختار، عن طيب خاطر، التعالي عليها نظرا لطيبوبته وعدم اهتمامه بدواليب الحكم واللهث وراء السلطة، ولكونه سعى إلى العيش مهتما بأسرته ونفسه، غير مبال بما يخرج عن النمط الحياتي الذي اختاره.
وتظل أكبر عملية احتيال تعرض لها الأمير الراحل، خطة وضعها مجموعة من الخونة وبعض أقطاب سلطة الاحتلال الفرنسي، الرامية إلى وقف موجة الغضب الشعبي بعد تنحية الملك محمد الخامس عن العرش، مفادها الإعلان عن تعيين الأمير مولاي عبد الله ملكا بدل والده وإبعاد الملك محمد الخامس آنذاك وولي عهده الحسن الثاني عن المغرب، وقد علق الملك في خطاب العرش على ذلك يوم 18 نونبر 1952 بالقول : « .. الحماية الفرنسية بالمغرب مثل قميص أعد لطفل صغير، كَبُر الطفل ونما وترعرع وبقي القميص على حاله ».ومن القضايا التي كانت سببا في خلافات الأمير مع أخيه الملك، أن جماعة من المقربين كانوا يستغلون هذا القرب للتفاوض باسمه ولتنمية مصالحهم والنصب على آخرين.
وقد اكتشف الملك الراحل الحسن الثاني عدة حالات من هذا القبيل، لذلك ما فتئ يلوم أخاه، وبشدّة أحيانا ، بخصوص علاقته بأشخاص دأبوا على الإساءة له.
لقد كان معروفا عن الأمير الراحل مولاي عبد الله تعلقه بأصدقاء طفولته وشبابه، سيما الذين درسوا معه في المعهد المولوي، بينهم عبد الحق القادري وجنان، وقد كان هذا الأخير قائما على مجموعة من مصالحه ومشاريعه.
ظل الأمير الراحل متسامحا يغفر للمخطئين في حقه بكل سماحة وسهولة. الشيء الذي دفع بعض المقربين منه للنصب على الغير باسمه، قصد السطو على عقارات وأراضي زراعية أو الاستيلاء على شركات، غير أن أمرهم سيفضح فيما بعد.ومن النوازل التي أقلقت الملك آنذاك، محاولة بعض ا لمقربين من الأمير السطو على أراضي لإقامة تجزئات أو ضيعات باسمه وتوهيم أصحابها والقائمين عليها بأن ذلك يدخل في إطار تحقيق رغبات الأمير؛ ومن الحالات التي انكشف أمرها، أرض بالفوارات وأراضي أولاد خليفة بالغرب التي أثارت ضجة اجتماعية كبيرة في فجر السبعينات، وقد سقط على إثرها فلاحون بفعل القمع الدموي الذي أشرف عليه شخصيا الجنرال محمد أوفقير، وقد ارتبطت هذه القضية بوسيط يدعى « لوموان ».
وانكشف أيضا أمر سطو آخر باسم الأمير ودون علمه، تورط فيه الكولونيل بوبكر. وكان جل المقربين منه والمحيطين به يتاجرون باسمه، ورغم علمه بتصرفاتهم المشينة وانكشاف بعضهم لم يسبق للأمير الراحل أن كان سببا في إيذاء أحد منهم.
وبعد وفاته، سطا الكثير من هؤلاء على جملة من أمواله وأملاكه، ضمنهم شخصيات وازنة في الدولة. ورغم تدخل الملك الراحل بهذا الخصوص، تمكن جلهم من الاستحواذ على جزء من تركة المرحوم الذي كان يثق بهم كثيرا، وقد أضحى بعضهم، بين عشية وضحاها من أكبر الأثرياء.ما دفع الملك الراحل الحسن الثاني، بعد وفاة أخيه، إلى البحث عن الذين كانوا يتصرفون في أموال وعقارات وشركات أخيه، عندما اكتشف، بالحجة والدليل أنهم نصبوا عليه فعلا.
القنبلة النووية المغربية مجرد نصب واحتيال
في نهاية سبعينات القرن الماضي كانت بلادنا ضحية عملية نصب واحتيال، يمكن عنونتها بوهم القنبلة النووية المغربية.
آنذاك حدث لقاء مع الباحث الفرنسي « آلان بيكر »، وبالضبط يوم 25 أكتوبر 1981، حيث أوهم ضباط سامين مغاربة أنه من ا لممكن التفكير في إنتاج قنبلة نووية باستعمال اليورانيوم المستخرج من فوسفاط بوكراع، وهو من النوع u 235 الصالح لهذا الغرض.
بعد اللقاء الأول مع الباحث الفرنسي، رئيس المعهد الدولي للإبداع والاختراع، الذي تم في سرية تامة، تلافيا لإخبار الجارة الجزائر والبلدان الأوروبية بالأمر، تم منح كل الصلاحيات لعناصر المديرية العامة للدراسات والتوثيق (لادجيد) تحت إمرة الجنرال أحمد الدليمي قصد تمكينهم من تجاوز كل العراقيل البيروقراطية والتغلب عليها.
كما أن كل الموارد البشرية والوسائل التقنية وكافة المستندات والكفاءات التي بحوزة وزارة الطاقة- كانت تحت إشراف موسى السعدي آنذاك – وُضعت رهن إشارة الباحث الفرنسي لإنجاح مشروع « القنبلة النووية المغربية » والذي أطلق عليه اسم « كازوجين ».وقد جرى اللقاء مع الباحث الفرنسي « ألان بيكر » بالعاصمة البلجيكية (بروكسيل) عبر وساطة أحد مستشاري السفارة المغربية هناك، يٌُدعى بنموسى، هذا الأخير رتب لقاء يوم 25 أكتوبر 1981 بينه وبين ضباط سامين مغاربة، طلب خلاله الباحث الفرنسي ما يناهز 300 مليون درهم وجملة من المعدات الواجب اقتناؤها من إسبانيا وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا والنرويج والسويد، تحت غطاء استيراد تجهيزات خاصة بقطاع النسيج. تمت الموافقة على دفع نصف المبلغ المالي المتفق عليه لحظة التوقيع على العقد وإرجاء النصف الثاني إلى حين إجراء أول تجربة مقنعة.
غير أن هذا المشروع لم ير النور، إذ لم يتم حتى الشروع في إنجازه. وقد قيل إنه تم التنصت على مكالمة هاتفية بين الباحث الفرنسي « آلان بيكر » وأحد معاونيه عندما كان مقيما بأحد الفنادق الراقية بمدينة أكادير، حيث تلفظ بما معناه .. » سنضحك على هؤلاء الأغبياء .. فهل يعتقدون أننا سنمكنهم من قنبلة نووية بهذه السهولة؟! »
علما أن الكثيرين لم يستسيغوا هذه الرواية، باعتبار أن الباحث الفرنسي زار المغرب أكثر من مرة بعد إقامته بالفندق بمدينة أكادير.حين نصب هشام المندري على الملك
في المرحلة الأخيرة من حياته، تعرض الملك الراحل الحسن الثاني لأكثر من عملية نصب وسرقة همت أحيانا أشياء خاصة به، كما حدث بخصوص الخاتم الملكي الذي اختفى من مكانه إضافة إلى مجموعة من الوثائق المهمة التي تم السطو عليها من مكتب أحد مستشاريه، وساعات ثمينة ناهيك عن أشياء أخرى غالية الثمن، سرقت من غرف الملك الخاصة، كما تبخرت كميات هائلة من الأموال (دراهم، دولارات وأوروات…) ومستندات من خزائن غرف الملك الحديدية.
غير أن أكبر عملية نصب وسرقة تعرض لها الملك الراحل الحسن الثاني، حدثت في صيف سنة 1998، عندما عاد من زيارة رسمية إلى مصر، حيث لوحظ اختفاء دفتر شيكات خاص بالملك، وحقيبة مملوءة عن آخرها بالدولارات الأمريكية، من عقر غرفته الخاصة، التي لا يلجها إلا قليلون معلومون، على رأسهم فريدة الشرقاوي، امرأة ثقة الملك الأولى، إذ كانت القيّمة على مختلف تفاصيل ودقائق الغرف الخاصة للملك، الماسكة بمفاتيح خزائنه وأرقامها السرية ومستودعات أمواله (بالدرهم والدولار والأورو).
وقد تناسلت بهذا الخصوص أكثر من رواية منها احتمال تواطؤ فريدة الشرقاوي مع هشام المندري على تهريب أموال وشيكات ووثائق سرية خارج البلاد، منها كذلك احتمال رغبة فريدة الشرقاوي في تأمين أيامها القادمة بعد رحيل الملك الذي كان قد هدّه المرض وبدت عليه علامات اقتراب موعد التحاقه بالرفيق الأعلى، ومنها أيضا أن هشام المندري خدع الملك وامرأة ثقته الأولى، في ظرف غفلة واستغلاله لفلتان مراقبة شؤون القصر ودواليبه من يد الملك الذي أنهكه المرض وأغرقه في وجوم شديد.الإخوان بوريكات
ظل الملك الراحل الحسن الثاني يعتبر أنه خدع من طرف الأجهزة الأمنية والقضاء بخصوص الإخوان بوريكات، إلى حد النصب عليه بتوهيمه أنهم متورطون في انقلاب كان يهيئه الجنرال أحمد الدليمي، وفي نوازل الاستيلاء على أموال طائلة بعد إنجاز صفقات مشبوهة بمال الملك واستغلال اسمه ونفوذه دون علمه.
وبهذا الخصوص سبق للمؤلف الفرنسي « ايريك لوران »، صاحب كتاب « الحسن الثاني، ذاكرة ملك »، أن سأل الراحل الحسن الثاني عما إذا كان يظن أن فضيحة « نازلة الإخوان بوريكات » ناجمة عن خطأ فادح ارتكبته الأجهزة الأمنية والقضاء، فكان جوابه بالإيجاب، لكنه أضاف – حسب « لوران » ـ « إن تركهم يخرجون من السجن كان خطأ فادحا كذلك… »
ومن المعلوم أن علي بوريكات تمكن من الحصول على اللجوء السياسي بالولايات المتحدة الأمريكية مقابل كشفه عن جملة من الأسرار خاصة بالبلاط وبفرنسا، سيما تلك المتعلقة بشبكات الاتجار في المخدرات بمباركة مسؤولين مغاربة وفرنسيين وازنين مقربين جدا من دوائر صناعة القرارات الكبرى والحاسمة، وهم الذين ساهموا بشكل كبير في حماية كبار مهربي كورسيكا ومارسيليا وباريس، مما قوّى نفوذهم ونشاطهم تحت غطاء بعض الشركات المستقرة بالمغرب، أهمها شركة « بيرنو وريكار » التي كانت تتوفر على مختبرات لصنع الكوكايين على تراب بلادنا حسب ما أدلت به زوجة مالك الشركة المذكورة بالديار الأمريكية، حيث تقضى بقية عمرها بعد تمتيعها باللجوء السياسي.
للإشارة أطلق سراح علي بوريكات رفقة شقيقه سنة 1991 من سجن تازمامارت، حيث تم اعتقالهم جميعا في صيف 1973 ولم تعرض قضيتهم على أنظار العدالة.
هل أوفقير خدع الأسرة الملكية أكثر من مرّة؟
إن المتتبع لمسار الجنرال محمد أوفقير، يتوصل بسهولة إلى صحة الفكرة القائلة بأن الجنرال فرضه الاستعمار الفرنسي فرضا على البلاط، قبل مغادرته بلادنا، ليحتل الموقع الذي ظل يحتله في دواليب صناعة القرار ودوائره، واستمر في احتلاله بفضل دعم الأمريكيين والموساد.
حاليا، بعد تسليط الأضواء الكاشفة على عدّة زوايا من تاريخ المغرب كانت مغيبة أو مسكوت عنها، يطرح السؤال هل محمد أوفقير خدع الملكين محمد الخامس والحسن الثاني ونصب عليهما على امتداد مشواره؟
لقد ظل محمد أوفقير يسعى إلى السلطة منذ أضحى محسوبا على الضباط. فمع بداية الإستقلال أخذ يبحث عن تثبيت قدميه في دواليب الحكم، وشرع بتأسيس مؤسسات عسكرية لتكوين رجال موالين له، عيّن على رأسها رجال ثقته. فقد عمل على أن يكون الكولونيل الفرنسي « كوردان » على رأس مدرسة الاتصالات بالقنيطرة ثم تلاه إدريس الزرهوني، والثانوية العسكرية بالقاعدة الجوية بالقنيطرة التي ترأسها الكولونيل الفرنسي « لا نجري » قبل أن يخلفه « لوباريز ».كما حرص محمد أوفقير على تعيين من يكّن له الولاء، من الذين عملوا بجانبه في الهند الصينية والفيتنام، في مناصب عسكرية ومدنية عليا.
ومن المعلوم أن السلطات الفرنسية كانت قد اعتمدت على محمد أوفقير، بعد نفي الملك الراحل محمد الخامس وتنصيب محمد بن عرفة، لعزل كل القواد ورجال السلطة الوطنيين وتعويضهم بمن شاركوه في الحرب العالمية الثانية تحت لواء الراية الفرنسية، وأغلب هؤلاء نعتوا بالخونة، غير أنه لم تصادر أملاكهم كما حدث للبعض، ضمن هؤلاء القائد اعبابو بالغرب والقائد بنسليمان… كل المحيطين بمحمد أوفقير، إما تربطهم به علاقة قرابة أو سبق لهم أن عملوا إلى جانبه في الجيش الفرنسي أو تخرجوا من مدارس الأعيان الموالين للاستعمار أو من أبناء الخونة.
ونظرا لأن القنيطرة احتضنت أهم قاعدة جوية ذات أهمية استراتيجية « حلف أطلسية »، وأيضا لأن محمد أوفقير بدأ تقعيد نفوذه اعتمادا على المؤسسات التي أنشأنها بها، فإن هذه المدينة ظلت منطلقا لمجموعة من المؤامرات هندس لها الجنرال الدموي، بما في ذلك محاولة تسميم الملك الراحل الحسن الثاني بواسطة طباخ يدعى « صلاح » وانقلاب الصخيرات (أحد الأخوين اعبابو كان يقطن بالقنيطرة) والهجوم على الطائرة الملكية.. ولا يخفى على أحد أن الجنرال محمد أوفقير كان يقضي جل أوقات فراغه بالقنيطرة أو بضواحيها (الفوارات).كما أن محمد أوفقير وقف بقوّة ضد رغبة الملك الراحل محمد الخامس لما تبين بروز تيار « فرنسا الحرّة » تحت الاحتلال النازي. آنذاك كان الراحل محمد الخامس قد نادى على قائد منطقة الغرب وطلب منه أن ينشر رسالة دعم ومساندة تيار « فرنسا الحرة » وسط الضباط، غير أن محمد أوفقير والفرنسيين الموالين لحكومة « فيشي » النازية دبّروا جميعا مكيدة لقائد المنطقة وتخلصوا منه بعد علمهم بأمر الرسالة، حيث وضعوا مكانه القائد بوشعيب الحريزي الموالي لهم ولأوفقير حتى لا تصل رسالة الملك إلى أصحابها، وهذا ما أدى إلى وقوع معارك ضارية بين الأمريكيين والفرنسيين الموالين لحكومة « فيشي »، عند الإنزال بشواطئ المهدية.
وكان محمد أوفقير أيضا ضمن المجموعة التي وقّعت على إبعاد الملك الراحل محمد الخامس عن العرش، إذ زكّى اختيار الإقامة العامة الفرنسية لمحمد بن عرفة كسلطان مفبرك. وفعلا اضطلع الضابط محمد أوفقير بمهمة الحراسة الخاصة لمحمد بن عرفة بعد تنصيبه، وكان القيم على أمنه الشخصي. ولم يقف محمد أوفقير عند هذا الحد، بل ظل يعمل في الخفاء، بجدية ونشاط، ضد عودة الملك الراحل محمد الخامس إلى عرشه حتى آخر لحظة.ومن المعلوم أن محمد أوفقير هو الذي تكلّف بمرافقة محمد بن عرفة إلى مدينة « نيس » الفرنسية للاستقرار بها بعد عودة الملك الشرعي إلى عرشه.
فكيف خدع الملكين الراحلين، محمد الخامس والحسن الثاني في محمد أوفقير، رغم أن تاريخه كله ينضح خيانة؟خدعة القضاء على « الثورة » الريفية في « رمشة عين »
على إثر خدعة إخماد ثورة الريف دون إراقة دماء، بعد كشف أمر المتاجرة والمؤامرة في اتفاقية « ايكس ليبان » المعلنة عن الاستقلال المبتور للبلاد، اندلعت أحداث دموية بالريف بلغت ذروتها خلال سنتي 1958 و 1959، تدخلت خلالها القوات المسلحة، حديثة التأسيس حينئذ بقيادة الراحل الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك، الذي كان قد وعد أباه محمد الخامس أنه سيعمل على حل المشكل بالتي هي أحسن دون إراقة دماء، غير أن الأمر كان خلاف ذلك.
لقد اعتبرت جماعة من مقاومي وأعضاء جيش التحرير أن الاستقلال المعلن عنه، استقلال مبتور وبمواصفات خاصة لا تخدم آمال الشعب وانتظارات قواه الحية، لذلك قرروا عدم التخلي عن السلاح والاستمرار في حرب التحرير، فاتجه الجيش تحت قيادة محمد أوفقير لإبادة انتفاضة القبائل الريفية، احتجاجا على التلاعب بمفاوضات « ايكس ليبان » في حق المغرب والمغاربة.
لقد أصرت جماعة من جيش التحرير على الاستمرار في المقاومة، حيث رفضوا طرح السلاح إلى حين تحرير سبتة ومليلية والصحراء والجزائر وكافة بلدان شمال افريقيا لتحقيق الاستقلال الكامل غير المنقوص. لذلك حظي هؤلاء بدعم الريفيين الذين سبق وأن عاينوا كفاح محمد بن عبد الكريم الخطابي. ومما أجج انتفاضة الريفيين، تعيين عامل بمنطقتهم أساء معاملتهم، فرفضوا بقاءه بين ظهرانيهم.
لقد اعتبر أهل الريف اتفاقية « ايكس ليبان » اتفاقية الخزي والعار، وبين عشية وضحاها أصبح مقاومو الريف متمردين وفوضويين في نظر الرباط.
في البداية، أرسل الملك الراحل محمد الخامس، المحجوبي أحرضان، الضابط السابق في الجيش الفرنسي، إلى أهل الريف قصد الوساطة بين البلاط وأعضاء جيش التحرير الرافضين للاستقلال الأعرج، غير أنه لم يُوفّق في مهمته، نظرا لسمعته السيئة بين صفوف أغلب أعضاء جيش التحرير بالشمال.كما أن التاريخ سجل أن المهدي بنبركة، وصف انتفاضة الريف بالانتفاضة « الإقطاعية »، وهي نغمة نشاز تنضاف إلى نغمة أخرى سبقتها، وهي مشاركته في مفاوضات « ايكس ليبان » وتزكيتها رغم علمه، هو القائد السياسي الواعي والمحنك، بعدم خدمتها لقضية المغاربة.
لقد اندلعت المواجهات بين أبناء الريف في مقبرة الشهداء بأجدير، حيث سقط خلالها الكثير من القتلى. انتشر الغضب المستطير وسط السكان وتمترسوا في جبل « كوين »، وبذلك كانت انطلاقة العصيان الذي سرعان ما شمل المناطق المجاورة. وبدأ الحديث عن تشكيل حركة التحرير والإصلاح الريفية، وصدر ميثاق في 7 أكتوبر 1958، ركز على المطالبة بتسيير الريف من طرف الريفيين، وتم الإعلان عن تأسيس « جبهة النهضة الريفية » دفاعا عن « الكرامة الريفية ».
وفي بداية يناير 1959 بدأ قمع الانتفاضة في ظل حكومة عبد الله إبراهيم، حيث انتقل الراحل الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) رفقة محمد أوفقير إلى الريف، على رأس ما يناهز 20 ألف جندي، فتعرضت قرى الريف للقصف الجوي المكثف لمدة أسبوع ليل نهار.
وأكد أكثر من مصدر أن طائرة الحسن الثاني أصيبت بعيارات نارية بسماء الحسيمة. وللتذكير بهذه النازلة سبق للراحل الحسن الثاني أن قال في إحدى خطبه سنة 1974: « [..] أما سكان الريف فهم يعرفونني جيدا ».
كانت مواجهة الريفيين عنيفة ووحشية باستعمال الدبابات والطائرات والمدافع الرشاشة التي أُطلق عنانها عشوائيا.. هدمت البيوت ودهمت المنازل وحرقت المزروعات وبُقرت بطون بعض الحوامل واغتصبت نساء وفتيات… وحسب مصادر متعددة خلف الهجوم ما يناهز 8000 قتيل دفنوا في مقابر جماعية ناهيك عن آلاف الجرحى.
تلك كانت خدعة « إخماد انتفاضة الريف بالتي هي أحسن دون إراقة دماء ».إن نظرة الملك الراحل الحسن الثاني للريف كانت خاصة ومطبوعة بحكم قيمة، له دوافعه تاريخيا، والذي شكل أرضية الانطلاق في التعامل مع هذه المنطقة على امتداد العهد االحسني. وقد تكرست اللبنات الأولى لهذا المنطلق منذ أحداث 1958 والفظاعات التي رافقتها.
تلك كانت نقطة البداية، حيث تكرس هذا المنحى الذي، دفع سكان المنطقة – بشهادة أغلب المحللين – إلى التوجه نحو الخارج مبكرا، والذي كان بالنسبة لأغلب الريفيين المنفذ الوحيد للتمكن من تحسين واقع حالهم والتوق إلى غد أفضل من يومهم.ثلاث مخابرات خدعت الملك الحسن الثاني
ظلت جهات خارجية، غير بعيدة عن الملك الراحل الحسن الثاني، أحيانا، عبر علاقات مباشرة وفي غالب الأحيان عبر عملاء أو علاقات وطيدة مع أقرب المحيطين بالملك والمقربين من البلاط ودوائر صناعة القرار، تحاول خداعه.
إنها الموساد الإسرائيلية والمخابرات المركزية الأمريكية (سي- إي- يا) ومديرية التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس التابعة للمخابرات الفرنسية.
وظلت هذه الجهات قريبة من القصر الملكي لدواعي مرتبطة بأمن الأسرة الملكية والقصور، كما أنها لم تكن غائبة كليا عن ركح الصراع حول السلطة، إما بدعم المعارضة أو دعم النظام، للتخلص من هذه الأخيرة أو بالإشراف على تكوين عناصر الأجهزة الأمنية والمخابراتية المغربية وإعادة هيكلتها من فترة لأخرى، وبفضل عناصر هذه الجهات تمكنت المخابرات والأجهزة الأمنية المغربية من اختراق الأحزاب السياسية واستدراج بعض قاداتها للتعامل معها.
وفي فترات معينة عملت بعض عناصر هذه الجهات الأجنبية، إما بتنسيق فيما بينها أو كل واحدة على حدة، على التخطيط بهدف التخلص من الملك الراحل الحسن الثانيفي منتصف سبعينات القرن الماضي، بعد نجاح المسيرة الخضراء، كلف الملك الراحل الحسن الثاني، وزيره الأول وصهره أحمد عصمان، بمعية أحمد العسكي، باقتناء طائرة من نوع « بوينغ 727 » آخر موديل، لجعلها طائرته الخاصة تعويضا عن الطائرة « بوينغ 727 » التي تعرضت للقصف سنة 1972، في الانقلاب العسكري الثاني، الفاشل.
ففي غشت 1972، كان الراحل الحسن الثاني، قد توجه إلى فرنسا لقضاء بضعة أسابيع في قصر « بيتز » على بعد ستين كيلومتر من باريس، الذي كان في ملكيته. وفي طريق عودته على متن طائرة « بوينغ 727″، فوجئ ربانها، العقيد القباج وهو على مشارف أجواء جبل طارق بسرب من طائرات « إف5 » تطارد الطائرة الملكية، وبينما الربان يحاول، دون جدوى الاتصال ببرج المراقبة، كانت إحدى طائرات « إف5″، قد شرعت في قصف مكثف للطائرة الملكية بين تطوان ومولاي بوسلهام، مما أسفر عن مقتل شخصين، ولم يكن أمام العقيد القباج سوى الحفاظ على توازن الطائرة كي تهبط في الأخير بأعجوبة بمطار الرباط سلا. نزل الملك متسترا من الطائرة المعطوبة التي قبع بداخلها في انتظار سيارة نقلته إلى جهة معينة بالرباط، حيث التحق به شقيقه الأمير الراحل مولاي عبد الله، رفقة الجنرال عبد الحفيظ العلوي والعقيد أحمد الدليمي آنذاك. وبعد تهدئة الأجواء واعتقال المتهمين، تم عرض طائرة « بوينغ 727″، بعد أسابيع، في متحف لمعدات طائرة « بوينغ »، إذ ذهل الخبراء والتقنيون الذين لم يصدقوا أن تكون الطائرة نجحت في مواصلة التحليق ثم الهبوط، سالمة تحت وابل من الرصاص والقصف المكثف.
بعد الامتنان بالربان العقيد القباج، أعجب الملك الراحل الحسن الثاني بهذه الطائرة، فأمر باقتناء طائرة أخرى « بوينغ 727″، مجهزة بطريقة أفضل وبأحدث المعدات الالكترونية والوقائية، مع إعادة تصميمها من الداخل لتكون جاهزة للاستعمال خصيصا لرحلاته، تضمن كافة أجواء الراحة الكاملة (مقاعد من الجلد الفاخر، مقابض أحزمة الأمان مصممة بشكل فريد، لوحات لكبار الرسامين تغطي بعض أركانها..).
في هذه الفترة (منتصف السبعينات) كان الملوك ورؤساء الدول وكبار أثرياء العالم، يفضلون طائرات « بوينغ » عن غيرها لاستخدامها كطائرات خاصة.أبرمت الصفقة، لكن تبين أن الطائرة لم تكن جديدة وإنما سبق استعمالها، حيث أعيد طلاؤها وتغيير أثاثها وديكورها، وتقديمها في الأخير للملك على أنها جديدة ومبتكرة!
وحسب مصدرنا، اتصلت جهات أجنبية مقربة من مصانع « بوينغ » الأمريكية، إضافة إلى جهة أخرى تابعة للوكالة الوطنية للأبحاث (NASA)، بشخصية مقربة من الملك الراحل الحسن الثاني وبشخصيات تعمل في سفارة المغرب بواشنطن وأخرى بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، لكشف حقيقة الطائرة الملكية الجديدة، التي أبرم صفقتها أحمد العسكي باعتباره وزير الأشغال العمومية وقتئذ.كشفت كل هذه الجهات أن الطائرة المقتناة بدت كأنها جديدة وبالسعر المحدد من طرف الشركة، غير أنها طائرة مستعملة أعيد ترميمها. وأكد مصدرنا رغم أن صفقة الطائرة الملكية المغشوشة سارت على كل الألسنة وشغلت الرأي العام، ومع ذلك تم طمس ملفها بل وإقباره. مقابل ذلك سطع نجم الشخصين الذين ارتبط اسمهما بالصفقة، أحمد عصمان وأحمد العسكي: ترأس الأول حزب التجمع الوطني للأحرار، بعد خلقه على طريقة « الكوكوت مينوت » للفوز بغالبية المقاعد في انتخابات بداية الثمانيات، في حين انتخب أحمد العسكي، تحت لواء نفس الحزب، بالعاصمة الاقتصادية، الدار البيضاء، وقد سبق لهذا الأخير، أن ترأس ودادية مهندسي القناطر والطرق، بين 1962 و 1963، كما عين وزيرا للفلاحة فيما بين 11 غشت 1970 و 23 أبريل 1971، وكان في منتصف السبعينات أحد التقنوقراطيين البارزين، بعد تخرجه من إحدى أكبر المدارس التقنية الفرنسية، مدرسة القناطر والطرق، وفور تخرجه ورجوعه إلى أرض الوطن، تحمل مسؤولية تسيير ميناء الدار البيضاء، (بين 1963 و 1965)، وقد توفي وهو يبلغ 74 سنة، في 28 نونبر 2004.
ومن المعلوم أنه توجد شركات ووسائط أوروبية وأمريكية تنشط في بيع الطائرات المستعملة من مختلف الأنواع والموديلات، وأن أسعارها تختلف حسب الموديل والحجم والنوع وعدد المحركات، وسعر طائرة « بوينغ 727 » موديل 1977 يناهز 12 مليون دولار (ما يقارب 120 مليون درهم).
نازلة كديرة صديق الملك
من النوازل التي تفوح منها رائحة الخدعة توهيم أحمد رضا كديرة قبل مرضه، الملك الراحل الحسن الثاني، بضمان استقراره في المغرب، دون نية مغادرته، في حين أن هذا الأخير كان بصدد تهريب كل ثرواته إلى الديار الفرنسية!
انكشف الأمر عندما علم الملك أن صديقه ومستشاره السابق، طريح الفراش، فعزم على زيارته. وفي طريقه إلى إقامة أحمد رضا كديرة، لاحظ الراحل الحسن الثاني أن سائقه الخاص يقوده خارج العاصمة الرباط، معتقدا أن صديقه يقطن بالقصر الذي شيده على أرض منحها إياه، تقع بالقرب من إقامات الأمراء والأميرات بالرباط وليس خارجها.
استفسر سائقه، فأكد له أن تلك الأرض لم تعد في ملكية أحمد رضا كديرة، لأن هذا الأخير باعها قديما للمعطي بوعبيد!زاد امتعاض الملك الراحل الحسن الثاني عندما عاين إقامة صديقه ببيت متواضع بتمارة لا يتوفر سوى على أثاث قليل جدا، وجده مستلقيا على سرير إلى جانبه كرسيان في غرفة متواضعة خاوية على عروشها، وقيل له، بعد سيل من الأسئلة، إن استقرار أحمد رضا كديرة بذلك البيت المتواضع مؤقت، في انتظار رحيله إلى الديار الفرنسية للإقامة هناك، بعد أن باع كل أملاكه وصفى كل مصالحه بالمغرب، وهرَّب أمواله إلى الخارج. لم يستسغ الملك الراحل الحسن الثاني أن يقدم أقرب أصدقائه على تهريب كل ممتلكاته إلى فرنسا للاستقرار بها دون إخباره بالأمر، هو الذي كان يثق به ويشاركه جميع أسراره، علما أن الظرف تزامن مع فكرة الملك عن خطر السكتة القلبية للمغرب آنذاك.
الصحفي « الحر » لا يكشف عن مصدره؟!
فصول هذه القصة تعود إلى مطلع السبعينات، وتحديدا عام 1972، حيث استقبل الراحل الحسن الثاني وقتها زعماء الكتلة الوطنية (عبد الله ابراهيم، المحجوب بن الصديق، عبد الرحيم بوعبيد وعلال الفاسي)، حيث دخل معهم في مفاوضات سرية انتهت بأدائهم القسم على المصحف الكريم، بعدم إفشاء ما راج بينهم أثناء المقابلة إياها.
في اليوم الموالي استدعى عبد القادر الصحراوي (وزير الإعلام ساعتها) الصحفي مصطفى العلوي فأخبره بأن الملك الحسن الثاني سيرسل له مبعوثا ملكيا خاصا، وكذلك كان، حيث فاجأه عبد الوهاب بن منصور مؤرخ المملكة رفقة أربعة (مخازنية)، ليعلمه بأن الملك الحسن الثاني كان سيستقبله شخصيا لولا إصابته بنزلة زكام حالت دون ذلك، وأنه جاء مبعوثا بالنيابة عنه. طلب منه بن منصور، باسم الملك أن يشرح له سر الخبر الذي نشره في صحيفته حول المقابلة التي أقسم فيها هؤلاء الزعماء على المصحف بألا يُسربوا الخبر خارج أسوار القصر، وأن يقدم له بيانات حول المصدر الذي أسر له بالخبر، أو بالأحرى الشخص الذي أفشى سر الملك. وكان الملك الراحل قد أرسل مع عبد الوهاب بن منصور ظرفا مفتوحا، سلمه إياه أحد « المخازنية » ليكتب فيه اسم هذا المصدر، ثم ناوله لـ « مخزني » آخر حفاظا على السرية التامة، للعملية التي دارت أطوارها في منزل وزير الإعلام. فعلا كتب مصطفى العلوي على ورقة أخرجها من الظرف (يا سيدي إنك قابلتني في مراكش بتاريخ كذا، وقلت لي إن الصحافي الحر لا يكشف عن مصدره) ثم سلمها بعد ذلك لـ »المخزني » بعد أن وضعها في الظرف.
بعد ذلك تدخل البوليس وطرد صحافيا من أصول جزائرية كان يشتغل لحساب وكالة « يونايتد بريس »، على اعتبار أنه الشخص الذي كان وراء توصل مصطفى العلوي بالخبر إياه.اغتيال مشروع ملك « كاريان سانطرال »
مشروع بلوره الراحل محمد الخامس، وحرص الراحل الحسن الثاني على أن ينجزه على أرض الواقع، إلا أن شلة عبد العزيز العفورة، المسنودة من طرف إدريس البصري وصهره، نصبت على الملك وحولت المشروع عن مرماه الأصلي. تعثر هذا الأخير أكثر من مرة وتبددت أمواله في منتصف الطريق. إنه مشروع الحسن الثاني العقاري الرامي إلى إيواء سكان « كاريان سنطرال » بالدار البيضاء، الذي اغتالته الطغمة « البصروية »، في مهده. ولا زال ضحايا نصبها واحتيالها محرومين من السكن اللائق الذي وعدهم به الملك الراحل محمد الخامس، الملقب من طرف الاستعمار بـ « سلطان الكاريان »، وحرص بعده، ابنه الراحل الحسن الثاني على تحقيقه، وفاء لرغبة والده.
بدأت حكاية هذا المشروع في السنوات الأولى من الاستقلال، حيث أصدر الراحل محمد الخامس بنفسه تعليمات واضحة ترمي إلى بناء مساكن لائقة لكل قاطني « الكاريان » الكائن بالحي المحمدي ـ عين السبع. ومنذ اعتلائه عرش البلاد سنة 1961، تابع الملك الراحل الحسن الثاني هذا « الحلم الملكي »، حيث جدد تعليمات والده وكلف إدريس البصري، وزيره في الداخلية، في بداية الثمانيات بإنجازه.
ضم هذا المشروع تشييد 10 آلاف مسكن على مساحة 44 هكتارا، وبدأت الأشغال، لكن سرعان ما توقفت بفعل تبديد وتحويل واختلاس أجزاء هامة من الأموال العمومية المرصودة له.
ففي التسعينات أعطيت انطلاقة ثانية لمشروع تشييد 10 آلاف مسكن اقتصادي لفائدة سكان « الكاريان »، وتم الاتفاق مع شركة « كوجيبا »، من أجل انجازه، وبعد انطلاق الأشغال انكشف أمر النصب والاحتيال، حيث تم اعتماد خدعة، مفادها إنجاز 6 آلاف مسكن اقتصادي (عوض 10 آلاف) و 4 آلاف شقة غير مرصودة لقاطني « الكاريان » خلاف ما أقرت به رغبة الملكين؟! تم تحديد ثمن 6 آلاف مسكن اقتصادي في 100 ألف درهم، في حين تحدد ثمن 4 آلاف شقة المتبقية في 200 ألف درهم، بعد حرمان قاطني « الكاريان » منها. هكذا تم التخطيط للخدعة، ورغم ذلك لم يتم انجاز ـ حتى ـ ما تم تسطيره نصبا واحتيالا!
وفي نهاية المطاف، لم يتمكن النصابون سوى من تشييد 2121 مسكن من أصل 10 آلاف، ولم تتحقق رغبة الملكين، محمد الخامس والحسن الثاني، بفعل احتيال وفساد « طغمة البصري »، ولا زال عدد كبير من قاطني « الكاريان » يعانون لحد الآن، مات الأجداد والآباء وبقي الأولاد، والأحفاد محرومين من حق أقر به الملكان منذ منتصف الخمسينات!يهود نصبوا على المغرب والمغاربة؟!
أشار أكثر من مصدر أن شكوكا كثيرة ظلت تحوم حول « دافيد عمار » بخصوص النصب على البلاط ومجموعة من الموظفين السامين، بشأن مبالغ مالية « طيطانيكية »، تكلف بتوظيفها أو تهريبها للخارج، وبذلك تسبب هروبه من المغرب، في نهاية 1971، في ضياع مبالغ مالية هائلة من أموال الملك الراحل الحسن الثاني ومجموعة من الوزراء والضباط السامين وكبار رجال الأعمال المغاربة الذين كانوا يثقون به، لتهريب أجزاء مهمة من ثرواتهم إلى الخارج أو توظيفها هناك.
لم يكن دافيد عمار شخصا غريبا عن البلاط ومجال الأعمال، فحول مائدته كانت تعقد الصفقات المريبة!
آنذاك، في فجر سبعينات القرن الماضي، كان دافيد أول محتكر للحبوب ببلادنا وأول مستورد لها. وسّع نشاطه السياسي بعد الاستقلال، حيث أسس جمعية الوفاق التي ضمت حينئذ جميع رجال الأعمال، اليهود المغاربة.
وبعد أن بدأت عملية تهريب اليهود المغاربة إلى الكيان الصهيوني، وحدوث كارثة الباخرة « بسيس » التي غرقت في عرض البحر، إذ لقي عشرات اليهود العجزة والأطفال حتفهم، توقف نشاط هذه الجمعية فحول دافيد اهتمامه، حيث لجأ إلى النخبة السياسية الموالية للبلاط فقوَّى صدقاته بالأعضاء المؤسسين لجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (الفديك) وبالمقربين من الملك، ضمنهم صهره أحمد عصمان. وبفضل هذه العلاقات تمكن دافيد من الفوز بمقعد بمجلس المستشارين، ففتح مكتبا للمعاملات التجارية بباريس كغطاء للقيام بتهريب الأموال وتوظيفها بالخارج لفائدة البلاط وكبار الأثرياء مقابل عملات ضخمة. ورغم ذلك اعتمد حيلا للسطو على كميات كبيرة منها، مما ساعده على توسيع نشاطه وبناء شبكة مهمة من العلاقات اخترقت دواليب الدولة حتى أضحى عدد كبير من الموظفين السامين والشخصيات الوازنة بالمغرب في خدمته!.حينما ورد اسمه بلائحة المتهمين في محاكمة الوزراء سنة 1971 (التي أحدثت من أجلها محكمة العدل الخاصة)، لم يصادف أدنى صعوبة في مغادرة المغرب بكل اطمئنان. ففي غضون شهر نونبر من سنة 1971 أشاع المشيعون في العاصمة، الرباط، أن دافيد عمار تمكن من مغادرة البلاد، رغم صدور أمر اعتقاله، وذلك برغبة من جميع أصدقائه وشركائه، وحتى ضحاياه، كي لا يفضح أمرهم. آنذاك كانت النيابة العامة لدى محكمة العدل الخاصة قد وجهت إليه تهمة منح رشوة لأحد الوزراء السابقين المعتقلين، قدرها سبعون مليون فرنك دفعة واحة!
فور طلوع اسمه في لائحة المتابعين فر دافيد، تم ذلك يوم صدور الأمر باعتقاله، حيث أخبرته جهة وازنة بالأمر، فتوجه إلى مطار « طيط مليل » المدني وامتطى طائرة مدنية صغيرة في ملكية أحد أصدقائه، بعد أن طلب رخصة التوجه إلى مطار فاس. لكن عندما حلقت طائرته فوق العاصمة العلمية حولت مسارها إلى الناظور ثم المضيق لتحط بمطار « مالقا » الإسبانية بدعوى حدوث عطب طارئ.
كان كل من « باروك دهان » و »سوسان » و »مانتو » وهم يهود مغاربة، قد اختفى أثرهم بعد هروب (دافيد). في البداية توجهوا إلى كندا، ثم استقروا بالكيان الصهيوني (إسرائيل) بعد أن خلفوا وراءهم عددا لا يستهان به من الأغبياء، الذين أصبحوا أثرياء بفضل مواقعهم ونفوذهم، وضعوا فيهم ثقتهم وكلفوهم بأموالهم التي طارت بمغادرتهم البلاد.ومن اليهود المغاربة الذين نصبوا على المغرب والمغاربة، الإخوان « أوحنا »، « بول » و »هنري »، خريجا المعاهد العليا بفرنسا.
اضطلع الأول بمسؤولية إبرام شراكة مع المجموعة الإيطالية « إي. ني » (ENI) لإحداث أول مجموعة مغربية لتكرير النفط « لاسامير »، إذ كان قائما على صفقات اقتناء البترول الخام من الخارج، وموازاة مع ذلك ائتمنه البلاط والقيمون على أمورنا أموال عمومية طائلة ففر بجزء كبير منها، لكن الدوائر العليا تسترت عليه إلى حين تمكينه من حط الرحال بالكيان الصهيوني، حيث أنشأ هناك مختبرا للأبحاث في مجال البترول والبيئة بتل أبيب.
أما الثاني، « هنري أوحنا »، فقد تمكن من ولوج سلك الإدارة العمومية، إذ قام بتسيير مجموعة من الدواوين الوزارية، منها الفلاحة والتجارة والمالية، إذ تألق في مشواره حتى تمكن من الاستحواذ على منصب ممثل المكتب الشريف للتصدير بالديار الأوروبية، وتزامنت مرحلته مع اختفاء مبالغ مالية هائلة من عوائد المكتب دون أن يظهر لها أثر، إضافة إلى أموال أخرى كان يقوم بتهريبها لفائدة شخصيات وازنة في البلاد، مستغلا منصبه. كما كان « هنري » هذا أول من روج، منذ 1968، لبيع المصانع الجاهزة (CLEF EN MAINS) بالمغرب الذي غادره مباشرة بعد انقلاب يوليوز 1971 متوجها إلى إسرائيل.وقد عمل الإخوان أوحنا (« هنري » و »بول »)، « روبير أسراف »، « مانتو » وشريكه « باروخ دهان » و »سويسا »، وهؤلاء جميعهم يهود مغاربة، على استثمار الأموال المهربة من المغرب (أموالهم والأموال المحصل عليها بالنصب والاحتيال) بالكيان الصهيوني.
وقد كشفت محاكمة الوزارة سنة 1971 أن « باروخ دهان » وشركاءه تلاعبوا بأموال صندوق الإيداع والتدبير بتواطؤ مع القيمين عليه، وأغلب هذه الأموال عرفت طريقها إلى إسرائيل.ترشيح مشبوهين لنيل أوسمة ملكية
لقد تعرض الملك الراحل الحسن الثاني أكثر من مرّة لخدع بخصوص التقارير المرتبطة بالمرشحين لنيل أوسمة ملكية.
كما دأب بعض المقربين من الملك على ترشيح أشخاص للأوسمة رغم تورطهم البيّن في ترويج المخدرات والاغتناء السريع عن طريقها. ضمن هؤلاء رشيد التمسماني الذي تمكّن من رئاسة الفريق التطواني لكرة القدم والوصول إلى الجامعة الملكية سنة 1995، ومنها فُتحت له أبواب البلاط ليوشحه الملك الراحل الحسن الثاني بوسام ملكي.
لم يخبر إدريس البصري الملك بحقيقة التمسماني، رغم علمه بأنه أحد كبار « بارونات » المخدرات بالشمال، ورغم إدراج اسمه في لائحة الحملة التطهيرية التي أعدها للتخفيف من الحرج الذي أحدثه تقرير المرصد الجيو استراتيجي للمخدرات بالنسبة للمغرب وملكه أيضا.
« نصابة » حاولوا تسميم علاقة الحسن الثاني بأخيهلم يكن الأمير الراحل مولاي عبد الله، أخ الملك الراحل الحسن الثاني، ضحية مؤامرات من ذيول الخيانة، مستهدفا من طرف تدبير مخابراتي فقط، وإنما كان كذلك ضحية لأكثر من حالة نصب واحتيال، الكثير منها استهدفت تأليب أخيه الملك عليه، وتسميم علاقتهما. ولم يكن الراحل الحسن الثاني على علم بالعديد من جوانب هذه المؤامرات، كما أن أخاه الأمير الراحل مولاي عبد الله اختار، عن طيب خاطر، التعالي عليها نظرا لطيبوبته وعدم اهتمامه بدواليب الحكم واللهث وراء السلطة، ولكونه سعى إلى العيش مهتما بأسرته ونفسه، غير مبال بما يخرج عن النمط الحياتي الذي اختاره.
وتظل أكبر عملية احتيال تعرض لها الأمير الراحل، خطة وضعها مجموعة من الخونة وبعض أقطاب سلطة الاحتلال الفرنسي، الرامية إلى وقف موجة الغضب الشعبي بعد تنحية الملك محمد الخامس عن العرش، مفادها الإعلان عن تعيين الأمير مولاي عبد الله ملكا بدل والده وإبعاد الملك محمد الخامس آنذاك وولي عهده الحسن الثاني عن المغرب، وقد علق الملك في خطاب العرش على ذلك يوم 18 نونبر 1952 بالقول : « .. الحماية الفرنسية بالمغرب مثل قميص أعد لطفل صغير، كَبُر الطفل ونما وترعرع وبقي القميص على حاله ».
ومن القضايا التي كانت سببا في خلافات الأمير مع أخيه الملك، أن جماعة من المقربين كانوا يستغلون هذا القرب للتفاوض باسمه ولتنمية مصالحهم والنصب على آخرين.
وقد اكتشف الملك الراحل الحسن الثاني عدة حالات من هذا القبيل، لذلك ما فتئ يلوم أخاه، وبشدّة أحيانا ، بخصوص علاقته بأشخاص دأبوا على الإساءة له.
لقد كان معروفا عن الأمير الراحل مولاي عبد الله تعلقه بأصدقاء طفولته وشبابه، سيما الذين درسوا معه في المعهد المولوي، بينهم عبد الحق القادري وجنان، وقد كان هذا الأخير قائما على مجموعة من مصالحه ومشاريعه.
ظل الأمير الراحل متسامحا يغفر للمخطئين في حقه بكل سماحة وسهولة. الشيء الذي دفع بعض المقربين منه للنصب على الغير باسمه، قصد السطو على عقارات وأراضي زراعية أو الاستيلاء على شركات، غير أن أمرهم سيفضح فيما بعد.
ومن النوازل التي أقلقت الملك آنذاك، محاولة بعض ا لمقربين من الأمير السطو على أراضي لإقامة تجزئات أو ضيعات باسمه وتوهيم أصحابها والقائمين عليها بأن ذلك يدخل في إطار تحقيق رغبات الأمير؛ ومن الحالات التي انكشف أمرها، أرض بالفوارات وأراضي أولاد خليفة بالغرب التي أثارت ضجة اجتماعية كبيرة في فجر السبعينات، وقد سقط على إثرها فلاحون بفعل القمع الدموي الذي أشرف عليه شخصيا الجنرال محمد أوفقير، وقد ارتبطت هذه القضية بوسيط يدعى « لوموان ».
وانكشف أيضا أمر سطو آخر باسم الأمير ودون علمه، تورط فيه الكولونيل بوبكر. وكان جل المقربين منه والمحيطين به يتاجرون باسمه، ورغم علمه بتصرفاتهم المشينة وانكشاف بعضهم لم يسبق للأمير الراحل أن كان سببا في إيذاء أحد منهم.
وبعد وفاته، سطا الكثير من هؤلاء على جملة من أمواله وأملاكه، ضمنهم شخصيات وازنة في الدولة. ورغم تدخل الملك الراحل بهذا الخصوص، تمكن جلهم من الاستحواذ على جزء من تركة المرحوم الذي كان يثق بهم كثيرا، وقد أضحى بعضهم، بين عشية وضحاها من أكبر الأثرياء.
ما دفع الملك الراحل الحسن الثاني، بعد وفاة أخيه، إلى البحث عن الذين كانوا يتصرفون في أموال وعقارات وشركات أخيه، عندما اكتشف، بالحجة والدليل أنهم نصبوا عليه فعلا.القنبلة النووية المغربية مجرد نصب واحتيال
في نهاية سبعينات القرن الماضي كانت بلادنا ضحية عملية نصب واحتيال، يمكن عنونتها بوهم القنبلة النووية المغربية.
آنذاك حدث لقاء مع الباحث الفرنسي « آلان بيكر »، وبالضبط يوم 25 أكتوبر 1981، حيث أوهم ضباط سامين مغاربة أنه من ا لممكن التفكير في إنتاج قنبلة نووية باستعمال اليورانيوم المستخرج من فوسفاط بوكراع، وهو من النوع u 235 الصالح لهذا الغرض.بعد اللقاء الأول مع الباحث الفرنسي، رئيس المعهد الدولي للإبداع والاختراع، الذي تم في سرية تامة، تلافيا لإخبار الجارة الجزائر والبلدان الأوروبية بالأمر، تم منح كل الصلاحيات لعناصر المديرية العامة للدراسات والتوثيق (لادجيد) تحت إمرة الجنرال أحمد الدليمي قصد تمكينهم من تجاوز كل العراقيل البيروقراطية والتغلب عليها.
كما أن كل الموارد البشرية والوسائل التقنية وكافة المستندات والكفاءات التي بحوزة وزارة الطاقة- كانت تحت إشراف موسى السعدي آنذاك – وُضعت رهن إشارة الباحث الفرنسي لإنجاح مشروع « القنبلة النووية المغربية » والذي أطلق عليه اسم « كازوجين ».
وقد جرى اللقاء مع الباحث الفرنسي « ألان بيكر » بالعاصمة البلجيكية (بروكسيل) عبر وساطة أحد مستشاري السفارة المغربية هناك، يٌُدعى بنموسى، هذا الأخير رتب لقاء يوم 25 أكتوبر 1981 بينه وبين ضباط سامين مغاربة، طلب خلاله الباحث الفرنسي ما يناهز 300 مليون درهم وجملة من المعدات الواجب اقتناؤها من إسبانيا وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا والنرويج والسويد، تحت غطاء استيراد تجهيزات خاصة بقطاع النسيج. تمت الموافقة على دفع نصف المبلغ المالي المتفق عليه لحظة التوقيع على العقد وإرجاء النصف الثاني إلى حين إجراء أول تجربة مقنعة.غير أن هذا المشروع لم ير النور، إذ لم يتم حتى الشروع في إنجازه. وقد قيل إنه تم التنصت على مكالمة هاتفية بين الباحث الفرنسي « آلان بيكر » وأحد معاونيه عندما كان مقيما بأحد الفنادق الراقية بمدينة أكادير، حيث تلفظ بما معناه .. » سنضحك على هؤلاء الأغبياء .. فهل يعتقدون أننا سنمكنهم من قنبلة نووية بهذه السهولة؟! »
علما أن الكثيرين لم يستسيغوا هذه الرواية، باعتبار أن الباحث الفرنسي زار المغرب أكثر من مرة بعد إقامته بالفندق بمدينة أكادير.حين نصب هشام المندري على الملك
في المرحلة الأخيرة من حياته، تعرض الملك الراحل الحسن الثاني لأكثر من عملية نصب وسرقة همت أحيانا أشياء خاصة به، كما حدث بخصوص الخاتم الملكي الذي اختفى من مكانه إضافة إلى مجموعة من الوثائق المهمة التي تم السطو عليها من مكتب أحد مستشاريه، وساعات ثمينة ناهيك عن أشياء أخرى غالية الثمن، سرقت من غرف الملك الخاصة، كما تبخرت كميات هائلة من الأموال (دراهم، دولارات وأوروات…) ومستندات من خزائن غرف الملك الحديدية.
غير أن أكبر عملية نصب وسرقة تعرض لها الملك الراحل الحسن الثاني، حدثت في صيف سنة 1998، عندما عاد من زيارة رسمية إلى مصر، حيث لوحظ اختفاء دفتر شيكات خاص بالملك، وحقيبة مملوءة عن آخرها بالدولارات الأمريكية، من عقر غرفته الخاصة، التي لا يلجها إلا قليلون معلومون، على رأسهم فريدة الشرقاوي، امرأة ثقة الملك الأولى، إذ كانت القيّمة على مختلف تفاصيل ودقائق الغرف الخاصة للملك، الماسكة بمفاتيح خزائنه وأرقامها السرية ومستودعات أمواله (بالدرهم والدولار والأورو).
وقد تناسلت بهذا الخصوص أكثر من رواية منها احتمال تواطؤ فريدة الشرقاوي مع هشام المندري على تهريب أموال وشيكات ووثائق سرية خارج البلاد، منها كذلك احتمال رغبة فريدة الشرقاوي في تأمين أيامها القادمة بعد رحيل الملك الذي كان قد هدّه المرض وبدت عليه علامات اقتراب موعد التحاقه بالرفيق الأعلى، ومنها أيضا أن هشام المندري خدع الملك وامرأة ثقته الأولى، في ظرف غفلة واستغلاله لفلتان مراقبة شؤون القصر ودواليبه من يد الملك الذي أنهكه المرض وأغرقه في وجوم شديد.الإخوان بوريكات
ظل الملك الراحل الحسن الثاني يعتبر أنه خدع من طرف الأجهزة الأمنية والقضاء بخصوص الإخوان بوريكات، إلى حد النصب عليه بتوهيمه أنهم متورطون في انقلاب كان يهيئه الجنرال أحمد الدليمي، وفي نوازل الاستيلاء على أموال طائلة بعد إنجاز صفقات مشبوهة بمال الملك واستغلال اسمه ونفوذه دون علمه.
وبهذا الخصوص سبق للمؤلف الفرنسي « ايريك لوران »، صاحب كتاب « الحسن الثاني، ذاكرة ملك »، أن سأل الراحل الحسن الثاني عما إذا كان يظن أن فضيحة « نازلة الإخوان بوريكات » ناجمة عن خطأ فادح ارتكبته الأجهزة الأمنية والقضاء، فكان جوابه بالإيجاب، لكنه أضاف – حسب « لوران » ـ « إن تركهم يخرجون من السجن كان خطأ فادحا كذلك… »
ومن المعلوم أن علي بوريكات تمكن من الحصول على اللجوء السياسي بالولايات المتحدة الأمريكية مقابل كشفه عن جملة من الأسرار خاصة بالبلاط وبفرنسا، سيما تلك المتعلقة بشبكات الاتجار في المخدرات بمباركة مسؤولين مغاربة وفرنسيين وازنين مقربين جدا من دوائر صناعة القرارات الكبرى والحاسمة، وهم الذين ساهموا بشكل كبير في حماية كبار مهربي كورسيكا ومارسيليا وباريس، مما قوّى نفوذهم ونشاطهم تحت غطاء بعض الشركات المستقرة بالمغرب، أهمها شركة « بيرنو وريكار » التي كانت تتوفر على مختبرات لصنع الكوكايين على تراب بلادنا حسب ما أدلت به زوجة مالك الشركة المذكورة بالديار الأمريكية، حيث تقضى بقية عمرها بعد تمتيعها باللجوء السياسي.للإشارة أطلق سراح علي بوريكات رفقة شقيقه سنة 1991 من سجن تازمامارت، حيث تم اعتقالهم جميعا في صيف 1973 ولم تعرض قضيتهم على أنظار العدالة.
هل أوفقير خدع الأسرة الملكية أكثر من مرّة؟
إن المتتبع لمسار الجنرال محمد أوفقير، يتوصل بسهولة إلى صحة الفكرة القائلة بأن الجنرال فرضه الاستعمار الفرنسي فرضا على البلاط، قبل مغادرته بلادنا، ليحتل الموقع الذي ظل يحتله في دواليب صناعة القرار ودوائره، واستمر في احتلاله بفضل دعم الأمريكيين والموساد.
حاليا، بعد تسليط الأضواء الكاشفة على عدّة زوايا من تاريخ المغرب كانت مغيبة أو مسكوت عنها، يطرح السؤال هل محمد أوفقير خدع الملكين محمد الخامس والحسن الثاني ونصب عليهما على امتداد مشواره؟
لقد ظل محمد أوفقير يسعى إلى السلطة منذ أضحى محسوبا على الضباط. فمع بداية الإستقلال أخذ يبحث عن تثبيت قدميه في دواليب الحكم، وشرع بتأسيس مؤسسات عسكرية لتكوين رجال موالين له، عيّن على رأسها رجال ثقته. فقد عمل على أن يكون الكولونيل الفرنسي « كوردان » على رأس مدرسة الاتصالات بالقنيطرة ثم تلاه إدريس الزرهوني، والثانوية العسكرية بالقاعدة الجوية بالقنيطرة التي ترأسها الكولونيل الفرنسي « لا نجري » قبل أن يخلفه « لوباريز »..كما حرص محمد أوفقير على تعيين من يكّن له الولاء، من الذين عملوا بجانبه في الهند الصينية والفيتنام، في مناصب عسكرية ومدنية عليا.
ومن المعلوم أن السلطات الفرنسية كانت قد اعتمدت على محمد أوفقير، بعد نفي الملك الراحل محمد الخامس وتنصيب محمد بن عرفة، لعزل كل القواد ورجال السلطة الوطنيين وتعويضهم بمن شاركوه في الحرب العالمية الثانية تحت لواء الراية الفرنسية، وأغلب هؤلاء نعتوا بالخونة، غير أنه لم تصادر أملاكهم كما حدث للبعض، ضمن هؤلاء القائد اعبابو بالغرب والقائد بنسليمان… كل المحيطين بمحمد أوفقير، إما تربطهم به علاقة قرابة أو سبق لهم أن عملوا إلى جانبه في الجيش الفرنسي أو تخرجوا من مدارس الأعيان الموالين للاستعمار أو من أبناء الخونة.ونظرا لأن القنيطرة احتضنت أهم قاعدة جوية ذات أهمية استراتيجية « حلف أطلسية »، وأيضا لأن محمد أوفقير بدأ تقعيد نفوذه اعتمادا على المؤسسات التي أنشأنها بها، فإن هذه المدينة ظلت منطلقا لمجموعة من المؤامرات هندس لها الجنرال الدموي، بما في ذلك محاولة تسميم الملك الراحل الحسن الثاني بواسطة طباخ يدعى « صلاح » وانقلاب الصخيرات (أحد الأخوين اعبابو كان يقطن بالقنيطرة) والهجوم على الطائرة الملكية.. ولا يخفى على أحد أن الجنرال محمد أوفقير كان يقضي جل أوقات فراغه بالقنيطرة أو بضواحيها (الفوارات).
كما أن محمد أوفقير وقف بقوّة ضد رغبة الملك الراحل محمد الخامس لما تبين بروز تيار « فرنسا الحرّة » تحت الاحتلال النازي. آنذاك كان الراحل محمد الخامس قد نادى على قائد منطقة الغرب وطلب منه أن ينشر رسالة دعم ومساندة تيار « فرنسا الحرة » وسط الضباط، غير أن محمد أوفقير والفرنسيين الموالين لحكومة « فيشي » النازية دبّروا جميعا مكيدة لقائد المنطقة وتخلصوا منه بعد علمهم بأمر الرسالة، حيث وضعوا مكانه القائد بوشعيب الحريزي الموالي لهم ولأوفقير حتى لا تصل رسالة الملك إلى أصحابها، وهذا ما أدى إلى وقوع معارك ضارية بين الأمريكيين والفرنسيين الموالين لحكومة « فيشي »، عند الإنزال بشواطئ المهدية.
وكان محمد أوفقير أيضا ضمن المجموعة التي وقّعت على إبعاد الملك الراحل محمد الخامس عن العرش، إذ زكّى اختيار الإقامة العامة الفرنسية لمحمد بن عرفة كسلطان مفبرك. وفعلا اضطلع الضابط محمد أوفقير بمهمة الحراسة الخاصة لمحمد بن عرفة بعد تنصيبه، وكان القيم على أمنه الشخصي. ولم يقف محمد أوفقير عند هذا الحد، بل ظل يعمل في الخفاء، بجدية ونشاط، ضد عودة الملك الراحل محمد الخامس إلى عرشه حتى آخر لحظة.ومن المعلوم أن محمد أوفقير هو الذي تكلّف بمرافقة محمد بن عرفة إلى مدينة « نيس » الفرنسية للاستقرار بها بعد عودة الملك الشرعي إلى عرشه.
فكيف خدع الملكين الراحلين، محمد الخامس والحسن الثاني في محمد أوفقير، رغم أن تاريخه كله ينضح خيانة؟خدعة القضاء على « الثورة » الريفية في « رمشة عين »
على إثر خدعة إخماد ثورة الريف دون إراقة دماء، بعد كشف أمر المتاجرة والمؤامرة في اتفاقية « ايكس ليبان » المعلنة عن الاستقلال المبتور للبلاد، اندلعت أحداث دموية بالريف بلغت ذروتها خلال سنتي 1958 و 1959، تدخلت خلالها القوات المسلحة، حديثة التأسيس حينئذ بقيادة الراحل الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك، الذي كان قد وعد أباه محمد الخامس أنه سيعمل على حل المشكل بالتي هي أحسن دون إراقة دماء، غير أن الأمر كان خلاف ذلك.
لقد اعتبرت جماعة من مقاومي وأعضاء جيش التحرير أن الاستقلال المعلن عنه، استقلال مبتور وبمواصفات خاصة لا تخدم آمال الشعب وانتظارات قواه الحية، لذلك قرروا عدم التخلي عن السلاح والاستمرار في حرب التحرير، فاتجه الجيش تحت قيادة محمد أوفقير لإبادة انتفاضة القبائل الريفية، احتجاجا على التلاعب بمفاوضات « ايكس ليبان » في حق المغرب والمغاربة.
لقد أصرت جماعة من جيش التحرير على الاستمرار في المقاومة، حيث رفضوا طرح السلاح إلى حين تحرير سبتة ومليلية والصحراء والجزائر وكافة بلدان شمال افريقيا لتحقيق الاستقلال الكامل غير المنقوص. لذلك حظي هؤلاء بدعم الريفيين الذين سبق وأن عاينوا كفاح محمد بن عبد الكريم الخطابي. ومما أجج انتفاضة الريفيين، تعيين عامل بمنطقتهم أساء معاملتهم، فرفضوا بقاءه بين ظهرانيهم.
لقد اعتبر أهل الريف اتفاقية « ايكس ليبان » اتفاقية الخزي والعار، وبين عشية وضحاها أصبح مقاومو الريف متمردين وفوضويين في نظر الرباط.
في البداية، أرسل الملك الراحل محمد الخامس، المحجوبي أحرضان، الضابط السابق في الجيش الفرنسي، إلى أهل الريف قصد الوساطة بين البلاط وأعضاء جيش التحرير الرافضين للاستقلال الأعرج، غير أنه لم يُوفّق في مهمته، نظرا لسمعته السيئة بين صفوف أغلب أعضاء جيش التحرير بالشمال.كما أن التاريخ سجل أن المهدي بنبركة، وصف انتفاضة الريف بالانتفاضة « الإقطاعية »، وهي نغمة نشاز تنضاف إلى نغمة أخرى سبقتها، وهي مشاركته في مفاوضات « ايكس ليبان » وتزكيتها رغم علمه، هو القائد السياسي الواعي والمحنك، بعدم خدمتها لقضية المغاربة.
لقد اندلعت المواجهات بين أبناء الريف في مقبرة الشهداء بأجدير، حيث سقط خلالها الكثير من القتلى. انتشر الغضب المستطير وسط السكان وتمترسوا في جبل « كوين »، وبذلك كانت انطلاقة العصيان الذي سرعان ما شمل المناطق المجاورة. وبدأ الحديث عن تشكيل حركة التحرير والإصلاح الريفية، وصدر ميثاق في 7 أكتوبر 1958، ركز على المطالبة بتسيير الريف من طرف الريفيين، وتم الإعلان عن تأسيس « جبهة النهضة الريفية » دفاعا عن « الكرامة الريفية ».
وفي بداية يناير 1959 بدأ قمع الانتفاضة في ظل حكومة عبد الله إبراهيم، حيث انتقل الراحل الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) رفقة محمد أوفقير إلى الريف، على رأس ما يناهز 20 ألف جندي، فتعرضت قرى الريف للقصف الجوي المكثف لمدة أسبوع ليل نهار.وأكد أكثر من مصدر أن طائرة الحسن الثاني أصيبت بعيارات نارية بسماء الحسيمة. وللتذكير بهذه النازلة سبق للراحل الحسن الثاني أن قال في إحدى خطبه سنة 1974: « [..] أما سكان الريف فهم يعرفونني جيدا ».
كانت مواجهة الريفيين عنيفة ووحشية باستعمال الدبابات والطائرات والمدافع الرشاشة التي أُطلق عنانها عشوائيا.. هدمت البيوت ودهمت المنازل وحرقت المزروعات وبُقرت بطون بعض الحوامل واغتصبت نساء وفتيات… وحسب مصادر متعددة خلف الهجوم ما يناهز 8000 قتيل دفنوا في مقابر جماعية ناهيك عن آلاف الجرحى.
تلك كانت خدعة « إخماد انتفاضة الريف بالتي هي أحسن دون إراقة دماء ».إن نظرة الملك الراحل الحسن الثاني للريف كانت خاصة ومطبوعة بحكم قيمة، له دوافعه تاريخيا، والذي شكل أرضية الانطلاق في التعامل مع هذه المنطقة على امتداد العهد االحسني. وقد تكرست اللبنات الأولى لهذا المنطلق منذ أحداث 1958 والفظاعات التي رافقتها.
تلك كانت نقطة البداية، حيث تكرس هذا المنحى الذي، دفع سكان المنطقة – بشهادة أغلب المحللين – إلى التوجه نحو الخارج مبكرا، والذي كان بالنسبة لأغلب الريفيين المنفذ الوحيد للتمكن من تحسين واقع حالهم والتوق إلى غد أفضل من يومهم.ثلاث مخابرات خدعت الملك الحسن الثاني
ظلت جهات خارجية، غير بعيدة عن الملك الراحل الحسن الثاني، أحيانا، عبر علاقات مباشرة وفي غالب الأحيان عبر عملاء أو علاقات وطيدة مع أقرب المحيطين بالملك والمقربين من البلاط ودوائر صناعة القرار، تحاول خداعه.
إنها الموساد الإسرائيلية والمخابرات المركزية الأمريكية (سي- إي- يا) ومديرية التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس التابعة للمخابرات الفرنسية.
وظلت هذه الجهات قريبة من القصر الملكي لدواعي مرتبطة بأمن الأسرة الملكية والقصور، كما أنها لم تكن غائبة كليا عن ركح الصراع حول السلطة، إما بدعم المعارضة أو دعم النظام، للتخلص من هذه الأخيرة أو بالإشراف على تكوين عناصر الأجهزة الأمنية والمخابراتية المغربية وإعادة هيكلتها من فترة لأخرى، وبفضل عناصر هذه الجهات تمكنت المخابرات والأجهزة الأمنية المغربية من اختراق الأحزاب السياسية واستدراج بعض قاداتها للتعامل معها.
وفي فترات معينة عملت بعض عناصر هذه الجهات الأجنبية، إما بتنسيق فيما بينها أو كل واحدة على حدة، على التخطيط بهدف التخلص من الملك الراحل الحسن الثاني